تحتفل الطرق الصوفية بالليلة الكبيرة لمولد العارف بالله السيد البدوي مساء اليوم بمدينة طنطا بمنطقتين: الأولى أمام المسجد، والثانية داخل ساحة الساري الأحمدي بمنطقة سيجر، في احتفال جماهيري حاشد معتاد كل عام، يحضره لفيف من مشايخ عموم الصوفية والشخصيات العامة والدينية وآلاف المواطنين من كل محافظات مصر ووفود من الدول العربية، إذ يشارك فيه على مدى أسبوع أكثر من 67 طريقة صوفية، ويرتاد طنطا في تلك الفترة ما بين 2- 3 ملايين زائر. وكان الآلاف من أتباع الطرق الصوفية من أنحاء الجمهورية، خاصة الصعيد، توافدوا على مدينة طنطا منذ الجمعة الماضية ومعهم الذبائح؛ لإطعام الفقراء والمساكين، وامتلأت السرادقات بالطعام والشراب، وسط تواجد كبير للفقراء والمساكين، الذين أقبلوا على السرادقات التي أطلق عليها الصوفيون خدمة آل البيت؛ لتناول الطعام والشراب وأيضًا النوم داخل الخيمة، والاستماع للذكر والإنشاد، وامتلأت الشوارع المحيطة بالمسجد بخيام الاحتفالات، والتي تقام داخلها المدائح النبوية والإنشاد في آل البيت وتلاوة القرآن وأحاديث عن تاريخ العارف بالله السيد أحمد البدوي والتصوف الديني وأحاديث عن مفاهيم التسامح والزهد والمحبة في الإسلام، مستلهمين سيرة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وصحابته العظام وآل بيته الأطهار وسط المدائح وترديد شعارات التصوف من المريدين والحضور. وتنتهي الاحتفالات بالمولد رسميًّا بما يعرف بزفة الخليفة التى تنطلق بعد صلاة الجمعة التي تعقب "الليلة الكبيرة" للمولد من ساحة المسجد الأحمدي الفسيحة، وصولاً إلى شارع المديرية حيث "ميدان الساعة" الشهير. وهي عبارة عن موكب يتصدره "خليفة السيد البدوي" راكبًا فرسًا ومعتمرًا بالعمامة الكبيرة، وهي تحاكي تلك التي كان يعتمرها السيد البدوى في زمنه، ومن حوله الآلاف المؤلفة من الحشود البشرية، تبدو جلية وسطها أعلام وشارات الطرق الصوفية المتعددة، خصوصًا الأعلام الحمراء الدالة على أتباع السيد أحمد البدوي "الطريقة الأحمدية" وسط تكبيرات وصيحات الجموع وموسيقى أشبه بالموسيقى العسكرية في تناغم متكرر بالطبول والدفوف والآلات الموسيقية النحاسية. من جانبها رفعت محافظة الغربية حالة الطوارئ؛ لتأمين زوار ورواد المولد، وتم نشر عدد كبير من كاميرات المراقبة بجميع مناطق التجمعات والاحتفالات، سواء بميدان السيد البدوي والشوارع المحيطة أو مناطق الاحتفال بمنطقة السارى بسيجر؛ لمنع ظواهر العنف والتحرش والاشتباكات، كما أعلنت مديرية الأوقاف إحياء الشيخ محمود ياسين التهامي الليلة الختامية التي تظل حتى صلاة فجر يوم الجمعة، ويحضرها أكثر من 2 مليون صوفي من مصر وخارجها. ولد أحمد بن علي بن يحيى في مدينة فاس 596 ه/1199 م، وتوفي في طنطا 675 ه/1276 م، وهو إمام صوفي عربي وثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى المتصوفين، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء في مدينة فاس بالمغرب ،ولمولده قصة؛ فقد كانت الدولة الإسلامية في ذلك الوقت تحت حكم بني أمية، الذين يضطهدون آل الإمام علي، حتى إن جده شاهد أباه يذبح أمامه في عهد الخليفة المأمون، فهاجر إلى فاس بالمغرب، حيث ولد ونشأ سيدي أحمد البدوي، ولكن جده عاوده الحنين إلى بلده، حيث أراد أن يدفن فيه، فعاد إلى الحجاز عن طريق مصر، التي لبث فيها سنتين، تأثر خلالهما سيدي أحمد البدوي بتعاليم الصوفية، فسافر مع جده إلى الحجاز، ولكنه عاد إلى مصر، بعد أن أصبح إمامًا في التصوف، فأراد أن ينشر تعاليمه ورسالته بين شعب أحبه، فاختار مصر، وسيدي أحمد البدوي جده الأكبر هو الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم وزوج ابنته. لقب سيدي أحمد البدوي ب 39 لقبًا، أهمها "جاب اليسرى"، أي خلص الأسرى "مهارش الحرب"، أي مارس الحرب، "الثائر الغضبان"، و"فتى الفتيان"، و "السطوحي"، و"شيخ العرب". و لُقب بالبدوي؛ لأنه كان دائم تغطية وجهه باللثام مثل أهل البادية. وضربت الأمثال في قوة شخصيته، حتي اخترعت حوله آلاف القصص والكرامات، عاش سيدي أحمد البدوي بمدينة طنطا عند الشيخ "ركين"، الذي تعرف عليه في الحجاز خلال فترات الحج، وسكن في حجرة متواضعة فوق سطوح منزله، حيث توفي فيها.