"التضامن" تنظم دورة تدريبية للصحفيين ومعدي البرامج المعتمدين بالوزارة    حزب حماة الوطن بالبحيرة يوزع أجهزة كهربائية على 10 عرائس    لأول مرة في السوق المصرية.. هواوي توقع شراكة مع «طلعت مصطفى» لتقديم خدمات التكنولوجيا السحابية للمدن الذكية    غدًا قطع التيار الكهربائي عن 3 أحياء بمدينة طور سيناء.. المناطق والمواعيد    وزير الطيران المدنى: إنشاء مطار برأس الحكمة تزامنا مع حركة التعمير الكبيرة    بايدن: يجب تجنب حرب شاملة في الشرق الأوسط.. وسأتواصل مع نتنياهو    رئيس البرلمان العربي يشيد بمبادرة الملك سلمان بتقديم دعم مالي شهري للفلسطينيين    أولمرت يعترف باغتيال «مغنية»    بوستيكوجلو: لهذا السبب طُرد برونو.. وكان يجب تسجيل هدفين أو ثلاثة    مصر تتوج بذهبية التتابع المختلط ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 19 عامًا    السيطرة على حريق شب في أرض فضاء بمنطقة المطرية    إصابة 3 أشقاء من قرية بكفر الشيخ باشتباه تسمم    العثور على جثة سيدة مقتولة بمنشأة عبدالله في الفيوم    توجيهات عاجلة لمحافظ الإسكندرية بشأن شارع توت عنخ آمون -صور    وزير الثقافة ونقيب الصحفيين يشهدان ندوة مناقشة ديوان "خيالي" لجمال بخيت    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت 93 مليون خدمة مجانية خلال 59 يوما    صحة الإسماعيلية تنظم حملات توعية لطلاب المدارس (صور)    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    الأرصاد تحذر من اضطراب الملاحة البحرية خلال اليومين المقبلين    الجمهور يحتشد حول زينة أثناء تصويرها فيلم بنات الباشا في طنطا.. (صور وفيديو)    النصر ضد الريان.. تريزيجيه: هدفنا تحقيق الفوز.. واللعب تحت الضغط ممتع    انطلاق صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي بندوة «التعليم إلى أين؟»    ضمن مبادرة «بداية».. الثقافة تفتتح مؤتمر «مستقبل تأهيل ذوي الإعاقة» بالقاهرة    جامعة سوهاج توافق على لائحة «نظم المعلومات المكتبية والإعلام الرقمي» بكلية الآداب    السيسي: مصر من أوائل الدول التي تعالج المياه بأحدث وسائل التكنولوجيا    كاف يكشف عن خطأ حكم الفار في لقاء الأهلي والزمالك بالسوبر الأفريقي    سليمان يحتفل بثاني ألقابه في السوبر الأفريقي مع الزمالك    نائب محافظ دمياط تبحث عملية تطهير خزانات المياه بمبانى الجهات الحكومية    العاهل الأردني يعرب عن تقديره للخدمات الطبية لتقديم الدعم للفلسطينيين بقطاع غزة والضفة الغربية    وزير الثقافة يتفقد معرض نقابة الصحفيين للكتاب ويفتتح حفل توقيع ديوان جمال بخيت    مستشار البنك الدولي السابق: الدعم العيني هو الأفضل لمصر بشرط    100 ألف.. فيلم "عنب" يتراجع في تحقيق الإيرادات    رشوان: الرئيس يجدد مطالبته للحوار الوطني بإيلاء الأولوية لقضايا الأمن القومي    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    رمضان عبد المعز: الله سبحانه وتعالى يكره هذه التصرفات من عباده    السيطرة على حريق محدود فى محطة وقود بالشرقية    دعاء زهران: حماية أمن مصر أولية قصوى للقيادة السياسية في ظل اشتعال المنطقة    1640 شهيدا و8408 مصابين جراء عدوان إسرائيل على لبنان منذ أكتوبر الماضي    وزير المالية لممثلي المجتمع التجاري والصناعي: نمد إليكم «يد الثقة والشراكة والمساندة» بحلول عملية توفر