ليس "داعش" وحده بطل المشهد فى العراق الآن، الكل يعلم أن تنظيم الدولة الاسلامية فى العراق والشام "داعش" هو مفجر الأحداث والراعي الأول للعنف الذى اجتاح أرض الرافدين فى الأيام القليلة الماضية، إلا أن الحقيقة التى يغفلها كثيرون، هى أن "داعش" لا يعمل بمفرده وإنما يعمل بمساعدة تنظيمات وعشائر وقبائل سنية بالإضافة إلى بقايا كوادر وقيادات حزب البعث التى عادت للظهور من جديد على الساحة، عقب إعلان داعش بداية حربها ضد الدولة العراقية. مخطئ من يظن أن ما يحدث فى العراق حاليا بخطورته وأبعاده ونتائجه لن يمس مصر، فالعراق كان وسيظل بلدا عربيا تربطه معنا روابط إقليمية ودينية كباقى الدول العربية، ولكن الأهم فى هذه المرحلة، ولكى نحسن التصرف والتعامل مع هذه الأزمة، لابد نفهم حقيقة الصراع هناك وأطرافه، ونرى الصورة كاملة حتي لا نقع فى أخطاء التعميم أو التحيز لجبهة علي حساب أخرى. التنظيمات والكيانات السياسية السنية وجدت فى داعش ضالتها، بعد أن فاض بها الكيل من سياسات نورى المالكى رئيس الوزراء العراقى وحكومته ذات الاغلبية الشيعية، الأمر الذي جعلها تختار التحالف مع "الشيطان" إن لزم الأمر وليس فقط مع "داعش"، حتى تتخلص من نظام المالكي ومحاولات المد الشيعى فى العراق. هذه هى حقيقة ما يحدث فى العراق، فالأمر ليس صراعا بين الجيش العراقى وداعش فقط ، ولكنه صراع "طائفى" قلبا وقالبا، لن يقلل منه أو ينهيه التوقف عن وصفه بالطائفية، ووضع رؤوسنا فى الرمال. مشاهدة مقاطع " الفيديو" المسجلة لجرائم داعش فى العراق أمر أخر يجب التوقف عنده، وإعمال العقل لدقيقة قبل الحكم عليه، وذلك لأن اقتحام داعش للموصل ومدن أخرى سنية يتنافى تماما مع عمليات القتل العشوائى التى تنقلها تلك الفيديوهات، ببساطة لأن سكان تلك المناطق "سنة" وليس هناك أى مبرر لقتلهم من وجهة نظر داعش لأنهم أصحاب نفس المذهب، وهو ما يفتح العديد من الشكوك وراء حقيقة هذه المقاطع ومن يقف وراءها. يبقى أمر واحد هو الأهم على الإطلاق وفقط للتذكرة ، هو أن استعانة طوائف السنة العراقية بتنظيم داعش، لترجيح كفتها فى معركتها مع النظام العراقى لن يصب فى مصلحتها فى النهاية، والتجربة السورية خير دليل، فقد استعانت المعارضة السورية المتمثلة فى الجيش الحر بداعش فى حربها ضد النظام السورى، ورجح التنظيم كفة المعارضة فى كل معركة دخلها ضد النظام، ولكن وبعد تحقيق النصر، ومع بداية توزيع المكاسب على الارض، ظهر وجه التنظيم الحقيقى وبدأ الخلاف يشق تلك الوحدة الهشة، ليجد الجيش الحر نفسه يحارب الجبهتين معا، داعش والتنظيمات التى تنتمى للقاعدة من جهة، والنظام من جهة أخرى، وهو السبب الذي أطال عمر الثورة السورية حتى الان. للأسف ترتكب السنة العراقية نفس الخطأ الآن، وتعيد المشهد السورى بنفس أخطاءه من جديد، كعادة كل العرب، فنحن أعلم الناس بعدونا الحقيقى ونراه بكل وضوح، ونعلم أن واشنطن هى المستفيد الأول والسبب الرئيسى وراء ما يحدث للعراق الان ،وهى أيضا السبب فى الدمار الذى لحق بالعراق منذ الغزو الأمريكى عام 2003، ولكن كالعادة نصوب السلاح فى الاتجاه الخطأ، سواء باتهام "داعش" وحدها بالوقوف وراء الأحداث أو بالتعاون مع "داعش" أيضا للقضاء على النظام العراقى، أقصد ما تبقى من العراق.