يعكس اللجوء إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية إحساسًا عامًّا بصعوبة الأزمة التي طالت مختلف المجالات في تونس، فبالأمس دعا الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إلى بدء مفاوضات لتشكيل حكومة جديدة، تضم الاتحاد العام التونسي للشغل، صاحب التأثير الكبير، وتكون أكثر جرأة لإنعاش الاقتصاد الواهن. وكانت المعارضة التونسية قد صعدت من لهجة خطابها السياسي المناهض للحكومة الحالية برئاسة الحبيب الصيد، وسط تحذيرات من اندلاع انتفاضة شعبية جديدة؛ بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية وارتفاع حدة التوتر والاحتقان في البلاد. ملامح الحكومة التونسية المقبلة قال الرئيس السبسي إن حكومة الوحدة يمكن أن تضم الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم حاليًّا ومستقلين وأحزاب المعارضة التي ترغب في الانضمام إليها. وشدد على أن اتحاد الشغل واتحاد أرباب العمل يجب أن يكونا ضمن حكومة الوحدة الوطنية، مضيفًا أنه حان وقت التغيير إلى ما هو أحسن وأكثر جرأة في تطبيق القانون وإعطاء الأولوية لموضوع بطالة الشبان. ويتألف الرباعي الحاكم حاليًّا من أربعة أحزاب، هي حركة نداء تونس، وحركة النهضة وحزب الاتحاد الوطني الحر، وحزب آفاق تونس. ويعاني الائتلاف بعد عام ونصف على تشكيله من التصدع؛ نتيجة تراكم الخلافات التي تسببت في تعطل تنسيقيته، ما دفع باتجاه تزايد التسريبات التي تقول إنه سيتم التخلي عن رئيس الحكومة الحبيب الصيد. عقبات تشكيل الحكومة الجديدة على الرغم من أن الحكومة الحالية طالها انتقاد السبسي، حيث قال -في مقابلة مع التليفزيون الحكومي- "نتيجة الحكومة الحالية متوسطة بعد عام ونصف، وكان يمكن أن تتقدم أكثر"، إلا أن الآمال المعقودة على تشكيل الحكومة الجديدة التي يدعو لها قد لا تكتمل، خاصة أن السبسي يدعو إلى دمج الاتحاد العام التونسي للشغل الحائز على جائزة نوبل للسلام فيها، فيما نفى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي علمه بوجود نية لإشراك الاتحاد في حكومة وحدة، لكنه أشار إلى أن الاتحاد يرفض هذه الدعوة؛ لأنه يرى أنه من الأفضل الابتعاد عن الحكم، وأضاف العباسي "لكننا ندعم فكرة حكومة الوحدة الوطنية، ويمكننا المشاركة في النقاشات". وقد يضعف رفض الاتحاد فرص نجاح مقترح الرئيس، الذي يرى أنه من شروط تشكيل هذه الحكومة مشاركة الاتحاد العام للشغل واتحاد الصناعة والتجارة؛ للحد من الإضرابات والاحتجاجات، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل وإنعاش الاقتصاد المنهار. وتتزامن دعوة السبسي للحكومة الجديدة مع ظهور انقسام جديد في نداء تونس إلى شقين رئيسيين منذ انسلاخ أمينها العام السابق محسن مرزوق نهاية العام الماضي، فمنذ إعلان رضا بالحاج عن استقالته كرئيس للهيئة السياسية لحركة نداء تونس في مايو الماضي، دخل الصراع في نداء تونس منحى جديدًا، حيث أكدت مصادر مقربة من بلحاج المستقيل أنه اعتبر لقصر قرطاج دورًا في إجباره على الاستقالة، خاصة بعد انتخاب سفيان طوبال رئيسًا لكتلة نداء تونس بمجلس النواب المحسوب على شق حافظ قايد السبسي نجل رئيس الجمهورية، الذي أصبح يدير الحزب بمفرده. وكان الصراع قد احتدم داخل حركة نداء تونس بين أعضاء الحركة الأصليين والمؤسسين، وجناح نجل الرئيس التونسي، وسط اتهامات بإخضاع مصير ما تبقى من الحركة لبعض الأطراف المحسوبة على دوائر مالية استطاعت "خطف" هذه الحركة، وتحويلها إلى مجموعات متصارعة؛ للوصول إلى جاه أو نفوذ سياسي. كما تثير العودة المحتملة للوزير التونسي السابق، الأزهر العكرمي، إلى حزب "نداء تونس"، حالة من الإرباك السياسي لأكثر من طرف في الساحة التونسية، بدءًا من السبسي، مؤسس الحزب، ونجله حافظ، وبقية المنشقين، الذين ساندوا العكرمي في رفضه لمجريات الأمور في الحزب منذ أكثر من عام، وصولًا إلى أغلب من انضموا للحزب الجديد المنشق عن "النداء"، وهو "مشروع تونس"، الذي يتزعمه محسن مرزوق، فالعكرمي كان قد قدم استقالته من الحكومة الحبيب الصيد؛ لتفشي الفساد، كما شن حربًا على السبسي ونجله، متهمًا الأب بالسعي لتوريث الابن، ومتهمًا إدارة القصر الرئاسي بالعمل لصالح الحزب. موقف حبيب الصيد من الحكومة الجديدة رغم أن السبسي اعتبر أن رئيس الحكومة الحالية الحبيب الصيد لن يمانع في أي خطوة يمكن أن تخدم المصلحة الوطنية، سواء كانت بقاءه أو تغيير التركيبة الحالية، مؤكدًا أنه لو لم يكن الصيد على رأس الحكومة، لكان الفشل أكبر، مشيرًا إلى أن الحكومة الحالية قامت بالواجب المطلوب منها، وفي ذات الوقت اعتبر أنها لم تشرح للمواطنين حقيقة الوضع حين تسلمت مقاليد السلطة. رغم ذلك إلا أن الحبيب الصيد أكد أنه لن يستقيل، وسيواصل مهامه، في أول رد فعل على مبادرة رئيس الجمهورية التي أعلنها الخميس بالدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الصيد استدرك بقوله إنه لا يمانع في الاستقالة من منصبه لإفساح المجال لحكومة وحدة وطنية أوسع، إذا اقتضت مصلحة البلاد، وذلك في أول رد فعل على دعوة الرئيس التونسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وأضاف الصيد أنه كان يعلم بالمبادرة قبل إعلانها من طرف رئيس الدولة، مشيرًا إلى أن لقاء سيجمعه بالرئيس السبسي الاثنين لدراسة المبادرة.