في الأول من مارس من عام 1811م استطاع محمد على التخلص من المماليك، وتم إرجاء تحرك الحملة إلى الجزيرة العربية إلى آخر سبتمبر من العام نفسه، وكان محمد على قد أوكل الأمر بإعداد الحملة على أفضل ما يكون للشيخ محمد المحروقي كبير تجار مصر، وكان قوام الحملة نحو 8000 جندي منهم 6000 من المشاة انتقلوا إلى (ينبع) بالمدينةالمنورة على متن 18 سفينة أنشئت خصيصا في ترسانة بولاق، ونقلت كقطع مرقمة تم تجميعها وتركيبها في السويس و2000 من الفرسان على رأسهم أحمد طوسون باشا قائد الحملة نجل محمد علي ابن السابعة عشر ربيعا، سلكوا برا عبر برزخ السويس، إلى العقبة، ومنها إلى (ينبع). بمجرد وصول القوات إلى (ينبع) والتئام شملها بوصول الفرسان، فر قائد الحامية الوهابي مخلفا وراءه ثلاثمئة من الجنود توزعوا بين قتيل وأسير وفار، وكان سكان الثغور الحجازية ك (جدة) و(ينبع) قد انحازوا للجيش المصري بسبب ما لحقهم من ضرر بالغ جرَّاء سيطرة السعوديين على الأماكن المقدسة، وتعطل الحج حيث كانت معيشتهم تعتمد اعتمادا كبيرا على الحجيج، كما انحاز الشريف غالب شريف مكة للجيش المصري أملا في استعادة نفوذه الضائع، ثم كان أن قرر طوسون باشا التقدم صوب بدر، مما اضطر الوهابيين للارتداد عنها إلى (الصفراء) وهناك اعتلت القوات الوهابية الأعالي، مما سهل لهم الفتك بالقوات المصرية، وكانت الهزيمة الفادحة، أكثر من 600 جندي قضوا خلال ساعات، أما بقية الجيش فقد كان الاندحار صوب (ينبع) هو ما قامت به، وفي الطريق أعمل الوهابيون فيهم القتل والأسر والتشريد حتى أن أصح الروايات تقول أنه لم يعد من الجيش إلى (ينبع) سوى 3000مقاتل. أسرع طوسون باشا بإبلاغ والده بالكارثة التي وقعت، وأعزاها إلى تهاون وتخاذل قادة الجند وكان بعضهم قد عاد إلى القاهرة، واستدعى محمد على من لم يعد، وقام بعزلهم من مناصبهم ونفيهم خارج القاهرة، ثم قام بفرض أتاوات وضرائب جديدة من أجل تجهيز الإمدادات التي طلبها طوسون. طوسون باشا استطاع طوسون استمالة القبائل من (جهينة) و(حرب) إلى صفه، وكان قد أغدق عليهم الأموال والخُلع، ثم سار بقواته ومن والاه إلى (الصفراء) فدخلها دون قتال، ثم اتجه إلى المدينةالمنورة، فحاصرها ثم دخلها بعد أن قام بتلغيم جزء من سورها دخل منه الجند، حتى لا يلجأ إلى قصفها بالمدافع خوفا أن يصيب القصف المسجد النبوي، قتل المصريون من كان في المدينة من الحامية السعودية، وعندما استتب الأمر أرسل طوسون باشا مفاتيح المدينة إلى والده في مصر فسر سرورا عظيما، ثم تقدم المصريون شمالا وقاموا باحتلال (الحناكية). عاد طوسون بقواته إلى (ينبع) ومنها إلى (جدة) ثم دخل مكة ظافرا بمساعدة الشريف غالب والقبائل الحجازية، وأعقبها باحتلال (الطائف) وكان ذلك مطلع العام 1813م، في تلك الآونة كان الأمير سعود بن عبد العزيز، يراقب تحركات المصريين، ويترك لأعوانه مناوشة القوات المصرية من هنا وهناك، ثم أمرهم بقطع الطريق بين مكةوالمدينة بعد أن قرر سعود الزحف بالقوات التي يقودها، والأخرى التي يقودها ابنه فيصل على مكةوالمدينة ، وعند (تَرَبة) التقت القوات التي يقودها فيصل- وكان قد عسكر بها وحصَّنها- مع الجيش المصري في معركة ضارية لقي الجيش المصري فيها هزيمة مريرة، في الوقت الذي هاجمت فيه قوات سعود (الحناكية) مما اضطر المصريين للجلاء عنها. تبدلت الأمور تماما وصار الجيش المصري في أسوأ حال بعد أن فقد 8000جندي، ونحو25ألفا من رءوس الماشية، وقدرت الخسائر المادية بما يعادل 175000جنيه، وهي لا شك خسائر