حلولا متكاملة للتحديات الضريبية    طبيب قلب: تجنب التدخين والوزن المناسب والرياضة حلول تمنع تصلب الشرايين    حملة مكبرة لإزالة أماكن النباشين بمدينة الإسماعيلية    ميكالي يوقع عقود تدريب منتخب الشباب.. ويتفق مع اتحاد الكرة على تفاصيل المرحلة المقبلة    دون جراحة، مستشفى ملوي تنجح في علاج حالة سرطانية نادرة (تفاصيل)    وزير الطاقة الإسرائيلي: نبحث عن ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز مع لبنان    بينها رفعت عيني للسما.. 12 فيلما تشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بالدورة السابعة لمهرجان الجونة    وزارة الاتصالات تنظم برنامج سيكولوجية إدارة الأعمال الرقمية    الأمانة العامة بالنواب تخطر الأعضاء بجدول الجلسات البرلمانية    مدير إدارة حدائق أكتوبر التعليمية تتفقد انتظام سير الدراسة بعدد من المدارس    ضبط مواد غذائية مجهولة المصدر بحملة تموينية فى العاشر من رمضان    احذر.. حبس وغرامة مليون جنيه عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    أول تعليق من هانز فليك بعد رباعية اوساسونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية مكان| «متاتيا».. بطولة مقهى فجر ثورات
نشر في البديل يوم 25 - 10 - 2016

«المكان زمان جامد والزمان مكان سائل».. عبارة تجسد الأهمية التاريخية لبعض الأماكن التي تحمل ذاكرة أمة، وتحفظ تاريخ وطن، وتشهد بطولات خالدة، ونضالًا ثوريًّا وحراكًا فكريًّا، لذلك حرصت «البديل» على تقديم سلسلة تحت عنوان «حكاية مكان» تتناول من خلالها بعض الأماكن الشاهدة على ملاحم تاريخية ومعارك فكرية وسياسية.. أو تلك التي كانت صدى لحضارة قديمة أو حادثة غريبة.
وتعد قهوة متاتيا، التي كانت تقع بميدان العتبة عند حديقة الأزبكية إلى جوار دار الأوبرا القديمة، أفضل تمثيل للقيمة التاريخية إذا تمثلت في مكان وللحراك الثوري إذا ارتبط بكيان، فهذا الركن الصغير الضئيل حدد مصير أمة لآماد طوال، وسجل تاريخًا من الصعاب والأهوال، وكان شاهدًا على الكفاح والنضال، فمنه هبت ريح الثورة العرابية، وانطلقت دعوات الفكر والتنوير، وفيه أسس جمال الدين الأفغاني أول حزب سياسي بمصر «الحزب الوطني الحر» وألقى بيان تأسيس الحزب من على المقهى أيضًا، ولا يبرحه إلَّا فجرًا، حيث يتأمل حال المصريين وهو يمسك الشيشة بيمناه، ويوزع الثورة بيسراه، ينفث مع دخان شيشته عبارات تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة في نفوس من حوله ليحثهم على الثورة، فيخطب فيهم من على المقهى: «إنكم معشر المصريين قد نشأتم على الاستعباد وتربيتم في حِجْر الاستبداد، لقد تناوبتكم أيدي الغاصبين من الرعاة ثم اليونان والرومان والفرس ثم العرب والأكراد والمماليك، وكلهم يشق جلودكم بمبضع نهمه، ويهيض عظامكم بأداة عسفه، ويستنزف قوام حيانكم التي تجمعت بما يتحلب من عرق جباهكم بالعصا والمقرعة والسوط، وأنتم كالصخرة الملقاة في الفلاة، لا حس لكم ولا صوت، انظروا أهرام مصر وهياكل ممفيس وآثار طيبة، وحصون دمياط، شاهدة بمنعة آبائكم وأجدادكم، هبوا من غفلتكم، واصحوا من سكرتكم، عيشوا كباقي الأمم أحرارًا، أو موتوا مأجورين شهداء»، ليتم القبض عليه وهو عائد من المقهى برفقة خادمه أبو نراب، ويتم نفيه خارج إلى السويس بتهمة أنه رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا.
