يبدو أن المملكة العربية السعودية عادت لاستخدام خيار الصفقات التجارية والاقتصادية من جديد كورقة ضغط على مصر، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها القاهرة، فمع تغير خريطة العلاقات الدولية وحدوث شد وجذب في العديد من القضايا والأزمات الإقليمية، تظهر اختلافات الرؤى، كما حدث مع مصر والسعودية خلال الفترة القليلة الماضية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع خلافات دبلوماسية وترت العلاقات بين الطرفين. "أرامكو".. ورقة ضغط سعودية أم أزمة تقشف؟ خرجت العديد من التقارير التي تؤكد أن شركة النفط الحكومية السعودية "أرامكو"، أبلغت الهيئة العامة للبترول شفهيًا مطلع أكتوبر الجاري بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية، وهو ما أكدته وزارة البترول والثروة المعدنية، الاثنين الماضي، حيث قال الناطق باسم وزارة البترول، حمدي عبد العزيز، إن أرامكو أبلغتهم بشكل رسمي بعدم وصول شحنة أكتوبر، دون إبداء أسباب، لعلها أسباب فنية أو لوجستية، موضحا أن الإخطار يخص الشهر الجاري فقط، ولا يؤثر على الاتفاق ككل، وأن الإجراء طبيعي ووارد في جميع الصفقات التجارية. من المفترض أن شركة أرامكو السعودية تورد للحكومة المصرية منتجات بترولية مكررة، بموجب اتفاق بينهما تم توقيعه بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، أثناء زيارة الأخير لمصر في 7 أبريل الماضي، بقيمة 23 مليار دولار أمريكي، وتتضمن 700 ألف طن شهريًا من المواد البترولية، منها 400 ألف طن سولار، و200 ألف طن بنزين، و100 ألف طن زيت الوقود، بواقع شحنات شهرية، على أن يدفع الصندوق السعودي للتنمية مقابل المواد البترولية لشركة أرامكو بشكل فوري، ويستعيد المبالغ من مصر على أقساط، لمدة خمس سنوات، ويكون السداد على 15 عامًا، وبفائدة 2% وفترة سماح للسداد ثلاث سنوات على الأقل. ذهب بعض المراقبين إلى التقليل من فرضية ممارسة المملكة ضغوطا على مصر بورقة النفط، موضحين أن شركة النفط السعودية أبلغت مصر بوجود تأخير وليس وقف إرسال المنتجات البترولية نتيجة إعادة تقييم حصص السعودية من النفط بعد الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه في اجتماع الدول المصدّرة للنفط "أوبك" في الجزائر نهاية الشهر الماضي، وبموجبه يتم تخفيض إنتاج السعودية نصف مليون برميل يوميًا، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة حساباتها وتقييم حصصها. في الوقت نفسه، استبعد بعض المراقبين أن يكون الإجراء السعودي عقابًا مرتبطًا بالمواقف السياسية المصرية التي لم تتطابق مع الرياض في الشهور الأخيرة، وأرجعوا قرار الشركة السعودية إلى أزمة التقشف التي تعاني منها المملكة في الوقت الحالي، حيث تبحث عن أي منفذ يقلل من عجز الموازنة العامة ويخفض النفقات، الأمر الذي دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات تقشفية خلال الفترة الأخيرة، جاء أبرزها تخفيض الإنفاق الحكومي، وفرض المزيد من الرسوم والضرائب، وتخفيض الأجور والبدلات للموظفين الحكوميين، وتخفيض دعم المحروقات، ومراجعة آلاف المشاريع التي تصل قيمتها إلى 260 مليار ريال لإلغاء ما يقرب من ثلثها، والتخطيط لبيع حصة في شركة النفط العملاقة أرامكو، وفي النهاية جاء الخيار السعودي بإلغاء اتفاق النفط المصري، الذي بموجبه ستوفر الخزانة العامة السعودية أكثر من 80 مليار ريال سعودي على مدار خمس سنوات مقبلة. مؤتمر جروزني قرار الشركة السعودية سواء جاء على خلفية الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، أو على خلفية الأزمة الاقتصادية تواجهها الرياض، ففي جميع الحالات، لا يمكن إنكار أن العلاقات بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة سادها التوتر والفتور، فعوضًا عن الملف اليمني الذي توقعت فيه السعودية دعمًا أكبر من القاهرة، تأتي اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير اللذين حكمت المحكمة ببطلانها. ويأتي مؤتمر جروزني الذي حضره 200 عالم سني من مختلف الدول العربية والإسلامية وتم تنظيمه في الشيشان، ضمن معطيات الأزمة؛ خاصة بعدما أثار غضب السعودية بسبب استثناء علمائها منه، حيث حضر المؤتمر وفد مصري برئاسة شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، ومفتي مصر، شوقي علّام، ومستشاري الرئيس، علي جمعة، وأسامة الأزهري، الأمر الذي أثار انتقادات قاسية خرجت من أوساط سعودية. قانون جاستا إقرار الكونجرس الأمريكي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف ب"جاستا"، الذي يسمح لأهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر عام 2001، مقاضاة مسؤولين بالسعودية، كشف أيضًا مدى الفتور الذي وصلت له العلاقات بين البلدين، ففي الوقت الذي أثار فيه القانون غضب السعودية وأشعل حمله تهديدات وجهتها لأمريكا، جاء الرد المصري على إقرار القانون فاترًا ومتأخرًا، حيث اكتفت وزارة الخارجية بإصدار بيانًا انتقدت فيه القانون، لكنها لم ترفضه بوضوح، وأعلنت أنها تتابع عن كثب إقرار القانون، وتأثيراته المحتملة على مسار العلاقات الدولية خلال الفترة المقبلة. في المقابل، جاء الرد التركي قويا، حيث اعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إقرار القانون أمرًا مؤسفًا وخطوة خاطئة، مضيفا: ننتظر من أمريكا العدول بأسرع وقت ممكن عن هذه الخطوة الخاطئة، التي من شأنها إثارة جدل خطير حول الحقوق السيادية للدول، وأن القانون يخالف بشكل علني مبدأ شخصية العقوبة في القانون الذي يلقى اعتمادًا عالميًّا. التصويت لصالح روسيا مشروع القرار الروسي والفرنسي بشأن سوريا، اللذان تم التصويت عليهما خلال الأيام القليلة الماضية، والحرب الدبلوماسية التي اشتعلت مؤخرًا بين روسياوأمريكا في مجلس الأمن، أمور كان لها عظيم الأثر على العلاقات المصرية السعودية أيضًا، حيث أيدت مصر إلى جانب الصين وفنزويلا مشروع القرار الروسي أمام مجلس الأمن الدولي، الذي يدعو إلى التمييز بين تنظيم جبهة النصرة والمعارضة المعتدلة في سوريا، على خلاف ما كانت تريده الرياض، الأمر الذي أثار غضب المملكة ودفعها إلى انتقاد موقف مصر، حيث وصف سفير الرياض في الأممالمتحدة، عبد الله المعلمي، التصويت المصري لصالح القرار الروسي ب"الأمر المؤلم"، قائلا: كان مؤلمًا أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب العربي المصري، ولكن اعتقد أن السؤال يُوجه إلى مندوب مصر. التصويت كان بمثابة النقطة الفاصلة في الأزمة الدبلوماسية بين مصر والسعودية، كما أن مقطع الفيديو الذي كشف تشاور المندوب المصري في الأممالمتحدة، عمرو عبد اللطيف، مع مندوب سوريا في الأممالمتحدة، بشار الجعفري، قبل التصويت على القرار الروسي، أثار المزيد من مشاعر الغضب والسخط السعودي على الموقف المصري الداعم للنظام السوري، الأمر الذي شكل القشة التي قسمت العلاقات المصرية السعودية وعمقت الأزمة بينهما. بعيدا عن تصويت مجلس الأمن واللقاء المصري السوري الذي تم في نفس التوقيت تقريبًا، فيبدو أن توجهات مصر تجاه الأزمة السورية بدأت تخرج من المعسكر الخليجي الأمريكية وتتجه إلى المعسكر الروسي السوري، فقد أظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي، مرارًا دعمه المبطن للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، وتأييده للحل السياسي في سوريا بعيدًا عن الحلول العسكرية التي يطرحها المعسكر الخليجي الأمريكي وبقاء "الأسد" على الأقل خلال الفترة الانتقالية، جاء ذلك إلى جانب اللقاء الذي تم بين وزير الخارجية، سامح شكري، ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، في نيويورك على هامش اجتماعات الأممالمتحدة، وهو الأمر الذي لا يروق للمملكة، وتعتبره خروجا عن الإجماع العربي.