بدأت مجزرة جديدة لآلاف الأشجار بشواطئ سيناء بهدف التوسعات العمرانية أو السياحية أو تركها عرضة للأمراض، على رأسها «سوسة النخيل» وأخذت تقل إلى أن أصبحت معرضة للاندثار تدريجيًّا، حيث تشير الإحصائيات الأولية إلى وجود نحو ثلاثة أرباع مليون نخلة تتراوح أعمارها ما بين 50 إلى 150 عامًا بعدما كان عددها نحو 10 ملايين نخلة. وتعتبر منطقة الأحراش الساحلية المزروعة بالنخيل من العريش حتى مدينة رفح، وتضم أيضا شاطئ النخيل، ضمن المحميات الطبيعية؛ لما تضمه منطقة الغرود الرملية الممتدة على شكل شريط على ساحل البحر المتوسط، ورغم القرارات الصارمة الصادرة من قِبَل عدد من المسؤولين والجهات المختلفة لمنع قطع النخيل أو الإهمال فيه وتركه عرض للأمراض، إلَّا أنها تظل مجرد تصريحات. الإهمال الذي يشهده النخيل في سيناء يهدد تفوق المحافظة على باقي محافظات مصر في إنتاج البلح عالي الجودة، والمطلوب من قِبَل عدد من الدول؛ لسمعته الفائقة، حتى تحول إلى ثروة قومية يتم تخريبها على مرأى ومسمع من الجميع. قال محمد سليم، من أهالي بئر العبد: النخيل هو المحصول الوحيد الذين نعتمد عليه ونتوارث زراعته عن الآباء والأجداد منذ القدم، وخلال السنوات الأخيرة بدأت السوسة تلاحق النخيل، وتقضى على أشجارنا، مشيرًا إلى أنه يمتلك نحو 50 شجرة نخيل قضت السوسة على 20 منها، والبقية تعانى غالبيتها الإصابة، وأن هذا الخطر يداهم مناطقهم بشكل عام. وأكد أن غالبية المزارعين يعتمدون على بيع إنتاج النخيل في وقته، وكان المزارعون في الماضي يصنِّعون العجوة بأنواعها كافة بمعرفتهم، حيث يجففون الرطب ثم يعيدون عجنه وإنتاج مشتقاته كافة وبيعها في فصل الشتاء، مطالبًا بأن يحظى نخيل سيناء باهتمام المسؤولين بفعل حقيقي، مشيرًا إلى أن فائض إنتاج النخيل لا يستفاد منه. وأضاف سعيد عودة، مزارع وأحد أهالي مدينة بئر العبد، أن البلح أحد أهم المنتجات الزراعية لسيناء، وتزامن موسمه منذ شهرين تقريبًا في مناطق الشمال الساحلية، لكن موسمه هذه المرة جاء حزينًا على مزارعيه المنتشرين على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، من بالوظة غربًا حتى رفح شرقًا، موضحًا أن حزن الأهالي على «نخيلهم» يعود لركود المنتج، وإغلاق منافذ تصريفه، فيما يعتبر المزارعون الموسم أملًا ينتظرونه في هذا التوقيت من كل عام لإنعاش أحوالهم المعيشية المتردية، مؤكدًا أن الإنتاج تراكم بدون وجود منافذ تسويق، منذ حصاده لأكثر من شهرين وحتى الآن. وأضاف: «كنا في السنوات السابقة نُصرّف إنتاجنا إلى أسواق المحافظات الأخرى والتصدير، وهذا العام حالت الظروف الأمنية دون تحقيق ذلك» فضلًا عن عدم وجود مساعدات لعلاج أشجار من سوسة النخيل، التي تتطلب تدخل المسؤولين لإنقاذ الثروة القومية التي تتميز بها شواطئ سيناء، خاصة بعد تناقص أعدادها ولجوء البعض لبيع النخيل للمستثمرين السياحيين أو التجاريين، بعد فشلهم في تصريف المنتج لأكثر من موسم بحجة الدواعي الأمنية. ووصف صابر حمدان، مزارع من سكان ساحل الشيخ زويد، ما أصاب نخيلهم بأنه سرطان كفيل بمحوه، وقال: إنها عبارة عن حشرة «سوسة النخيل» تطير لمسافة تصل إلى 50 كم، وتلقي ببيضها في قلب النخلة، وبمجرد أن يفقس يخترقها، مؤكدًا أنها