اكتسب المقهى الشعبي «متاتيا» جزءًا من مكانته التاريخية بفضل شهرة مرتاديه من الرواد، فقد تردد عليه أغلب الشخصيات التي تكمن فيهم دوافع التضحية والانتماء آنذاك؛ فهؤلاء جمع من الصحفيين والمثقفين الذين يوجهون الرأي، وأولئك حفنة من خبايا الجمعيات السرية ممن يحثون على النضال ويعبئون الشعور الوطني، وتلكم بعض من الأعيان والتجار والباشوات وأصحاب الرتب والمقامات، ممن يطلق عليهم «الحزب الوطني» وغيرهم بل كأن كل قوى هذا الوطن واستعداداته وإقدامه وشجاعته قد تلخصت في هذا المكان الصغير، الذي يحرك بوصلة التاريخ ويوجه ريح البطولة والمجد ليحسم معركة الحرية ويحدد مصير أبناء هذا الشعب، بل كأن هذا المكان كان بوتقة انصهرت في جميع الثقافات على تعدد مشاربها واختلاف مآربها، فهذان شابان سوريان «أديب أسحق وسليم النقاش» حملا إلى المقهى بذور الثقافة الحديثة، وهذا هو المناضل التونسي الحبيب بو رقيبة، الذي سيصبح فيما بعد أول رئيس للجمهورية التونسية، بينما الشاب الطويل اليافع، الذي يجلس منتبهًا ليتعلم الثورة من الثوار، هو سعد زغلول زعيم الأمة وقائد ثورة 1919، وذلك الشيخ القصير محمد عبده، وهذا الريفي الأدباتي خطيب الثورة العرابية عبد الله النديم، والشيخ عبد العزيز البشري، وإلى جانبهم أول نقيب للمحافين إبراهيم بك الهلباوي، والشاعر محمود سامي البارودي، مؤسس مدرسة الإحياء والبعث، والمفكر الأديب عباس العقاد، وأحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وإبراهيم عبد القادر المازبي، فضلًا عن عبد السلام المويلحي، وهذا المترجم والمفكر محمد بك عثمان جلال، الذي وضع أسس القصة الحديثة والرواية المسرحية.
هؤلاء جميعهم أبطال شكلوا تاريخًا سياسيًّا وفكريًّا ودينيًّا لتلك الأمة، لكن البطل الأول هو ذلك المقهى، الذي مارس أدوارًا إضافية كمناخه العام الذي ساهم في تلاقح أفكار مرتاديه، وموقعه الذي جعله مقصدًا لكثير من الشباب والشيوخ والكتاب والمفكرين، ولم يقتصر أبدًا على دوره الأساسي كمان للتسلية وتناول المشروبات وغير من الدور الأساسي للمقاهي، بل استطاع ذلك المقهي أن يجمع رواد الفكر والتنوير مع سائر مرتاديه من عامة الشعب جنبًا إلى جنب ويوحد أفكارهم وجهودهم ونضالهم ويبلورها في عمل عظيم وتاريخ مجيد، وكأن المكان كان هدفًا في حد ذاته، وكان بطلًا مثلهم أو أكثر وصاحب رسالة نبلية يسعى ليؤديها على أكمل وجه، وقد فعل، وما رواده من أبطال وثوار إلَّا أدوات في يد المكان، أو مجرد وسيلته الحية «كونه جماد» لبلوغ حال أفضل في المجالات جميعها، تلك أهمية المكان الذي يفوح بعبق التاريخ، حتى أصبح اختصار لمجتمع برمته.
يرجع اسم المقهى إلى مهندس إيطالي يدعى «متاتيا» تولى تصميم حديقة الأزبكية ودار الأوبرا القديمة التي تم حرقها، وعمارة متاتيا التي أنشأها بوسط ميدان العتبة، وكانت العمارة هي الأشهر، حيث كانت تقع بها «لوكاندة مصر»، وتختلف الآراء حول تاريخ إنشاء العمارة الشامخة التي ضمت قهوة متاتيا، فهي ما بين أعوام 1970 و1975 و1977، أما نهايته فكانت بضربة أولى من زلزال 1992 أحدث به بعض التصدعات، وفي عام 1999، قرر محافظ القاهرة هدم عمارة متاتيا الأثرية؛ لإنشاء نفق الأزهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.