"غزة تقاوم" ولا تعرف الاستسلام ورغم ضراوة ووحشية عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي لم ترفع الرايات البيضاء، ولم تنكسر فيها إرادة الشعب الفلسطيني المقاوم، رغم مرور نحو الشهر على عملية "الجرف الصامد" التي شنتها إسرائيل على القطاع في السابع من شهر يوليو الماضي وما زالت مستمرة حتى اللحظة. وتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العملية استهداف المدنيين العزل وهدم المنازل فوق رؤوس عائلات بأكملها وتدمير البنى التحتية من كهرباء وآبار مياه ومحطات صرف صحي، مما أدى إلى حرمان سكان القطاع البالغ عددهم نحو 1.8 مليون نسمة من مقومات الحياة الأساسية ولجوء أكثر من ربعهم لمراكز الإيواء في مدارس تابعة للأمم المتحدة أو مدارس ومؤسسات حكومية أو منازل الأقارب. وعلق إسلام عبده، مدير الإعلام في وزارة الأسرى بغزة، على استهداف البنية التحتية قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط: "الاحتلال يريد غزة منهكة مدمرة راكعة لا تقدر على فعل أي شيء في مواجهة عدوانه الغاشم على الإنسان والشجر والحجر". وأضاف عبده: "الهدف من وراء تدمير البنية التحتية من محطات كهرباء وآبار مياه ومحطات مياه وصرف صحي هو تأليب الشارع الغزي على المقاومة على اعتبار أنها سبب الدمار والخراب الذي لحق بهم". وتابع: "المجتمع الغزي متماسك وواع ومدرك لهذه المخططات الهادفة لكسر إرادته ويلتف حول مقاومته ويطالبها بالاستمرار من أجل تحقيق كل الأهداف، وعلى رأسها رفع الحصار الخانق الذي اكتوى به كل مواطن". وأشار عبده إلى أن سكان القطاع يعانون من أثار الحصار ومشكلة الكهرباء متراكمة منذ سنوات، والمواطن على استعداد لتحمل تبعات هذا العدوان رغم الألم الشديد والمآسى والمجازر وآلاف الشهداء والجرحى لأنه يعلم أن الثمن الذي سيجبيه لدى انتصار المقاومة وفرض شروطها هو إنهاء الحصار بشكل كامل. وتفرض إسرائيل حصارا بحريا وبريا وجويا على غزة، منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في يناير 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع في يونيو من العام 2007، وما زال الحصار مستمرا رغم تخليها عن الحكم وتشكيل حكومة التوافق الوطني في 2 يونيو الماضي. إظلام غزة ومنذ اليوم الأول للعملية البرية الإسرائيلية في السابع عشر من يوليو الماضي، يغرق القطاع الساحلي الممتد على البحر المتوسط في ظلام دامس بعد استهداف خطوط الكهرباء المغذية لمناطق واسعة من خلال الشبكة الإسرائيلية، بالإضافة إلى قصف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع وتوقفها عن العمل بشكل نهائي. وألقت أزمة الكهرباء بظلالها السلبية على مختلف القطاعات الخدماتية، وعلى رأسها الصحة والبلديات التي تحتاج للكهرباء لاستمرار عمل مضخات الصرف الصحي وآبار المياه ومحطات التحلية وتوصيل المياه إلى المنازل، فضلا عن تفاقم معاناة سكان المباني السكنية متعددة الطبقات. ووفقا لسلطة الطاقة في غزة، فإن ثمانية خطوط مغذية لقطاع غزة بالكهرباء من أصل 10 معطلة نتيجة للقصف الإسرائيلي للشبكة، بالإضافة إلى توقف عمل المحطة بالكامل. وأوضحت أن القطاع لا يحصل سوى على نحو 24 ميجاوات من الكهرباء من الخطين الواصلين من إسرائيل، فى حين يعيش أكثر من 80% من السكان في ظلام دامس. وقصفت إسرائيل محطة كهرباء غزة لأول مرة في منتصف عام 2006 عقب عملية أسر الجندي جلعاد شاليط، ومنذ ذلك الحين يعاني القطاع من انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر ووصلت فترة القطع يوميا 8 ساعات حتى بداية العدوان الأخير. وقال صبري عبد الرحمن، وهو صاحب ورشة لإصلاح السيارات أسفل منزله بمدينة غزة: "أزمة الكهرباء شلت حياتنا والعمل في الورشة شبه متوقف باستثناء فترات التهدئة