تطور أشبه بحلحلة للأوضاع السياسية المأزومة في إسبانيا، قاده الحزب الاشتراكي الذي أفسح المجال لحكومة حزب الشعب اليميني، أمس الأحد، للحصول على فترة ثانية في الحكم، في محاولة لإنهاء 10 أشهر من الأزمة السياسية. القرار سيساهم إلى حد كبير في انتشال إسبانيا من حالة الركود السياسي، التي عاشتها بسبب الفشل في تشكيل حكومة، رغم إجراء الانتخابات التشريعية مرتين متتاليتين، في ديسمبر 2015 ويونيو 2016، لكن لم ينجح أي حزب سياسي في تشكيل حكومة، حتى حزب الشعب اليميني، الذي جاء في المرتبة الأولى، لم يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلقة التي تسمح له تشكيل الحكومة منفردًا، كما أخفق في التحالف مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة توافقية، الأمر الذي أصاب مؤسسات الدولة بحالة من الشلل وهدد بإعاقة التعافي الاقتصادي. لماذا اتخذ الحزب الاشتراكي هذا القرار؟ يبدو أن قرار الحزب الاشتراكي العمالي الذي صب في صالح نظيره «الشعب»، جاء بعد حسابات دقيقة؛ حيث بدأت اللجنة الاتحادية ل«الاشتراكي» التي تحدد موقف الحزب بين مؤتمرين، اجتماعها في مدريد بعد أسابيع من الصراعات الداخلية الناجمة عن إخفاقات انتخابية متتالية والتهديد المتنامي الذي يشكله حزب "بودوموس" المناهض لسياسة التقشف والساعي إلى احتلال مكانة الاشتراكيين في المشهد السياسي. الحزب الاشتراكي نجا وبصعوبة من محاولة اندحاره وراء «بوديموس» الذي كانت ترجح غالبية استطلاعات الرأي فوزه بالمرتبة الثانية على حساب الاشتراكيين في انتخابات 26 يونيو، فمخاوف الحزب الاشتراكي من السقوط إلى موقع ثانوي بدلا من الأدوار الرئيسية التي يلعبها في النظام السياسي الإسباني، لو أجريت انتخابات ثالثة، دفعته إلى الخطوة السابقة. وأدى الخلاف حول الاستراتيجية الواجب اتباعها إلى انقلاب غير مسبوق داخل الحزب الاشتراكي، وإلى إرغام الأمين العام للحزب، بيدرو سانشيز، على الاستقالة؛ لأنه كان يرفض بشكل قاطع السماح للمحافظ، ماريانو راخوي، بالبقاء في الحكم بعد ولاية أولى شهدت فضائح فساد وتمايز الفوارق الاجتماعية، وأتت الاستقالة على خلفية الضغط الذي مورس عليه من داخل حزبه للتحالف مع نظيره «الشعب» من أجل تشكيل حكومة مشتركة. خصوم سانشيز من داخل الحزب فضلوا البقاء في المعارضة، بدلًا من التسبب في تنظيم انتخابات ثالثة خلال عام واحد، والمخاطرة بأن تكون نتيجتهم أسوا مما كانت في انتخابات ديسمبر 2015 ويونيو 2016، وفي النهاية، قرر مندوبو اللجنة الفيديرالية للحزب بغالبية كبيرة بلغت 139 في مقابل رفض 96، الامتناع لدى التصويت على الثقة بالحكومة الجديدة في البرلمان الأسبوع الجاري، للسماح لراخوي الذي يتولى رئاسة الوزراء منذ نهاية 2011 بتشكيل حكومة أقلية هذه المرة، وفقًا لما أعلن الحزب الاشتراكي. ويتفاءل اشتراكيون بالخطوة، على رأسهم الرئيس الاشتراكي لمنطقة اكستريمادوري المحاذية للبرتغال، غيوم فيرنانديز فارا، أن الحزب يجد نفسه في موقع فريد، خاصة أنه الوحيد الذي يمكنه إتاحة تشكيل حكومة، والوحيد أيضا القادر على تشكيل معارضة حقيقية عند عودة راخوي إلى السلطة، بينما يرى آخرون من بينهم، النائبة الاشتراكية سوزانا سوميلزو، أن الخطوة ستنعكس سلبًا على حزبهم، وستقلل من مصداقيته؛ بعدما قطع وعدًا لقواعده الشعبية بإنهاء حكم راخوي. مستقبل حكومة "راخوي" ورغم أن اللجنة الاتحادية لم تقرر كيف سيتصرف النواب الاشتراكيون يوم التصويت الحاسم على الثقة بالحكومة في 29 أو 30 من أكتوبر الجاري، وهل سيمتنعون جميعا أم 11 نائبا فقط منهم، لكن المتوقع أن تحصل حكومة راخوي على ثقة البرلمان قبل نهاية الشهر الحالي، وأن تكون لإسبانيا حكومة بحلول نوفمبر بعد أكثر من 300 يوم من حكومة تصريف أعمال. اقتراب حزب الشعب الإسباني من الحصول على فترة ثانية في السلطة، لا يعني انتهاء الأزمات السياسية في البلاد، فمن المتوقع أن تواجه حكومة راخوي، برلمانًا عدائيًا شديد الانقسام خلال الأعوام الأربعة المقبلة، ما يفتح مجالا جديدا للاضطراب السياسي في إسبانيا، ومن المنتظر أن تركز حكومة راخوي على الحفاظ على التعافي الاقتصادي بعد سنوات من الركود وعلى خفض النفقات للوفاء بأهداف الميزانية. ويرى مراقبون أن التعجيل في تكون حكومة جديدة أمر فرضته التغيرات الأوروبية الأخيرة أيضًا، وكان أخطرها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي كان بمثابة زلزال سياسي واقتصادي واجتماعي يضرب مفاصل بلدان الاتحاد الأوروبي، وعلى الخصوص إسبانيا التي ترتبط بمصالح اقتصادية جمة ببريطانيا، ولعل أخطرها تسجيل مؤشر البورصة الإسباني "الايبكس 35″، عشية إعلان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انخفاضا بحوالي 12%، ليكون الأسوأ في تاريخه.