أصبحت منشرة في كل مكان، وهذا دليل على أن الخطر قادم، ويجب مواجهته بعمل الندوات، وكيفية مكافحة الخطر بالطرق العلمية الحديثة، وليس بالروتين المتبع. وقال: إن إنتاج النخلة الواحدة لا يقل عن 50 كجم من البلح والرطب، والمزارع في المتوسط يملك من 100 إلى 200 نخلة هي جهد سنوات مضت من زراعتها ورعايتها حتى أنتجت، ويعتمد مزارع النخل السيناوي على بيع البلح والرطب في الأسواق، وتراجع سعر كيلو البلح هذا العام إلى نحو 75 قرشًا، وهو سعر بسيط قياسًا بما يتطلبه ذلك من أجور نقل ومصاريف جني البلح، خصوصًا أن النخيل يقع في مناطق رملية بعيدة، ويحتاج جهدًا للوصول إليه، وهو ما يعني تكاليف إضافية، ومع ذلك لم يتمكن من تصريف الإنتاج للدوعي الأمنية، الأمر الذي تسبب في فساد معظمه رغم تدني أسعارة وعدم تمكن التجار المحليين والمصدرين من الوصول إليهم، مرددًا: «نحن محاصرون بين سوسة النخيل والدواعي الأمنية». وقال أحمد سميح، مهندس زراعي بالإدارة الزراعية برفح وأحد أبناء مدينة العريش: الفاقد من أشجار النخيل يصعب تعويضه، فزراعة الشجرة الواحدة تستغرق 7 سنوات إلى أن تصبح مثمرة، ومرض سوسة النخيل بدأ في الانتشار في السنوات الماضية لعدة أسباب، منها أن سوسة النخيل الحمراء أتت إلى سيناء من خلال النخيل الذي يشتريه مجلس المدينة من المحافظات الأخرى دون الكشف عليه، ثانيًا عدم وجود علاج كاف داخل الإدارات الزراعية على مستوى المحافظة، ثالثًا غياب المتابعة الميدانية. وتابع أن الأزمة الأمنية التي تشهدها المحافظة أثرت سلبًا على تصريف المنتج وتسويقه، والسوق المحلية تشبَّعت وأصبح هناك فائض يحتاج إلى نقله للمحافظات الأخرى، لكن التجار القادمين من القاهرة والصعيد يعتبرون الوصول إلى شمال سيناء هذه الأيام مخاطرة، وفي النهاية المزارع هو من يتكبد الخسارة. من جانه قال اللواء عبد الفتاح حرحور، محافظ شمال سيناء: محافظة تواجه عددًا من التحديات، في مقدمتها الموقف الأمني ومساحة المحافظة التي تمتد على 27 ألف كيلو متر مربع، مع انخفاض الكثافة السكانية التي تصل إلى 408 آلاف نسمة، مضيفًا أن إجمالي عدد أشجار النخيل بالمحافظة يبلغ 372 ألف نخلة، وتم اكتشاف المرض قبل 7 سنوات، وكانت البداية من نخيل منطقة المساعيد، وفحصت الزراعة 174 ألف نخلة، وتبين إصابة 685 منها بالسوسة، وتم علاج 52 وجاري معالجة 662، وما يتم حاليًا هو علاج عن طريق الحقن، وتكمن الصعوبة في الوصول للمرض، خصوصًا النخيل المهمل والذي لا يعتني به أصحابه ويصبح مكانًا لتفريخ السوسة. وتم اتخاذ عدة قرارات لتجريم قطع النخيل لأي أغراض مهما كانت، وإجبار أصحاب المشروعات والمنشآت السياحية والعمرانية على زراعة فسائل جديدة للنخيل وإقامة عدد من المشاتل؛ لتوفير تلك الفسائل ومعمل لزراعة الأنسجة لتطوير زراعات النخيل، واستنباط أصناف جديدة عالية الجودة والإنتاج، ثم مشروع المليون نخلة لمضاعفة أعداد النخيل الحالية، كما تم التجهيز لعقد عدة دورات علمية ومحاضرات واجتماعات لتعظيم الاستفادة من النخيل والصناعات القائمة عليها، وحث المواطنين على تنميتها والتوسع في زراعتها كثروة قومية ذات عائد اقتصادي كبير، لا سيما أنها الشجرة الوحيدة التي يستفيد الإنسان من جميع مكوناتها.