في وقتٍ استغرق ثلاث ساعات، ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، خلال لقاء جمعهما في موسكو، ضرورة تشديد الضغط على تنظيمي داعش وجبهة النصرة، حسبما ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، فيما يبدو أنها تحركات شكلية لن تؤتي بثمار؛ خاصة مع اقتراب رحيل الرئيس الأمريكي، باراك أوباما. وكان كيري وصل إلى موسكو الخميس الماضي؛ ليعرض على الجانب الروسي زيادة التعاون في مجال الاستخبارات، لمكافحة تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" فرع "القاعدة" في سوريا، وبحسب بيان الخارجية الأمريكية، فإن كيري أشار خلال اللقاء مع بوتين، الذي انتهى صباح أول أمس، إلى أهمية اتخاذ خطوات واقعية وبذل جهود دبلوماسية حول سوريا، قائلا إنه لا يمكن أن تستمر الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف الحرب في سوريا، إلى أمد غير محدود، ومن دون "خطوات معينة". وفي الشأن الأوكراني، دعا كيري الرئيس الروسي إلى تنشيط المفاوضات حول سير تنفيذ اتفاقات مينسك بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية، خاصة في مجال الأمن، حسبما أفادت الخارجية الأمريكية. بدوره، أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في مستهل محادثاته مع نظيره الأمريكي جون كيري، أن الحوار الروسي – الأمريكي يزداد أهمية وإلحاحا بعد الهجوم الإرهابي الأخير في نيس الفرنسية، مؤكدا على ضرورة تكثيف العمل المشترك في سوريا، واصفا اللقاء بأنه كان مفيدا جدا. وتعليقًا على هجوم نيس الإرهابي في فرنسا، قال كيري من موسكو: "إنني أعتقد أن العالم كله يعلق آماله بنا وينتظر منا أن نتخذ بأقصى درجات السرعة إجراءات ملموسة تظهر للناس أننا بذلنا كل ما بوسعنا من أجل القضاء على الخطر الإرهابي". التعليق الأمريكي وجده مراقبون متأخرا جدا من قبل الإدارة الأمريكية، خاصة أن كيري ذهب إلى موسكو بنفس المطالب الأمريكية القديمة، كالمتعلقة بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي دفع السلطات الروسية للتأكيد على مواقفها من الأسد، حيث أكد الكرملين أن موقف روسيا من مسألة مصير الرئيس السوري لم يتغير، حيث قال دميتري بيسكوف، الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي: "فيما يخص مصير الأسد، فالموقف الروسي المعروف لم يتغير"، مضيفا أن روسيا تؤكد ضرورة استمرار المفاوضات حول التسوية السورية، باعتبار عملية جنيف الطريق الوحيد للتسوية السياسية. الولاياتالمتحدة واللعب في الوقت الضائع على مدار ثمان سنوات، مدة ولاية رئاسة أوباما للولايات المتحدة، واندلاع الحرب السورية، حافظ الرئيس الأمريكي على على مواقفه الداعمة للمعارضة السورية على جميع أشكالها، تارة يدعمها بالسلاح، الأمر الذي أنتج داعش وأخواتها، فبعدما أنفق ملايين الدولارات على برامج تدريب ما وصفه ب"المعارضة المعتدلة"، هرب قسم كبير منهم للانضمام إلى داعش والنصرة، وما تبقى منها لا يزيد عن عشرات المقاتلين. تحركات أوباما الأخيرة باتجاه الدب الروسي تأتي في إطار محاولة تحقيق أي شيء يحسب له كانتصار ضد الإرهاب قبل رحيله، وفي نفس الوقت لا يقدم الكثير من التنازلات ليحافظ على حالة الحرب المشتعلة في سوريا، خاصة أن ولايته الرئاسية الثانية شارفت على الانتهاء، ولم يتبق في عمرها إلا أشهر معدودة، فواشنطن التي رفضت مرارا وتكرار التنسيق مع موسكو ضد الإرهاب في سوريا، بدأت تتجاوب مؤخرًا وبصورة غير كاملة معها. منذ صدور مقترح أمريكي للتنسيق مع روسيا بشأن مكافحة الإرهاب في سوريا، رفضت موسكو التعليق، قائلة إنها بانتظار كيري لتوضيح الخطة، ويبدو أن كيري في زيارته الأخيرة لموسكو لم يضف جديدًا أيضا، حيث أكد الناطق باسم الكرملين أن اللقاء بين بوتين وكيري ركز على تداعيات الأزمة السورية ومختلف الصيغ للتعاون بهذا الشأن، لكنهما لم يتطرقا إلى إمكانية إطلاق التعاون المباشر بين العسكريين الروس والأمريكيين في محاربة الإرهاب بسوريا. وأردف: "تبادل المعلومات بين العسكريين مستمر، لكننا لم نتمكن حتى الآن، للأسف الشديد، من الاقتراب من إطلاق التعاون الحقيقي لزيادة فعالية الجهود الرامية إلى محاربة الإرهاب في سوريا". وتأتي زيارة كيري إلى موسكو في أجواء متوترة بعد اقتراب الناتو بزعامته الأمريكية من الحدود الروسية بحجة حماية أوروبا الشرقية من التهديد الروسي، في قمة الأطلسي الأخيرة التي عقدت في وارسو، ما يعني أن واشنطن غير جادة بتعبيد الطريق أمام موسكو لتوفير أرضية مشتركة للتنسيق ضد الإرهاب. ويبدو أن أي تنسيق بين واشنطنوموسكو حول مقاومة الإرهاب، إضاعة للوقت؛ فلا حلول جدية يستطيع أوباما أن يتخذها في ظل ولايته شبه المنتهية، وما عجز الرئيس الأمريكي عن تحقيقه طيلة سنين حكمه، لن يحققه في الأشهر المتبقية منها، وكل ما يستطيع تقديمه مجموعة من التوافقات غير الملزمة حتى قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة مطلع 2017 المقبل، وهي إشارة تلقفتها الدبلوماسية الروسية التي فتحت العديد من الملفات الخلافية مع كيري في زيارته لموسكو، فبعيدًا عن الملف السوري، هناك ملفات عالقة بين أمريكاوروسيا، كأوكرانيا، ونزاع قره باغ، والتسوية الشرق أوسطية، والعلاقات الروسية الأمريكية الثنائية.