ليس ثمة خيار أخر أمام المتابع لما يجري من تقدم قوات تنظيم داعش "جماعة الدولة الإسلام في العراق والشام" سواء في العراق أو باتجاه السعودية والأردن وردود فعل الدول العربية، إلا أن يضحك ملء فيه أو يخرج عن عقله ويخلع لباسه ويقف عاريا وصارخا، هذا حصاد ما زرعته سياساتكم وحساباتكم الخاطئة، ومن قبل أموالكم التي صارت نقمة لا نعمة على الأمة، لقد أشعلتم النار ثم جعلتموها لعبة ناجزة سهلة تلعبون بها بديلا عن الحلول السياسية والتفاوضية طويلة الأمد، وها هي تتقدم وليس بينها وبين أبوابكم غير بعض وقت. أنتم من أنبتم شجر التكفير والعنف والارهاب وتعهدتموه بالسقاية هنا وهناك، وأغرقتم بثمارها الجوعي والفقراء والجهلاء والممسوسين عقليا والملوثين وجدانيا، فتلقفتهم أيادي أعدائكم فاستخدموهم في حربكم في الداخل والخارج، وها هي تتنادى على قصعتكم بدعمكم ودعم أعدائكم. جررتم العراق لحرب صد فيها عنكم الأطماع الإيرانية وأخرس شيعتكم قبل شيعة إيرانوالعراق نفسه، ثم صفقتم لضربه وحصاره وغزوه وسمحتم لإيران وأذنابها بالانتقام وأن تتحالف مع أمريكا وتعمل معها على غزو العراق وتمزيقها وإعدام صدام حسين ليلة عيد الأضحى بينما المسلمون يستعدون للخروج لصلاة العيد.. وقفتم تتفرجون عليهما وهما يمارسون قتل الشعب العراقي وإهانته وإذلاله وتجويعه وتشريده وسرقة مقدراته وثرواته، وها أنتم الآن تقفون غير قادرين على استيعاب حصاد ما زرعتموه ومن ثم تجنب آثاره المدمرة. قد جرت داعش، ومن قبل القاعدة وجبهة النصرة والجهاد والجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين، داعميها ومن يظنون أنها يتحكمون فيها ويسيرونها إلى مستنقعات ووحول لا قبل لهم بها، لقد صنعت أمريكا والغرب الأوروبي تنظيم القاعدة واحتضنت المتطرفين والاهاربيين من كل صوب، وكانت النتيجة أحداث 11 سبتمبر وضرب السفارة الأمريكية في نيروبي وغيرها من العمليات التي استهدفت مصالحهما ومواطنيهما في الدول العربية والإسلامية وأفريقيا. فهل يتخيل الداعمون العرب أنهم أقدر من أمريكا والغرب على التحكم في مسارات التنظيمات الارهابية؟ لقد تهرأ السنة عربيا وإقليميا بفعل التشوهات التي جرت لأفكارهم وكثرة استخدامهم في التآمرات الداخلية والخارجية، فلم يعد لهم عالم أو شيخ أو داعية تجله وتحترمه جموعهم، ولحق نفس الأمر بالمؤسسات الدينية الخاصة بهم التي صارت أداة فاقدة المصداقية ولعبة في أيدي السلطات الحاكمة، ليصير هؤلاء الجهلاء والمجانين من قادة ورموز الجماعات المتطرفة والإرهابية هم أصحاب الكلمة والرأي والشورى والقيادة، في المقابل كان الشيعة يتراصون كبنيان يقدسون آياتهم وأئمتهم وشيوخهم ومراجعهم وينزهونهم ويعلون كلمتهم، كما يقدسون وينزهون مؤسساتهم الدينية ويعتبرونها المرجع الذي لا يعلو عليهم مرجع آخر. وإذا كان السعي الشيعي الإيراني نحو تحقيق نفوذ في العراق والشام والخليج مدعوما بوحدة صفه وجموع الشيعة وشيوخها ودعاتها في هذا الدول والتي تدين بالولاء لمؤسساتها في النجف وقم في العراقوإيران، فإن السعي السني سواء كان في الخليج أو شمال أفريقيا لم يكن بوحدة الصف