مع إشراقة كل صباح تزداد عزلة قاطني 15 جزيرة نيلية بالمنيا، تمثل ثروات هائلة أهدرها المسؤولون، يعيش سكانها منذ عقود الظلام ليلًا، والعزلة نهارًا، الموت أقرب لهم من الحياة التي يفتقدون أبسط مقوماتها، بسبب حصار المياه والزواحف، وغياب الخدمات والمرافق. الثعابين تتكاثر منذ الأربعينيات يعيش المئات فوق أسطح الجزر الممتدة بطول نهر النيل بمختلف مراكز محافظة المنيا، يفتقدون وجود المدارس والوحدات الصحية، وخدمات المياه والكهرباء، تزحف إليهم القوارض والثعابين التي تتكاثر بسبب أكوام القمامة والحشائش المائية، والظلام الدامس. الوصول إلى الجزيرة فقط من خلال مراكب صيد وقوارب خشبية بسيطة تفتقد عنصر الأمان، تتوقف عن العمل ليلًا؛ لغياب الرؤية، وعند حدوث أي طارئ يستشعر الأهالي وكأنهم في سجن كبير. البدائية صورة منازل طينية بسيطة، يسقفها السعف، تتخللها أدوات منزلية بدائية (قلة- زير- قدر- خيش- حصير- مواقد فخارية)، وتحيطها المياه من كافة الاتجاهات، حيوانات وطيور ترعى وسط الزراعات، طلمبات حبشية بديلًا عن الصنبور، كانت هي صور الحياة البدائية داخل جزيرة قرية «زهرة»مركز المنيا. الأمية تحكم قاطنو الجزر يعتمدون في مصادر رزقهم على الصيد والزراعة وتربية الحيوانات والطيور، وبالتالي لا وجود للأوراق المالية ومعاملاتها عندهم، قليًل منهم يعملون في المطاعم والمحاجر وبعض الحرف الأخرى، وذكر بعضهم أن الأمية سمة غالبة؛ فمعظم أولياء الأمور لا يوفدون أبناءهم إلى المدارس وبخاصة الإناث؛ بسبب حالة الفقر المدقع، وصعوبة التنقل. الطرد يلاحق السكان الوضع القانوني للجزر وسكانها غير مقنن حتى اليوم، فالأهالي لا زالوا يدفعون ضريبة تعرف بالربط السنوي تمثل حق انتفاع، على اعتبار أن الجزر أراض أملاك دولة، في حين صدر قرار لرئيس الوزراء عام 1998 رقم 1969/1998، نص علي أن جزر النيل محميات طبيعية يحظر فيها أية أعمال من شأنها تدمير أو إتلاف البيئة الطبيعية أو الإضرار بالحياة المائية أو البرية من خلال إقامة مبان أو منشآت. في الوقت نفسه هناك عدة إشكاليات في تبعية بعض الجزر للوحدات المحلية؛ فجزيرة «البيهو» تارة يقر المسئولون بتبعيتها للوحدة المحلية لقرية «بني خالد»بسمالوط وأخرى يقرون بعيتها للوحدة المحلية لقرية «البيهو» بالمركز نفسه. وعلى خلفية قرار رئيس الوزاراء يتعرض قاطنو الجزر لمحاولات طردهم من حين لآخر، وكان محافظ المنيا الأسبق أحمد ضياء الدين أرسل لهم إنذارات يطالبهم بمغادرة الجزر، غير أن قاطنيها لم يتزحزحوا عنها باعتبارها المأوى الأوحد لمئات الأسر. يقول أحمد عبدالوهاب أحد قاطني جزيرة «زهرة» إنهم يزرعون مساحة 15 فدان، ويتعسرون في تسويق حاصلاتهم ومنتجاتهم وطرق نقلها، وبالتالي نرتكز على تلك المحاصيل في طعامنا وشرابنا فقط، من يمرض نقدم له الوصفات الشعبية البدائية، ونعتمد على مياه الطلمبات في شرابنا، والمواقد الفخارية في تسوية الطعام. أطراف الجزر تتآكل يضيف عبدالوهاب أن التخلص من المخلفات الزراعية ساعد في تكاثر الثعابين وانتشارها، كما أن النحر النهري يهدد بتآكل الجزر من أطرافها في اتجاهاتها الأربعة، وبالتالي تتقلص مساحتها من حين لآخر. أسلحة ومخدرات ينتقل عبدالوهاب إلى زاوية أخرى ليؤكد أن بعض الجزر تم استغلالها وكرًا لتخزين وبيع الأسلحة، وزراعة وبيع المواد المخدرة (البانجو- الحشيش)، وذلك إبان ثورة يناير 2011، بسبب الغياب الأمني والفقر المستشري، وذكر أن ما يعرف ب«الدليل» لعب دورًا هامًا في حماية تجار السلاح والمخدرات، كان دوره يتمثل في الجلوس على الناحية الغربية المطلة على الجزيرة، لإبلاغ قاطنيها فور قرب قوات الأمن؛ ليتمكنوا من تهريب المخدرات والأسلحة رغم تخزينها في أماكن يصعب كشفها. مواقع جذب سياحي مدير إدارة السياحة بالمنيا أسامة وديع قال ل«البديل»إن الجزر النيلية محميات طبيعية تتبع رئاسة الوزراء، لا يخرج وضع قاطنيها عن كونهم مستأجرين لها كأراض زراعية، لا يمكنهم بناء أي بنايات خرسانية، سواء منازل أو مدارس، وهو ما لم يحدث طوال تلك السنوات الماضية. وعن كيفية استغلالها كمواقع جذب سياحي أوضح أنه يمكن استغلالها كنماذج محاكاة للبيئة التي هي عليها، ببناء عشش سياحية على طراز عشش المدن السياحية الشهيرة بمصر، إضافة لعمل رحلات صيد وسفاري.