القليلة". وأضاف عبد الرحمن، وهو فى الخمسينات من العمر: "ارتفاع أسعار الوقود الإسرائيلي جعلني لا أتمكن من استخدام المولد البديل إلا في الحالات الطارئة والضرورية فقط لأن تكلفة تشغيله عالية جدا مقارنة بإيرادات الورشة". وتابع: "تحولت غزة إلى مدينة أشباح لا يوجد فيها ماء ولا كهرباء ولا يسمع فيها إلا أصوات الانفجارات وأزيز الطائرات وطلقات المدافع والبوارج الحربية". ومع اشتداد الأزمة، يستخدم الغزيون بدائل متعددة لتوليد الكهرباء، على رأسها المولدات التي تعمل بالبنزين وتعج بها محال الأجهزة الكهربائية بأشكال وأحجام مختلفة، كما يستخدمون الكشافات ذات الأحجام المختلفة. وخلال العدوان، زاد الاعتماد على استخدام أجهزة ال"يو بي اس.. UPS" الموفرة للطاقة بالرغم من غلاء ثمنها، والتي تعمل على شحن الطاقة خلال فترة وجود التيار الكهربائي أو استخدام المولدات ومن ثم تخزينها واستخدامها أثناء انقطاع التيار من خلال بطارية شحن كتلك المستخدمة في السيارات. ويقول إسلام محمود، حلاق: "أستخدم المولد الكهربائي لمدة أربع ساعات يوميا ومن خلاله أستطيع شحن جهاز "يو بي اس" وتوفير طاقة لمدة 10 ساعات تكفى للإضاءة وتشغيل جهاز التليفزيون فقط". وأضاف في نبرة غاضبة: "لقد سئمنا هذا الوضع ولابد أن تنتهي هذه المعاناة وتعود الكهرباء 24 ساعة بعد العدوان مثل باقي دول العالم"، مطالبا الفصائل الفلسطينية بالثبات على موقفها بضرورة رفع الحصار بشكل كامل ونهائي. ويحتاج قطاع غزة لنحو 360 ميجاوات من الكهرباء لا يتوفر منها سوى قرابة 200 ميجاوات يحصل عليها من ثلاثة مصادر، أولها إسرائيل، حيث تمد القطاع بطاقة مقدارها 120 ميجاوات، وثانيها مصر، وتمد القطاع ب28 ميجاوات، فيما تنتج محطة توليد الكهرباء في غزة ما بين 40 إلى 60 ميجاوات. ومن رحم أزمة الكهرباء، تولدت أزمة المياه لأن انقطاع التيار الكهربائي أدى إلى عدم قدرة المواطنين على ملء الخزانات، خاصة العمارات والأبراج السكنية المرتفعة. وأعلنت سلطة المياه الفلسطينية غزة منطقة منكوبة مائيا وبيئيا بسبب عجزها شبه التام عن تقديم خدمات المياه والصرف الصحي لسكان القطاع. وطالبت المجتمع الدولي ومؤسساته وعلى رأسها الأممالمتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسات حقوق الإنسان بالتحرك الفوري والعاجل لتفادي وقوع الكارثة في قطاع المياه جراء استمرار الحرب. ويحاول مصطفى شقورة، وهو أحد سكان حي تل الهوى غرب غزة، التغلب على أزمة المياه بتعبئة خزان منزله بالمياه المحلاة، لكنه يؤكد صعوبة رفع المياه نحو الخزانات الموجودة على سطح المنزل لعدم وجود الكهرباء. ويقول شقورة: "لم تصل المياه إلى منزلنا منذ ثلاثة أيام بسبب انقطاع الكهرباء.. الحياة لم تعد تطاق، فنحن نعيش بلا ماء ولا كهرباء واضطررت إلى إصلاح مولد قديم عندي حتى أستطيع رفع المياه للأدوار العليا رغم ما يمثله شراء الوقود الإسرائيلي باهظ الثمن من أعباء مالية إضافية". ويشير مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا" إلى أن 1.8 مليون شخص في قطاع غزة لا يحصلون على خدمات المياه والصرف الصحي بشكل منتظم. وأكد المكتب في تقرير أصدره أمس الأول، السبت، أن إجمالى أعداد النازحين بلغ 288 ألفا في المدارس الحكومية والتابعة لوكالة الأونروا، من بينهم 253 ألفا و211 في 90 مدرسة للأونروا بمتوسط 2800 في المدرسة الواحدة، ما يشكل تحديا كبيرا لقدرة الوكالة على توفير المتطلبات الأساسية لهؤلاء النازحين. وقال إن هناك 18 ألفا آخرين يعيشون في 19 مدرسة حكومية، و7 آلاف في المبانى الحكومية، بينما قدرت وزارة الشئون الاجتماعية أعداد النازحين الذين يعيشون مع الأسر المضيفة بنحو 200 ألف، وهذا يعني أن ربع سكان غزة أصبحوا من النازحين، وفقا لتقرير "أوتشا".