حالة من اللغط والجدل والتخبط تصيب المجتمع المصرى حول الدور الذى تلعبه وسائل الإعلام والصحافة (قومية وخاصة) فى المرحلة التى تلت ثورتى 25 يناير و30 يونيو وحمل الكثير من المراقبين والخبراء والساسة تلك الوسائل مسئولية كل ما يحدث. وواقع الأمر أن ما تمر به مصر من مرحلة انتقالية هو منطقى نتيجة لطبيعة تلك المراحل وحالة التخبط الناتجة عن تغيير القيادات والسياسات والقوانين أضف إلى ذلك غياب الدولة والمؤسسات النوط بها القيام بأدوار ينص عليها القانون فى الدول المستقرة؛ والواقع الذى لا يدركه البعض ويصر على جلد الذات أن طبيعة المادة الإعلامية ومضمونها هو سلعة تخضع للعرض والطلب والجماهير (مشاهدين وقراء) هم بالضروة الذين يحكمون على وسيلة ما بالنجاح أو الفشل بغض النظر عن موقف النخبة والساسة من ذلك المضمون ومستواه المهنى والأخلاقى والثقافى والتنويرى. الدولة تدفع ثمن غياب الدور القومى للمؤسسات المملوكة للشعب عندما تناست لسنوات أنها ممثلة للمالك (الشعب المصرى) ولا تملك، ولم تراع أن قوة تلك المؤسسات ونجاحها المهنى يرتبط بالأساس بتلبية حاجة ومطالب الشعب ومناقشة قضاياه بمهنية وموضوعية دون انحياز أو استقطاب أو تمييز، وتحولت تلك الوسائل فى معظم فتراتها إلى مؤسسات خاضعة للنظام الحاكم وليس الشعب، وغابت عنها المهنية والمعالجة القومية على شاشاتها وصفحاتها حيث اختلط لدى القائمين على تلك المؤسسات مفهوم الدولة ومفهوم النظام؛ لأن العمل وفق مفهوم ان تلك المؤسسات مملوكة للدولة تعنى بالأساس انها تعبر عن النظام والحكومة والمعارضة والأحزاب والمجتمع المدنى والجيش والشرطة وكل الأجهزة وقبل كل هؤلاء المواطن وقضاياه؛ أما العمل وفق مفهوم انها مملوكة للنظام (الرئيس والحكومة والأجهزة فقط) يجعلها خادمة للنظام دون غيره و ترى أن كل من يعارض النظام هو عدو والأراء التى ينطق بها أو الأنشطة التى يقوم بها مادة غير قابلة للتغطية أو النشر او الإذاعة والبث. وقد استغلت بعض وسائل الإعلام والصحافة الخاصة التى تأسست قبل ثورة 25 يناير وبعدها تلك المساحات التى تركها الإعلام القومى كى تجد مجالا واسعا للانتشار كل وفق مفهومه ومصالحه الخاصة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وفق قانون ومنطق لعبة الحياة ونظرية ملء الفراغ الصالحة للتطبيق فى كل المجالات ومن بينها وفى مقدمتها الإعلام والصحافة، فأنطلق تغطى ما لم تجرا وسائل الإعلام والصحافة القومية على تغطيته وناقشت قضايا المواطن التى تأتى فى أخر سلم اولويات وسائله المملوكة له وفق الدستور القديم والجديد، وخلقت وسائل الإعلام الخاصة حالة جديدة وتعددت الأصوات وزاد الضجيج لدرجة أن أحد لم يسمع أحد واصابها ما أصاب وسائل الإعلام القومية من غياب واضح للسياسات التحريرية وخضعت لضغوط السوق والطلب وفردية المذيع أو المذيعة أو رئيسا لتحرير أو كاتب المقال وهو بكل تأكيد كان سبب رئيسى فى التخبط والضبابية وعدم وضوح الرؤية والأهداف. الحقيقة والشفافية والمكاشفة أصبحت أمراض مشتركة تعانى منها كل وسائل الإعلام والصحافة المصرية بكل أنواع ملكيتها؛ غابت المهنية فضاع معنى الخبر واصبح للمعلومة أكثر من وجهة؛ وتحولت كل الوسائل إلى منابر فردية تخضع لمستوى وثقافة من يعتلى هذا المنبر أو ذاك؛ وأختلط مفهوم الاعلامى مع الصحفى؛ واختلط مفهوم الحزب والجريدة؛ واختلط مفهوم المهنى والناشط السياسى وتداخلت كل الأدوار فى غياب مواز لمؤسسات التشريع والبرلمان وكل المؤسسات الممثلة لإرادة الشعب وغياب ممثليه فى كل المجالس المنتخبة "المجالس المحلية ومجلس النواب" وحلت وسائل الإعلام والصحف بديلا عنها؛ كل يعبر عن صوت وقضية ما ويقدم الدفوع والاستجوابات والفضائح ويكشف الفساد ويدير معارك خاصة ومصالح متعارضة ومتشابكة فى غياب أكبر وفاضح لمواثيق الشرف وضبط الإيقاع النقابى. وستظل حالة الارتباك طالما غاب دور وسائل الإعلام والصحافة القومية القادرة على لعب دور هام وسط حالة الاستقطاب وتشتت الأصوات وغياب الرؤية؛ وستستمر حالة الارتباك طالما غاب الدور النقابى وتطبيق ميثاق للشرف المهنى فى الصحافة والإعلام لأن ضبط إيقاع المهنة وأداء العاملين بها يحتاج إلى اطار وميثاق يضعه القائمين عليها على أن يكونا أحرص من الحكومة والنظام على تطبيقه حماية للمهنة واستقلالها وخدمة للقارىء والمشاهد مستقبل الرسالة الإعلامية.