تشهد الساحة اللبنانية انفراجة سياسية واسعة لم تشهدها من قبل، خاصة طيلة السنوات الأخيرة، بعد التوافق على انتخاب ميشال عون رئيسًا للبنان، ومن ثم إعلان تعيين سعد الحريري رئيسًا للوزراء إثر تكليف الرئيس اللبناني له. وصوت 110 نائبين من أصل 126 لصالح سعد الحريري؛ لتولي رئاسة الحكومة اللبنانية، وبينما أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أن كتلته النيابية سمت سعد الحريري لتولي رئاسة الحكومة، أعلنت حزب الله أن كتلتها في البرلمان اللبناني لم تسم أحدًا. وبذلك يعود الحريري الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2009 و2011 إلى السرايا الحكومية في إطار اتفاق برلماني أفضى إلى انتخاب عون رئيسًا الاثنين، ما أنهى الفراغ الرئاسي الذي استمر 29 شهرًا. وحظي الحريري بدعم رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي وكتل "المستقبل" و"التغيير والإصلاح" و"القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" و"اللقاء الديمقراطي" وكتلة "النائب سليمان فرنجية"، إضافة إلى عدد من النواب المستقلين، لكن يؤكد مراقبون أن عدم دعم حزب الله أحد المكونين الأساسين في لبنان للحريري سيكون له تأثير كبير على منصب رئاسة الحكومة، الأمر الذي يؤكد صعوبة تشكيل حكومة ذات توافقات طائفية وسياسية. وعلى الرغم من عدم تصويت حزب الله للحريري، إلا أن حلفاءه في 8 آذار أعلنوا تسميتهم للحريري، حيث عبر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عن استعداده للتعاون في الجهود المبذولة لتشكيل حكومة الحريري الجديدة. وبري هو رئيس حركة أمل وواحد من أكثر الشخصيات نفوذًا على الساحة اللبنانية، وعبر في السابق عن معارضته لصفقة نسجها الحريري مع عون، وقادت الأخير إلى منصب رئاسة الجمهورية هذا الأسبوع. وقال بري بعد لقائه عون في القصر الرئاسي "اليوم وبعد أن اجتمعت بكتلة التنمية والتحرير مع قيادة الحركة التي أنتمي إليها، قررت أن أقدم طلبًا وتمنيًا باسمنا جميعًا بتسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة:، مؤكدًا بشأن مشاركته في الحكومة أن هذا القرار الذي أخذته كتلة التنمية والتحرير وحركة أمل بالتسمية لو لم تكن هناك نية للتعاون ما كنا سميناه. وجاء انتخاب عون نتيجة تسوية وافقت عليها غالبية الأطراف السياسية في لبنان، وبات واضحًا أن التسوية تشمل تكليف عون رئيسًا للبنان والحريري رئيسًا للوزراء، لكن يجمع المحللون على أن تشكيل الحكومة سيواجه عقبات كثيرة، بسبب عدم تجانس المكونات ذات المصالح المتضاربة في السلطة في المرحلة المقبلة، الأمر الذي من الممكن أن يحتاج إلى بضعة أشهر للتوافق حول حكومة تستطيع انتشال البلاد من أزماتها الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تفاقمت مع تأخر انتخاب رئيس للجمهورية، حيث من المتوقع أن يتمحور النزاع السياسي حول أصحاب الحقائب الثقيلة في الحكومة، والمتمثلة في الخارجية والداخلية والدفاع والمال والطاقة. كما يأتي التحدي الخاص بتشكيل الحكومة في أن الحريري سيواجه ضغطًا دوليًّا وخليجيًّا لعدم مشاركة «حزب الله» في الحكومة، الأمر الذي قد يكون عائقًا واسعًا في سرعة تشكيلها. ويقول مراقبون إن نجاح الحريري في الحكومة يتمثل في تأمين الدعم الغربي والعربي للبنان؛ حيث تربط العديد من الدول الغربية دعمها للجمهورية اللبنانية بطريقة تشكيل الحكومة، ويأتي على رأس هذه الدول فرنسا. كما يري مراقبون أنه سيكون أمام الحريري أمر آخر، وهو ترك الملفات الخلافية مع فرقائه السياسين وتنحيتها جانبًا، وأهمها سلاح المقاومة، حيث إن ثمة تقارير تتحدث عن أن هناك "توافقًا وتفاهمًا" بين كل الأطراف السياسية على تحاشي وتجاوز القضية و"الالتفات أكثر لإدارة الشأن اللبناني".