بعد أن أنهى العاهل السعودي الملك، سلمان بن عبد العزيز، زيارته الأولى لمصر، والتي استمرت خمسة أيام، يتوجه اليوم إلى تركيا، في زيارة تستمر ليومين، هي الأولى من نوعها منذ صعود الملك السعودي إلى سدة الحكم في المملكة، وسط توقعات بأن ملف المصالحة بين القاهرةوأنقرة سيكون العنوان الرئيس للزيارة. أسباب الزيارة زيارة الملك سلمان لتركيا انطلاقًا من مصر، وبعد أن خضعت مصر للإملاءات السعودية، أثارت العديد من التساؤلات حول نية السعودية إعادة إحياء محاولات المصالحة بين القاهرةوأنقرة، والتي كان قد بدأها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز. قال موقع إنترنت هابر التركي إن سبب زيارة ابن عبد العزيز لمصر وبعدها تركيا هو تخفيف الضغط والتوتر بين البلدين. وتابع الموقع أن سلمان خلال زيارته لمصر حث الرئيس عبد الفتاح السيسي على حضور القمة الإسلامية، بدلًا من أن ينوب عنه وزير الخارجية سامح شكري، الذي أعلنت مصر أنه سيكون ممثلًا لها في القمة. وكانت وزارة الخارجية التركية قد أعلنت قبل أيام أن أنقرة ستوجّه دعوة إلى مصر لحضور اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، تانجو بيلجيتش، أن مصر هي من ستقرر مبعوثها إلى القمة الإسلامية، مشيرًا إلى أن مصر أحد أعضاء المنظمة، وأنها الرئيس الحالي للقمة، ومن المقرر أن تسلم الرئاسة إلى تركيا خلال الدورة ال 13 القادمة، والتي تقام تحت شعار "الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام". وتابع الموقع التركي أن الملك سلمان يرى أن القمة الإسلامية المقرر انطلاقها باسطنبول فرصة ذهبية لإعادة العلاقات بين مصر وتركيا. في الإطار ذاته نقلت تقارير عن مصادر تركية أن أجندة واسعة من الملفات الإقليمية المهمة تنتظر القمة السعودية التركية، تتصدرها الأزمة السورية و اليمنية والعلاقات الثنائية والحرب ضد الإرهاب، إضافة إلى جدول أعمال القمة الإسلامية الثالثة عشرة. وتحدثت مصادر دبلوماسية عن احتمال قيام العاهل السعودي خلال زيارته بدور الوساطة بين تركيا ومصر. وعن أسباب المساعي السعودية لعقد مصالحة بين أنقرةوالقاهرة، أشارت المصادر إلى أن الرياض تسعى إلى بسط سيطرتها على العلاقات المصرية التركية بصفتها قائدة التحالف الإسلامي الذي أعلنت عنه في ديسمبر الماضي، وتعزز ذلك بسعيها لحضور السيسي القمة الإسلامية وعدم إنابة أحد المسؤولين عنه. هل هناك فرص للنجاح؟ ويرى مراقبون أن الأجواء الراهنة ملائمة بعض الشيء لنجاح محاولات سلمان، حيث كانت الجهود السعودية السابقة، والتي قادها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، تفتقد للكثير من المرونة التركية والمصرية، فقد بدأ الملك السعودي محاولاته في الوقت الذي كانت فيه العلاقات التركية المصرية قد وصلت إلى قمة التوتر، وكانت التصريحات بين الطرفين في أوج احتقانها، الأمر الذي عجل بفشل المحاولات. بعد تولي الملك سلمان حكم المملكة، كان هناك الكثير من القضايا الخلافية بين الرياضوالقاهرة، الأمر الذي كانت تنفيه دائمًا وزارة خارجية الطرفين، لكنه كان واضحًا جليًّا في مواقفهما، وجاء في مقدمة القضايا الخلافية بين البلدين ارتباك العلاقات بين أنقرةوالقاهرة، إضافة إلى تباين الآراء بشأن الأزمة السورية، وموقف مصر من الأزمة السعودية الإيرانية، لكن يبدو أن زيارة العاهل السعودي الأخيرة لمصر أغلقت العديد من هذه الملفات، خاصة