أصبح البحث عن حضانة بمستشفيات وزارة الصحة بسوهاج «العامة والمركزية» أو مستشفى سوهاج الجامعي أو سوهاج التعليمي أو حتى مستشفى «الهلال» مأساة كبرى، ففي أغلب الأحوال لا توجد حضانة وإن وجدت تكون ممتلئة عن آخرها ولا مكان فيها إلَّا بواسطة ومحسوبية، وأحيانًا بالرشوة، ليضطر من لم يجد مكانًا لطفله إلى الانتظار للحصول على مكان في تلك الحضانات الحكومية التي تكون في الغالب طريقًا للموت لا للحياة. «البديل» ترصد حجم الكارثة التي ينتظرها الأطفال المبتسرين وحديثي الولادة؛ بسبب العجز الشديد في توافر المستشفيات الحكومية بسوهاج. عندما يذهب ولي أمر الطفل الذي يحتاج لحضانة يحمله علي يديه إلي إحدى حضانات المستشفيات الحكومية وكأنه يذهب إلى صراع «الحياة أو الموت» وبمجرد أن يدلي بمطلبه «محتاج حضانة لطفلي عندكم»، حتمًا سيسمع إحدى هذه الإجابات: «مفيش مكان فاضي» أو «انتظر دورك» أو «لا تعمل» أو «لا يوجد»، وبعدها لا يبقى حل أمام ولي أمر الطفل أو الطفلة، إلَّا الذهاب إلى حضانات الجمعيات الشرعية، وعندها لا يجد مكانًا لطفله أيضًا لطول قوائم الانتظار بها أو تجارة «حضانات المراكز الخاصة» وهي التي ستحرق جيوب المواطنين؛ نظرًا لارتفاع أسعار إقامة الطفل في اليوم الواحد، التي تصل في بعض حضانات التنفس الصناعي بمحافظة سوهاج إلى ألف جنيه. وبسبب تعطل وحدات الأطفال المبتسرين في غالبية المستشفيات بالمحافظة وقلة عددها في البعض الآخر، جعل البيئة خصبة وصالحة ورائجة لتجارة «سبوبة الحضانات» لدى أطباء الأطفال، التي تدار وتعمل غالبيتها بعيدًا عن أعين مديرية الصحة وبدون ترخيص، وهو ما يكلف الأسرة السوهاجية أعباء إضافية فوق همومها وأعبائها، وسط تراخ تام من المسؤولين بالمحافظة، سواء محافظ الإقليم أو وكيل وزارة الصحة أو حتى أعضاء مجلس النواب، الذين طالما وعدوا أبناء دوائرهم بالبحث في مشكلاتهم والعمل على حلها. وأصبحت السوق مفتوحة أمام أصحاب رؤوس الأموال، الذين وجدوا فرصتهم السمينة للإتجار بالغلابة، عن طريق فتح مراكز حضانات متخصصة في حضانات الأطفال وحديثي الولادة، هدفها الأول الربح المادي وليس خدمة المواطنين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة، حيث أصبح اليوم بعلاجه في حضانات الأطفال ذات التنفس الصناعي يتخطى الألف و200 جنيه للطفل الواحد. وتظل حضانات الجمعيات الشرعية المتواجدة بقلة في بعض مدن ومراكز محافظة سوهاج الملاذ الأول والأخير لأطفال الفقراء المبتسرين دون غيرها. ويبقى أمل أولياء أمور الأطفال المبتسرين البسطاء بمحافظة سوهاج متعلقًا بالدكتور أيمن عبد المنعم، محافظ الإقليم، في أن يخاطب وزارة الصحة للعمل على إنشاء مركز حضانات متخصص للأطفال المبتسرين وحديثي الولادة، خاصة أن سوهاج تشتهر بزيادة مساحات أرض أملاك الدولة بها في المراكز والقرى كافة، أو العمل على حل مشكلة الحضانات في المستشفيات العامة والمركزية وتزويدها بما تحتاجه من شبكة غازات وغيرها من قطع الغيار التالفة، أو إطلاق حملة تبرعات لرجال الأعمال لإنشاء مركز حضانات متخصص لهؤلاء الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم ساعات. من جانبه أكد الدكتور يسري بيومي، وكيل وزارة الصحة بسوهاج، أن عدد حضانات الأطفال بمختلف مستشفيات المحافظة غير كاف، وأرجع السبب في ذلك إلى عدم اكتمال شبكة الغازات بالمستشفيات ووصولها لحضانات الأطفال، بدليل أنه توجد بالمحافظة حوالي 150 حضانة فقط بالمستشفيات كافة. وأوضح بيومي ل«البديل» أن سبب تزايد أعداد الأطفال المبتسرين الذين يحتاجون إلى حضانات هو عدم متابعة الأمهات الحمل مع الأطباء في مراحله الأولى، وهي مراحل تكوين الجنين. وقال بيومي: لا توجد بمستشفيات المحافظة حضانات تنفس صناعي للأطفال إلَّا بمستشفى الهلال ومستشفى سوهاج الجامعي، مشيرًا إلى وجود تنسيق بين مستشفيات وزارة الصحة والمستشفى الجامعي في حالة احتياج حضانات تنفس صناعي. وقال الدكتور سمير عبد المجيد، مدير مستشفيات سوهاج الجامعية: إن عدد حضانات الأطفال بالمستشفى الجامعي 30 حضانة منها 12 حضانة تنفس صناعي و18 عادية، فضلًا عن وجود مركز حالات حجرة للأطفال، بتمويل من البنك التجاري الدولي، ووجود عناية مركزة تحتوي على 10 أَسِرّة مجهزة بأحدث الأجهزة. وأضاف في تصريحات خاصة ل«البديل» أن حضانات الجامعة على أعلى مستوى، وتعمل بكامل طاقتها دون أعطال؛ نظرًا للصيانة الدورية التي تتم بها، موضحًا أن مشكلات الحضانة بالمستشفى الجامعي، تتمثل في قلة عدد التمريض والعجز الشديد، مما يضطرهم أحيانًا إلى تشغيل نصف الحضانات الموجودة؛ لعدم وجود تمريض يشرف ويتابع الأطفال داخل الحضانات، لافتًا إلى أن احتياج الأطفال لحضانات يرجع لوجود عيوب خلقية ونزول الجنين مبكرًا قبل انتهاء مدة الحمل «الولادة المبكرة». فهل تستطيع وزارة الصحة توفير أجهزة الحضانات للأطفال المبتسرين بمحافظة سوهاج، التي تخطى تعداد سكانها ال5 ملايين نسمة وإنقاذ حياتهم من الموت بعلمها، أم أنها تعجز عن توفير تلك الأجهزة وتتركهم للموت المحقق أو جشع تجار الحضانات الخاصة، ويبقى أطفال سوهاج المبتسرين بين مطرقة نقص الحضانات وسندان تجار المراكز الخاصة.