يعاني الآلاف من أهالي مركز أجا بمحافظة الدقهلية من مشكلات صحية جسيمة تؤرق حياتهم؛ بسبب تواجد مكامير الفحم غير الآمنة، والتي تتصاعد منها الأدخنة الكثيفة، مسببة الأمراض الصدرية والربو والاختناق للأطفال والكبار، بل وتصيب المحاصيل الزراعية بالهلاك. وقال إبراهيم السيد عبد السلام، 44 سنة مدرس، أحد أبناء قرية ميت أبو الحسين مركز أجا محافظة الدقهلية، إن عدد سكان القرية نحو 25 ألف نسمة، يحيط بهم أكثر من 15 مكمورة فحم، منها ثلاث مكامير تقع ببحري القرية، وبسبب اتجاه الرياح تغمر الأدخنة المساكن كافة، كما أن الناحية الشرقية والقبلية تضم باقي المكامير بالحيز العمراني للقرية. ويؤكد إبراهيم أن المشكلة الرئيسية من تصاعد الأدخنة هي طريقة الحرق، التي تكون في الساعات الأولى من صباح كل يوم، بعد أن يتم حرق الفحم «نصف تسوية»، وتستغرق سبعة أيام بدلًا من 15 يومًا، وهي المدة الزمنية اللازمة للحرق الكامل. لكن بسبب الجشع وجني المال يتعجلون، حيث يتم تحصيل من 4 إلى 5 آلاف جنيه في الحرق الواحد، مضيفًا أن هذا يجعل تكاثر الدخان الحامل بثاني أكسيد الكربون يحيط بهم في كل وقت، مؤثرًا على الزرع، حيث أصبح حصاد البرسيم في الوقت الحالي هزيلًا، وتحول لونه إلى الرمادي؛ نتيجة غمر الأكسدة الناتجة من المكامير للزرع. وأضاف: أما بخصوص الأمراض، فحدث ولا حرج، حيث سارعت بزوجتي إلى مستشفى أجا المركزي، ودخلت العناية المركزة يومًا كاملًا؛ ليتم وضعها تحت أجهزة الاستنشاق «النيبوليزر»، علمًا بأن أقرب مستشفى لنا على بعد 45 دقيقة. أما الوضع الخاص بالرضع والأطفال، فهم الأكثر عرضة نتيجة لضعف تكوينهم؛ مما يسبب الأزمات الصدرية والإصابة بالربو، وحالات الاختناق فيهم كثيرة جدًّا، وأنا أيضًا من المصابين بمشكلات صدرية بسبب الأبخرة المتصاعدة التي أستنشقها داخل منزلي، ولا أتنفس بحرية إلى في عملي بمركز أجا. واستطرد: تقدمنا مرارًا وتكرارًا للوحدة المحلية بمجلس محلي التابع لقرية بخطاب ومحاضر رسمية بمركز شرطة أجا ضد تلك المكامير، لكن دون جدوى، ولا نرى سوى أمناء الشرطة، ويتم إبلاغ أصحاب المكامير بمواعيد حملات الإزالة، التي تكون وهمية، وتعمل المكامير بعد مغادرة الحملة بكامل طاقتها بدقائق، وعندما تحدثنا مع أصحاب المكامير الذين لا يكترثون بشيء سوى جمع المال، ولم يهتموا بشكوانا، قالوا إنها مهنتهم التي يسترزقون من خلالها، وبرروا بأن العديد من العمال يرزقون منها. وتابع: على الرغم من الأضرار التي تسببها تلك المكامير، إلَّا أنها وسيلة الرزق التي يعمل بها شباب القرية جميعًا، فيعمل بها خريجو الجامعات والمعاهد بأجر يصل إلى 60 جنيهًا، لتصبح القرية بلا بطالة، لكنهم يدفعون ثمن الأضرار من أعمارهم، فالمكامير هي الموت البطيء. ووجه الأهالي استغاثة عبر «البديل» لوزيري البيئة والزراعة؛ كي يشاهدا على الطبيعة حرق الخشب والزرع والأمراض الصدرية التي يعيشون فيها. انتشار الربو والحساسية وقال محمد أبو طالب، موظف مكتبات بالتربية والتعليم: إن أكسدة الأدخنة المتصاعدة من مكامير الفحم أصبحت على ملابسنا وغذائنا، وانتشرت داخل أجسادنا، والأمراض ما بين ربو وحساسية واختناق، مما يعاني منه الصغار قبل الكبار، فنحن لسنا ضد الرزق الحلال، لكن أيضًا لنا الحق في تنفس هواء نقي، وما يفعله أصحاب المكامير من تعمد إشعالها ليلًا حتى الساعات الأولى من الصباح؛ خشية مشاهدة الأدخنة نهارًا، والتي تظهر بشكل مرعب، وبخار الماء المتطاير في ذلك الوقت يساعد في تراكم الدخان داخل المنازل. وأضاف أن عدم الحرق الكامل يجعل هناك زيادة في تصاعد وحدة وكثافة ثاني أكسيد الكربون، حتى يعود عليه بالمكسب السريع، وهذا الجشع يؤدي إلى إنتاج فحم غير جيد؛ نظرًا لعدم اكتمال المدة الزمنية أثناء الحرق، والمدة الطبيعية هي 15 يومًا؛ لتجعل الفحم بجودة عالية دون أبخرة أو أدخنة قاتلة. قانون لمدة شهر وتابع أبو طالب أن هناك قانونًا يقضي بتغريم المكامير في شهرواحد بالعام، وتصل الغرامة من 30 إلى 40 ألف جنيه، وتجعلها تتجمد عن العمل تمامًا، ولا أحد يجرؤ من أصحاب المكامير أن يفتحها ويخرج منها الفحم، وهو شهر حصاد الأرز، بعد أن يلجأ الفلاحون إلى حرق القش، فطالما أن هناك قوانين يمكن أن تطبق، فلماذا لا تكون تلك القوانين للحد من التلوث الذي نعيش فيه من الأدخنة والتراب والسمرا «تراب الفرن»؟ وأضاف أن أصحاب المكامير بالرغم من جنيهم الكثير من الأموال في الفترات السابقة، إلا أنهم يعملون عن طريق المكامير البلدي بدلًا من استخدام الأفران التي تبلغ تكلفة الفرن الواحد 250 ألف جنيه، بدون أبخرة أو أتربة أو غازات سامة، وإنتاجه حوالي 70 طنًّا من الفحم في مدة 7 أيام، فهناك الكثير من الحلول، لكن الحكومة ما زالت تقف صامتة دون حراك. مناشدة وناشد الأهالي محافظ الدقهلية وجامعة المنصورة، فالأول يجب أن يحاسب وحدته المحلية التي تقاعست عن أداء عملها في شكواهم، والتي لم ينظر إليها أحد، والجامعة بدورها الخدمي المجتمعي بإرسال قافلة طبية دورية لمعالجتهم من تلك الأمراض الصدرية، التي يصل علاجها لمئات الجنيهات أسبوعيًّا. حاول «البديل» التواصل مع حسام الدين إمام، محافظ الدقهلية، لمواجهته بمشكلة مكامير الفحم، لكنه رفض تمامًا الإدلاء بتصريحات صحفية عن تلك المشكلة.