في اللحظة التي تبحث فيها السعودية عن مهرب للنجاة من القانون الأمريكي "العدالة ضد الإرهاب"، الذي يُجيز لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر مقاضاة دول مثل المملكة ومطالبتها بتعويضات مالية ضخمة، يُفتح باب جديد ليشكل لها قلقا وترقبا من جديد. من المقرر أن يشهد الكونجرس الأمريكي غدًا الأربعاء، جلسة ساخنة يصوت فيها أعضاؤه على وقف تصدير الأسلحة للمملكة، الأمر الذي يشير إلى أن الدعم الأمريكي العسكري للسعودية أصبح على المحك. وأعلن أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، أمس الاثنين، أن المجلس سيصوت غدًا الأربعاء، على مشروع قانون يهدف إلى منع بيع معدات عسكرية بقيمة 1.15 مليار دولار للسعودية، بسبب مخاوف تتعلق بالحرب على اليمن، وقدم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريان ران بول، ومايك لي، والديمقراطيان كريس ميرفي، وآل فرانكن، مشروع القانون في الثامن من سبتمبر الجاري. يقول مؤيدو مشروع القانون إنه سيمنع بيع دبابات "أبرامز" وغيرها من المعدات للسعودية إذا أقرّه مجلس الشيوخ ومجلس النواب ووقعه الرئيس الأمريكي أوباما، وحتى إن لم يتم التوقيع عليه وواجه القانون معارضة من قبل الإدارة الأمريكية فإنه يبعث برسالة قوية بشأن الدعم الأمريكي المستمر للسعودية، كما أبدى هؤلاء قلقهم الشديد إزاء العدوان السعودي على اليمن، مشيرين إلى أنه ينبغي على امريكا أن تعيد النظر في الدعم التلقائي لحكومة الرياض. قال أحد داعمي المشروع، كريس ميرفي: حين نساعد على تطرف اليمنيين ضدنا بالمشاركة في ذبح المدنيين، فكيف يكون ذلك في مصلحة أمننا؟ في الوقت نفسه، فإنه من المتوقع أن يواجه البيت الأبيض القانون بانتقادات شديدة قد تحول دون سريانه، خاصة بعد أن وافقت الإدارة الأمريكية بالفعل على عملية البيع، فعلى افتراض أن البيت الأبيض وافق على إلغاء الصفقة فإن ذلك يعني خسارة واشنطن لثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم، وفقًا للتقرير السنوي الذي أصدره معهد أبحاث ستوكهولم العالمي للسلام في فبراير الماضي، في حين بلغت حصة الولاياتالمتحدةالأمريكية من صادرات الأسلحة نسبة 33 في المائة من إجمالي صادرات الأسلحة في العالم، إذ كانت أكبر مصدر للأسلحة في الفترة بين عامي 2011 و2015. يأتي هذا التحرك بعد أن أصبح الدعم الأمريكي المستمر للمملكة في حربها على اليمن مثيرا للقلق والانتقاد الدولي، وخرجت العديد من التقارير التي تؤكد أن الأسلحة التي تستخدمها الرياض في اليمن وتوقع من خلالها مئات الضحايا المدنيين وترتكب من خلالها جرائم حرب هي أمريكية الصنع مثل القنابل العنقودية، وكان آخر هذه التقارير تلك التي تم نشرها أمس الاثنين، وأكدت فيها منظمة العفو الدولية أن قنبلة أمريكية الصنع استخدمت في غارة جوية استهدفت مستشفى مدعومًا من منظمة "أطباء بلا حدود" في 15 أغسطس الماضي في اليمن، وقالت المنظمة استنادًا إلى استشارة لخبراء أسلحة وصور، أن قنبلة جوية دقيقة من طراز "بايفواي" استخدمت في هذه الغارة على مستشفى في مدينة "عبس" بشمال اليمن مسفرة عن سقوط 19 شهيدًا و24 جريحًا. وقال مدير الأبحاث في منظمة العفو، فيليب لوثر: "من المشين أن تواصل الدول إمداد التحالف الذي تقوده السعودية بالسلاح بما في ذلك القنابل الجوية والطائرات الحربية بالرغم من الإثبات الواضح على أن هذه الأسلحة تستخدم لمهاجمة مستشفيات وأهداف مدنية أخرى في انتهاك للقانون الدولي الإنساني"، كما دعت المنظمة جميع البلدان بما في ذلك الولاياتالمتحدة وبريطانيا إلى التوقف فورًا عن تقديم أسلحة يمكن استخدامها في النزاع باليمن. كل ذلك دفع أكثر من 60 مشرعًا في الكونجرس الأمريكي للدخول في صراع من أجل تأجيل الصفقة الأخيرة التي تبيع بموجبها واشنطن أسلحة ومعدات عسكرية للمملكة بقيمة 1.5 مليار دولار، معللين ذلك باتهام التحالف الذي تقوده السعودية بالتسبب في ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين في اليمن. ففي مطلع سبتمبر الحالي، دعا 64 عضوًا من الحزبين بمجلس النواب بقيادة النائب عن ولاية كاليفورنيا تيد ليو، البيت الأبيض بالتراجع عن طلب موافقة الكونجرس على الصفقة حتى يتمكن الكونجرس من مناقشة الدعم العسكري الأمريكي للسعوديين بشكل كامل، ومن بين النواب الذين وقعوا على تلك الرسالة عدد من أعضاء لجنة القوات المسلحة ولجنة الشؤون الخارجية، وكتب النواب في رسالتهم: هذه الحملة العسكرية في اليمن كان لها تأثير مثير جدًا للقلق على المدنيين، ووفقًا لمكتب مفوض الأممالمتحدة السامي لحقوق الإنسان، قُتل 3704 مدنيًا، من بينهم 1121 طفلا خلال الصراع، واضطر 2.8 مليون يمني للنزوح داخليًا بسبب القتال، إلى جانب أن 83 في المائة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. تصويت الكونجرس الأمريكي على هذا القرار سواء تم تنفيذه أو لا، فإنه يكشف عن مدى تغير السياسة الأمريكية تجاه الحليفة السعودية، خاصة أنه يأتي بعد أيام من موافقة الكونجرس الأمريكي على قانون يسمح بمقاضاة السعودية في أحداث 11 سبتمبر، فيبدو أن البيت الأبيض أو على الأقل الكونجرس الأمريكي تشبع بما يكفي من الانتقادات والإدانات والضغوط التي طالته بسبب دعمه للسعودية وسياستها العدوانية في المنطقة خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي جعله لم يعد يحتمل المزيد من هذه الانتقادات والضغوط.