مع تغير الأوضاع السياسية في المنطقة. التقارب بين أنقرةوالقاهرة يمثل أهمية كبيرة للرياض حاليا، خاصة وأن هذه التوترات تضعف تحالفات السعودية في المنطقة، لا سيما أن المملكة الداعم الأكبر للنظام الحالي في مصر، وتركيا باتت من أكبر وأهم حلفائها في المنطقة، خاصة بعد أن أعلنت مؤخرًا عن تحالف إسلامي يجمع الدولتين، وتريد الرياض له أن يلتئم وينجح، إلا أن الخلافات المصرية التركية تقف حائلًا أمام هدف المملكة، الأمر الذي قد يدفعها إلى إعادة جهود حلحلة الأزمة بين البلدين بأي طريقة للوصول إلى هدفها. وبخلاف محاولات التقارب والمصالحة بين البلدين، تظل الأزمة السورية نقطة خلافية كبيرة بين الرياضوالقاهرة، حيث تدعم الأخيرة الجهود الروسية الداعمة للجيش السوري ونظام الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي يتنافى مع وجهة نظر المملكة، التي ترفض أن يكون للرئيس الأسد أي دور مستقبلي في سوريا. وعلى ما يبدو أن القاهرة ستواصل السير في الركاب السعودي، لا سيما وأن فيما يتعلق بشأن موقف مصر من الأزمة السعودية الإيرانية، فإن هذه النقطة تم تجاوزها خلال زيارة العاهل السعودي للقاهرة، حيث استبق وزير الخارجية، سامح شكري، وصول الملك السعودي إلى أرض الوطن بتصريحات إدانة لدور إيران في المنطقة، ووصفها البعض بأنها "عربون صداقة من مصر للمملكة" قبل يومين من وصول الملك، حيث أشار شكري إلى أن الثورة الإيرانية كانت لها تأثيراتها في المنطقة، وأنها تسعى لمد نفوذها في الدول الإقليمية المحيطة بها بشكل طائفي، مؤكدًا أن مصر مستمرة في موقفها من قطع العلاقات مع إيران حتى اللحظة، ناهيك عن قرار إدارة "النايل سات" وقف بث قناة المنار الناطقة باسم "حزب الله"؛ بحجة بث برامج تثير النعرات الطائفية والفتن، الأمر الذي يُعد مطابقًا لموقف المملكة الساعي إلى اعتبار حزب الله منظمة إرهابية يحظر التعامل معها. وبعد أن تجاوزت السعودية ومصر العديد من النقاط الخلافية المتعلقة بعدة قضايا عربية وإقليمية، لم يبقَ سوى ملف الأزمة المصرية التركية، الأمر الذي يعطي مؤشرات بشأن محاولات الملك سلمان طي هذه الصفحة استكمالًا لصفحات الخلاف التي تم طيها، وفي نفس الوقت يثير تساؤلات: هل ستنجح محاولات العاهل السعودي، أم أنها ستلقى مصير سابقتها، وسيكتفي الطرفان المصري والسعودي بتجاوز هذه الصفحة؛ ليحتفظ فيها كل طرف بمواقفه دون أن تتأثر العلاقات بين البلدين؟ وكانت توترات العلاقات بين مصر وتركيا عقب ثورة 30 يونيو، خاصة بعد تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم، حيث يؤيد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حكم جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي دفعه إلى إعلان دعمه لنظام الجماعة عقب قيام ثورة يونيو، ووصفها بانقلاب عسكري سعى الرئيس السيسي من خلاله إلى الوصول لسدة الحكم عبر الإطاحة بالإخوان، وأطلق المسؤولون الأتراك حينها وعلى رأسهم الرئيس أردوغان تصريحات مسيئة للنظام المصري الجديد، وصلت إلى استضافة رموز التنظيم الصادرة بحقهم أحكام قضائية، بل والسماح لهم باستخدام الأراضي التركية لبث قنوات تليفزيونية معادية لمصر، الأمر الذي اعتبرته القاهرة تدخلًا سافرًا في شؤون البلاد ومخالفة للأعراف الدولية، وعلى أثر ذلك تدهورت العلاقات بين أنقرةوالقاهرة، ووصلت إلى تبادل طرد سفيري البلدين المصري والتركي.