الشيعي، وفي مواجهة هذا الصف كان منقسما على نفسه وليس وراءه جموع أو إجماع أهل السنة، فمؤسساته مهترئة تعاني ضعفا وعجزا وانقساما أقل ما يوصف به أنه بشع فضلا عن أنها لم تعد مصدر ثقة لا في فتاواها أو تفسيراتها أو توجيهاتها أو مواقفها، وبالنهاية هي في عيون أهل السنة تتبنى ما تراه السلطات الحاكمة، والنتيجة أن رأينا خروج جماعات وتنظيمات التكفير والارهاب التي وجهت سهامها أو ما وجهته إلى صدر دول السنة. إن وقف المد الشيعي وردعه وقطع أياديه في الشام والخليج لن يتأتى أبدا بدعم وتسليح جماعات وتنظيمات الإسلام المتطرفة والارهابية، فهذه الجماعات والتنظيمات أجهزت على العراقوسوريا وتتمدد الآن في طريقها لأكثر من دولة في المنطقة، وكلما تقدمت أخذتها زهوة الانتصار والغرور وظنت أنها قادرة على تحقيق أوهامها في دولة الخلافة غير المرسومة الحدود، ولكن يتأتى بوحدة الصف والعمل الصادق من أجل تحسين أوضاع أهل السنة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتقوية مؤسساتهم بالاحترام والتقدير والحيادية والموضوعية والاستقلالية، والتمسك ببقاء العراق موحدا ودولة كبرى، وكذلك سوريا. الدم يجري كالنار في الهشيم من سوريا إلى لبنان إلى العراق إلى ليبيا، في ظل تحالف إيراني أمريكي وغربي، فرضته إيران بعد أن تمكنت من التنفذ على الملأ داخل العراقوسورياولبنان، فهي تتدخل في الدول الثلاث وتجاهر علانية بذلك سواء من خلال حزب الله في سورياولبنان أو آيات الله والسياسيين التابعين لها في العراق، في الوقت لم تجرؤ دولة عربية أو إسلامية سنية على مجرد إعلان دعمها ومساندتها للثورة الشعبية التي اطلقت في العراق أواخر العام الماضي 2013 واعتصامها المفتوح الذي فضته قوات المالكي بالقوة. ومما يؤسف له أن الهدف يمكن للأعمى مع الاعتذار للعميان أن يرصده، تفتيت العراقوسوريا إلى ولايات، وإقامة منطقة ما بينهما تشكل مركزا للإرهابيين والمتطرفين، الأمر الذي يستنزف الخليج ويجعل إيران بمنأى عن أي تهديد سني قوي، ويسمح لإسرائيل يوما قد لا يكون بعيدا تحقيق حلم خارطتها في السيطرة على ما بين الفرات إلى النيل. لا بكاء على الدم المسكوب غدرا وخسة على مدار عشرات السنين ولا يزال، لكن آن أوان التوقف ودراسة كل خطوة، فالشعوب العربية والإسلامية باتت قاب قوسين أو أدني بالكفر بالإسلام وسلطاته وحكامه، والفضل يرجع أولا وأخيرا إلى سياساتكم وأموالكم التي تتخبط كمن يتخبطه الشيطان من المس في أرجاء الأمة العربية والإسلامية. إن إيقاف المخطط يستدعي تحالفا يستبعد أمريكا والغرب ويشعرهما بفقدان حقيقي لمصالحهما في المنطقة العربية، أما ما يطلق عليه ممارسة الضغوط أو التلويح بالغضب أو بالاتجاه إلى حلفاء آخرين، فكل ذلك لا طائل منه، لأنه يؤكد الضعف ولا ينفيه، كما يستدعي تحركا سياسيا موحدا وصلبا يستتبعه مواجهة عسكرية واضحة إذا استلزم الأمر ذلك، أما أن تظل سياسة الحرب بالوكالة من خلال الاستعانة بالارهابيين والمتطرفين والتكفيريين لحسم المواقف فهذا لن يجدي نفعا، بل سيزيد الدماء في الأيدي والرقاب، وبالنهاية ضياع أمة الإسلام والمسلمين.