يعد الفريق سعد الدين الشاذلي أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، ليس فقط لأنه كان رئيس أركان حرب القوات المسلحة آنذاك، لكن لأنه وضع خطة الحرب، إلا أن صدامه مع الرئيس الراحل أنور السادات، طمس دوره في نصر أكتوبر لسنوات طوال، ولم ينل أي تكريم. قيادته لرئاسة الأركان تولى الفريق سعد الدين الشاذلي منصب رئيس أركان القوات المسلحة في 16 مايو عام 1971 أي بعد يوم واحد من ثورة التصحيح التي أطلقها السادات، اختير لمنصبه بناء على تاريخه العسكري، خاصة أنه لم ينتم حينها لأي تيار على حساب آخر، ولأنه جندي محارب، فدائمًا ما دخل المعارك أثناء توليه المناصب المختلفة بالقوات المسلحة. بعد توليه منصب قيادة الأركان، دخل في خلاف مع وزير الحربية وقتها، الفريق محمد أحمد صادق؛ لاختلاف وجهات النظر حول خطة تحرير سيناء، فالفريق صادق يعتمد في استراتيجية على ضرورة أن يفوق الجيش المصري على نظيره الإسرائيلي في المعدات الحربية والقدرة القتالية لجنوده، وهو أمر شبه مستحيل تحقيقه وقتها، أما الفريق الشاذلي، فكان يرى أن ينفذ الجيش المصري عملية محدودة دخل سيناء يحرر على إثرها بضعات كيلو مترات، وبعدها تحرر باقي الأرض بالتفاوض. صدامه مع المشير أحمد إسماعيل انتهت معركة الشاذلي مع صادق بإقالة الأخير، لكن دائما تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن؛ فقد أسند السادات منصب وزير الحربية إلى المشير أحمد إسماعيل، الذي أحاله الرئيس جمال عبد الناصر إلى التقاعد عام 1969 بعد الغارة الإسرائيلية على منطقة الزعفرانة بخليج السويس. الخلافات بين الشاذلي وإسماعيل قديمة منذ أن كان العقيد الشاذلي قائد الكتيبة المصرية الموجودة ضمن قوات حفظ السلام بالكونغو والعميد إسماعيل قائد البعثة العسكرية المصرية التي شكلت للنهوض بجيش الكونغو، حيث حاول الأخير فرض سلطته على الأول، فباءت محاولته بالفشل وانتهت إلى حد التشابك بالأيدي، لذا كانت العلاقة بين الثنائي دائمًا يشوبها الفتور الممزوج بالكراهية. خطته لنصر أكتوبر وضع الشاذلي خطة لخوض حرب أكتوبر أطلق عليها اسم "المآذن العالية" تشن بمقتضها القوات المصرية هجوما محدودا تدمر من خلاله خط بارليف وتحرر عن طريقه مساحة من 10 إلى 12 كيلو متر شرق القناة، الشاذلي تمسك بخطته لعدة أسباب، منها أن هدفه الرئيسي إطالة مدة الحرب وهو أمر لا تتحمله إسرائيل نظرًا لأنه يكالفها مبالغ مالية كبيرة، كما أن الحياة المدنية تتوقف لدى الكيان الصهيوني بشكل كبير لأن معظم طبقات المجتمع تكون على جبهة القتال. كما أن الهجوم المصري بالطريقة سالفة الذكر سيجبر إسرائيل على الدخول في مواجهة مباشر مع مصر وهو أمر يصب في مصلحتنا؛ فالأجناب إن حاولت إسرائيل الهجوم منها ستفشل نظرًا لتمركز العناصر المصرية بها، إلى جانب ذلك، فإن القوات المصرية ستكون في دعم قوات الدفاع الجوي نظرًا لأن إسرائيل في أي هجوم لها تعتمد على العنصر الجوي لدعم هجماتها. صدامه مع السادات كانت خطة السادات لتطوير الهجوم في سيناء هي القشة التي قصمت زهر البعير وتوجهت بعلاقة الشاذلي مع السادات إلى حائط مسدود؛ ففي 12 أكتوبر قرر الرئيس السادات تطوير الهجوم بعد طلب القيادة السورية تخفيف الضغط الإسرائيلي عليها، رفض الشاذلي الأمر لأن قواتنا ستخرج من مظلة دفاعنا الجوي وتصبح فريسة سهلة للطيران الإسرائيلي لكن لم يسمع له أحد. هاجمت مصر ب2 لواء من الجيش الثالث الميداني، هما اللواء الحادي عشر مشاة ميكانيكي في اتجاه ممر الجدي، واللواء الثالث المدرع في اتجاه ممر متلا، وعبر نطاق الجيش الثاني الميداني هاجمت الفرقة 21 المدرعة في اتجاه منطقة "الطاسة"، وفي شمال سيناء، هاجم اللواء 15 مدرع في اتجاه رمانة. وكما توقع الشاذلي، فشل الهجوم وتعرضت مصر لخسارة فادحة؛ فخلال أقل من ساعتين خسرت القوات المصرية 250 دبابة نظرًا لتفوق إسرائيل الجوي، في تلك الأثناء اكتشفت طائرة استطلاع أمريكية وجود ثغرة بين الجيش الثاني في الإسماعيلية والثالث في السويس لتحدث ما سمي ب"ثغر الدفرسوار"، وفي ليلة 16 أكتوبر، نجح إريل شارون، قائد إحدى الفرق المدرعة الإسرائيلية في العبور إلى غرب القناة من الثغرة بين الجيشين، ليحتل المنطقة بين مدينتي الإسماعيليةوالسويس، حيث تم تطويق الجيش الثالث بالكامل في السويس. تسريحه من الجيش اقترح الفريق الشاذلي سحب 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب لحبس القوات الإسرائيلية والقضاء عليها، فرفض السادات والمشير أحمد إسماعيل الانسحاب إلى الغرب خوفًا من تكرار سيناريو النكسة، وفي 13 ديسمبر 1973، تمت إحالته إلى التقاعد وتعيينه سفيرًا لمصر في إنجلترا ثم البرتغال، لتبدأ من هنا رحلة تجاهل تكريمه عن نصر أكتوبر خصوصًا الاحتفالية التي أقيمت في مجلس الشعب وحضرها السادات، وبعد معارضته اتفاقية كامب ديفيد، حوكم غيابيًا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وحكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة، كما وضعت أملاكه تحت الحراسة, وحرم من التمثيل القانونى، وجرد من حقوقه السياسية. عودته إلى مصر ورحيله وبعد 14 عامًا قضاها الشاذلي بعيدًا عن مصر، عاد إلى القاهرة عام 1992، وقبض عليه وأودع السجن نظرًا لأن الأحكام العسكرية لا تسقط بالتقادم، حيث قضى مدة عقوبته في السجن وخرج، ولم ينل أي تكريم من أي نوع رسمي حول دوره في حرب أكتوبر، وفي 10 فبراير 2011 رحل الشاذلي عن عالمنا تاركا خلفه تاريخا مشرفا من النضال.