تشهد المملكة العربية السعودية خلال الفترة الراهنة، حالة اقتصادية متردية، أثرت على جوانب عدة بالسلب؛ فمن تخفيض رواتب الموظفين الحكوميين، إلى أزمة العمالة وارتفاع الأسعار، حتى زيادة الضرائب، مرورًا بعجز الموازنة، وانتهاءً بإصدار السندات الدولية في محاولة لسد فجوة الموازنة عن طريق الاقتراض، لتكون أول عملية اقتراض للحكومة من السوق الدولية. إصدار السندات في شهر أغسطس الماضي، خططت الرياض لطرح سندات مقومة بالدولار في السوق الدولية للمرة الأولى، خلال شهر أكتوبر الجاري، في وقت تشهد فيه عقود التأمين ضد تعثر السعودية في سداد ديونها إقبالا من قبل المستثمرين. وتسعى الرياض من خلال إصدار السندات لتمويل خطة التحول الاقتصادي وسد العجز في ميزانيتها لعام 2016، الذي يقدر بنحو 13% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والناجم عن هبوط أسعار النفط، التي تشكل إيراداتها حصة الأسد في الميزانية السعودية، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي. أعلنت السعودية الاثنين الماضي، من خلال نشرة تضمنت 220 صفحة، أنها في غمار مباحثات مع مستثمرين محتملين تمهيدا لإصدار سندات دولية بالدولار الأمريكي للمرة الأولى، وأعلن مكتب إدارة الدين العام في وزارة المالية السعودية أنه أتم إنشاء برنامج دولي لإصدار أدوات الدين، وكلّف عددا من البنوك الاستثمارية العالمية والمحلية بإدارة وترتيب أول طرح للسندات الدولية المقومة بالدولار الأمريكي. وبالفعل، أطلقت المملكة، أول أمس، ضربة البداية على بيع السندات مع ممثلين للبلاد، التقوا مستثمري السندات المحتملين في لندن، قبل أن يتوجهوا إلى الولاياتالمتحدة للقاء المستثمرين في بوسطن ونيويورك في 18 أكتوبر الجاري، وسيتم خلال هذه الاجتماعات مناقشة خطة السعودية لإصدار سندات مقومة بالدولار بشرائح لأجل خمسة أعوام وعشرة أعوام و30 عاما. وفي وقت سابق، أفادت مصادر أنه تم التعاقد مع شركة الخدمات المالية الأمريكية "سيتي غروب"، ومصرف "إتش إس بي سي" البريطاني، ومصرف "جي بي مورغان تشايس" الأمريكي، إضافة إلى سبعة مديرين آخرين من اليابان والصين وألمانيا وفرنسا، لتنسيق عملية طرح سندات السعودية. ولم تكشف وزارة المالية عن المبلغ الذي تسعى لجمعه من هذا الطرح، لكن مصرفيين توقعوا أن يتجاوز المبلغ عشرة مليارات دولار، وربما يقترب من حجم إصدار الأرجنتين البالغة قيمته 16.5 مليار دولار في أبريل الماضي، الذي كان "أكبر إصدار" لأدوات الدين السيادية بالأسواق الناشئة على الإطلاق، حيث تسعى السعودية لسد عجز الموازنة الذي بلغ العام الماضي 98 مليار دولار بسبب تراجع أسعار النفط. جدوى السندات قال محللون اقتصاديون إن السندات الحكومية سوف تنتشل سوق الدين المحلية من الركود المزمن، كما أن إنشاء برنامج دولي لإصدار أدوات الدين من قبل وزارة المالية سيحقق العديد من الإيجابيات على الاقتصاد المحلي. وقال بوب ميشيل، أحد المسؤولين البارزين في "جي بي مورغان تشايس" في مقابلة مع "بلومبرغ" إن دول مجلس التعاون الخليجي شرعت تنوع مصادر دخلها عن طريق إصدار السندات الدولية، "لذا اعتقد أن هذه خطوة ذكية"، وأضاف "أن أسعار النفط حاليا عند مستويات جيدة، حيث تتراوح بين 40 دولارا و50 دولارا للبرميل، وليست عند 30 دولارا للبرميل كما كانت قبل نصف عام، لذا فإنه توقيت جيد بالنسبة لهم". في المقابل، تباينت آراء الخبراء في شأن المخاوف من حدوث تخمة معروض تؤثر على الاكتتابات في السندات الخليجية، بيد أنهم اتفقوا على أن دول الخليج ومن باب التنسيق لن تصدر سنداتها كلها دفعة واحدة، بل بنظام شرائح بغية استكشاف السوق وطريقة التسعير، بما يقلل فرص حدوث زيادة في المعروض. ورغم أن النشرة السعودية أشارت إلى أن مؤسسة النقد العربي السعودي ما زالت ملتزمة بالإبقاء على ربط العملة بالدولار، مبينة أنه لا يوجد ضمان على أن الأحداث غير المتوقعة في المستقبل بما فيها زيادة معدل انخفاض الأصول الاحتياطية الحكومية لن تدفع الحكومة إلى إعادة النظر في سياسة سعر الصرف، إلا أن مراقبين اقتصاديين قالوا إن الخطط الاقتصادية للمملكة، تتجاهل بعض المخاطر المرجح أن يسأل المستثمرون المسؤولين السعوديين عنها في الأيام المقبلة، فالخطر النابع من احتمال أن يدفع ضعف المالية العامة للسعودية في نهاية المطاف إلى التخلي عن سياسة ربط سعر صرف الريال بالعملة الأمريكية عند 3.75 ريال للدولار. ووفق ما ذكرته وكالة الأنباء رويترز، فإن النشرة لا تتضمن إشارة صريحة إلى تصويت الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي على السماح لأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة المملكة، خاصة أن الاتفاقية تأتي قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تهدد بإثارة تقلبات السوق، فقد كانت واحدة من أكثر مقترحات المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، إثارة للجدل، دعوته لعمل فحص أكبر للمسلمين، كما قال إنه "ليس من كبار المعجبين" بالسعودية، كما تجنبت النشرة مشكلات مالية خطيرة في قطاع البناء السعودي جعلت بعض الشركات على شفا الانهيار بما يضر بالمصارف الدائنة لها. وأكد الخبراء أن إعلان المملكة عن الإصدار دون اتخاذ خطوات فعلية سيحمل الاقتصاد السعودي تكلفة كبيرة على البلد.