أثار قرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه، ورفع قيمة الدولار لمستوى 8.95 جنيهًا، جدلًا واسعًا على الصعيد الاقتصادي المصري، فرجال الأعمال تفاءلوا خيرًا بالأمر وارتفعت البورصة المصرية محققًا زيادة قيمتها 1.419 مليار جنيه، فيما سيطر القلق على الشرائح متوسطي ومحدودي الدخل بعد انخفاض قيمة رواتبهم في ظل انخفاض الجنيه. ورصدت «البديل» آراء بعض الخبراء؛ لعرض أسباب تحرير سعر صرف الجنيه، وطرح آليات الخروج من أزمة التعويم. ويقول الدكتور عبد الرحمن بركة، الخبير المصرفي وأمين صندوق اتحاد البنوك سابقًا عن أسباب اتخاذ البنك المركزي قرار تحرير سعر الصرف، وإلغاء حدود السحب والإيداع، وطرح شهادات الاستثمار الدولارية ذات العائد بالجنيه المصري، وكذلك رفع سعر الفائدة على الجنيه المصري لضمان الحفاظ على قيمته: القرارات الأخيرة تهدف إلى إزالة الفارق بين أسعار البنك المركزي والسوق السوداء، وجاءت للأسباب الآتية «عجز موارد النقد الأجنبي، ضعف السياحة، انخفاض عائدات الصادرات المصرية؛ بسبب ضعف الإنتاج، تلاعب المضاربين في السوق السوداء بأسعار العملة للاستحواذ على أموال العاملين في الخارج، وتضخم فاتورة الاستيراد غير الممنهج». ورأى بركة أن العلاج يكمن في تشغيل الألف مصنع التي أعلن السيسي عنها، بشرط أن تكون هناك عمالة مدربة قادرة على تقديم إنتاج ذي جودة عالمية، لنتمكن من المنافسة في سوق التجارة العالمية واستغلال ميزة انخفاض الجنية لصالح تنشيط الصادرات، والالتزام بترشيد عملية الاستيراد، لتقليل فجوة عجز الميزان التجاري، ثم إعادة تأهيل المناطق السياحية وطرح رؤى جديدة لجذب السائحين، فمصر تمتلك 70% من المنشآت السياحية بالعالم، حسب قوله. وطالب بركة بضرورة حث المصريين العاملين في الخارج على تحويل أموالهم عبر القنوات الشرعية، خصوصًا أن البنك المركزي تمكن من تقليل الفجوة بينه وبين أسعار السوق السوداء، مما يساعد بشكل كبير في زيادة الاحتياطي النقدي للمستوى الذي يسعى إليه البنك المركزي، وهو 25 مليار دولار خلال العام الجاري، ليتمكن من التدخل في أي وقت لدعم الجنيه المصري والحفاظ عليه. وفي إطار عرض روشتة للخروج من أزمة تعويم الجنيه، طالب الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، بتعديل المادة 18 فقرة «ب»من قانون الإجراءات الجنائية، المتعلقة بإمكانية التصالح في قضايا أموال مصر المنهوبة، وضرورة أن يشمل التعديل زيادة قيمة التصالح، حتى لا تتساوى بقيمة الأموال المنهوبة، وإضافة غرامة مناسبة تتضمن فارق أسعار السوق والفوائد، وبشرط أن تحصل الدولة قيمة التصالح بالعملة الصعبة. وأكد أحمد سامي، الخبير المصرفي، أن ما حدث شبه تعويم للجنيه، ومن غير المنطقي أن تترك أي دولة عملتها المحلية للتلاعب بها في سوق العرض والطلب، دون رقابة رشيدة وقدرة على التدخل في الوقت المناسب؛ لضبط أسعار الصرف، مؤكدًا أن ما حدث أحد البدائل المؤقتة لفترة وجيزة، وسيتم طرح آليات جديدة بنهاية العام الجاري، فور ارتفاع الاحتياطي النقدي للمستوى الآمن، وبدء تشغيل المصانع وعودة عائدات السياحة. ووصف سامي، محافظ البنك المركزي الحالي، طارق عامر، بأنه يملك «قلب جامد»، لاتخاذه قرار تحرير سعر صرف الجنيه في تلك الفترة، بينما يعاني الاحتياطي النقدي من نقص حاد حتى بلغ 16 مليار دولار، بعدما كان 36 مليار دولار قبل عام 2011، إضافة إلى توقف السياحة وتراجع حركة الصادرات. وأضاف مدحت الزاهد، القائم بأعمال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن قرار البنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه، سيؤثر سلبًا علي الفقراء، ولابد أن تسارع الدولة بزيادة مخصصات دعم السلع الغذائية والخدمات الأساسية وتثبيت تعريفة الشرائح الدنيا في خدمات المياه والكهرباء، وأن يشمل التأمين الصحي المحرومين، والاهتمام بتطوير الصناعات كثيفة الاستخدام للعمالة، وتطوير النظام التعاوني وتشجيع جمعيات حماية المستهلك، مؤكدًا ضرورة التزام الحكومة بعدالة توزيع الأعباء وإصلاح النظام الضريبي، وتشغيل الطاقات العاطلة وتطور القدرات الإنتاجية للاقتصاد، والامتناع عن تبديد موارد الدولة في مشروعات تتطلب استثمارات. وطالب الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، بضرورة تطبيق الضريبة التصاعدية، بحيث يصل سعر الضريبة إلى 30٪ على أصحاب الدخول أكثر من مليون جنيه، وتنفيذ استراتيجية لمواجهة البطالة، وتصحيح الخلل في هيكل الاقتصاد وإعادة بنائه بالاعتماد على الإنتاج، مؤكدًا ضرورة بناء الاقتصاد الوطني المستقل؛ بحيث تكون توجهات التنمية نحو الداخل والاعتماد على الذات عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصفية الديون الخارجية وتنمية الصادرات.