فادحة كانت كفيلة بأن يصدر محمد علي أمرا بإنهاء تلك المغامرة المكلفة؛ لكن ما حدث كان بخلاف ذلك تماما، إذ قام محمد على بتجهيز قوات خرج هو شخصيا على رأسها وكان ذلك في أغسطس من عام1813م، وفور وصوله (جدة) أصدر أمرا باعتقال الشريف غالب، ونفيه إلى مصر ومنها إلى(سلاتيك) حيث سيقضي غريبا بائسا، وكان محمد على قد وصل إلى قناعة مفادها أن الشريف غالب ليس على الدرجة المطلوبة من الإخلاص، وأنه أحد أهم أسباب ما حاق بالجيش المصري من خسائر فادحة، إذ أن إطالة أمد الصراع كانت تصب في صالح تعزيز مصالحه، وربما وصلت لمحمد على بعض الأخبار عن صلات سرية بين غالب والسعوديين، ثم قام محمد علي بتولية الشريف يحيى بن سرور شريفا على مكة خلفا لعمه. مكة في القرن التاسع عشر رأى محمد علي أن يحصِّن مكة ضد الهجمات الوهابية، ثم أمر طوسون باتخاذ الطائف مركزا لقواته، ثم أمره بالتحرك بقواته لحصار (تَرَبة) ولكنه لم يفلح في دخولها فعاد بعد أن أنهك الحصار الجند، ثم رأى محمد على أن التوجه إلى عسير التي كانت تساند السعوديين من شأنه كسر شوكتهم ، فأمر بتوجيه قوات إلى ميناء قنفذه، واحتلاله ولكنه اضطر لإخلائه بعد أن وقع قائد الحامية في خطأ ساذج إذ لم يؤمِّن عين الماء التي تستقي منها المدينة، فقام الوهابيون بالسيطرة عليها، وقطع الماء عن المدينة. ثم كان أن طلب محمد على المدد من مصر، فقام الكتخدا بيك محمد لاظ أوغلي بإرسال سبعة آلاف جندي جلهم من المتطوعين، وسبعة آلاف كيس، وبالقطع فإن هذا المدد قد حمَّل المصريين ما لا يطيقون، وكان تطوع الكثيرين في الحملة فرارا من الظروف المعيشية المستحيلة التي سادت البلاد، ثم يقدم القدر لمحمد علي خدمة جليلة إذ يتوفى سعود بن عبد العزيز، ويخلفه ولده عبد الله الذي لم يكن ميالا للحرب والصراع وليس له جلد أبيه ولا نصيفه. ثم كان أن أمر محمد علي عابدين بك باحتلال وادي الظهران الفاصل بين اليمن والحجاز، ولكن الوهابيين استطاعوا رده مما ألجأه إلى الطائف بعد أن تكبد خسائر فادحة، وحاصر السعوديون الطائف وكان بها طوسون باشا وقواته، مما اضطر محمد علي للتحرك السريع لإنقاذ ولده، حيث تحرك في قوة من عشرين فارسا وأمر أن يحضر فارس من أسرى الوهابيين، ووعده بإطلاق سراحه إن هو تعهد بإيصال رسالة إلى الأمير المحاصر، وكانت الرسالة تحمل البشرى للأمير بتحرك جيش كبير لفك الحصار، فلما قرأ القائد السعودي الرسالة، توجس خيفة أن يقع وقواته بين القوتين المصريتين في الداخل والخارج، فانسحب بقواته عن الطائف مندحرا بعد أن جازت عليه حيلة الداهية. ثم يتأهب محمد علي للقتال من جديد بعد أن قام بنفسه بتدريب الجند السبعة آلاف الذين أرسلهم الكتخدا، ثم أن قامت ثورة القبائل بسبب مقتل شيخ قبيلة من حرب على يد حاكم المدينة، ولكن محمد على سرعان ما استدرك الأمر، إذ أرسل إليهم طوسون بالهدايا والأموال، ووعدهم بمعاقبة المخطئ على قدر جرمه. قبائل حجازية وفي مطلع العام 1815 وبعد أن تمت مراسم الحج تندلع نيران المواجهات مجددا، وكان السعوديون قد جمعوا قرابة العشرين الف مقاتل بقيادة فيصل بن سعود بين (بسل) و( تربة) وعندما بلغت الأخبار محمد علي قام بنفسه على رأس جيش قوامه أربعة آلف مقاتل، وعند (بسل) قرب الطائف دارت رحى معركة من أمجد معارك التاريخ المصري، إذ استطاع المصريون بعد قتال مرير إلحاق هزيمة مذلة بالسعوديين الذين فروا بعد أن خلفوا 600 قتيل وعدد كبير من الأسرى، كما لاحقت القوات المنتصرة فلول الأعداء الفارين ومزقتهم شر ممزق، ثم احتلت القوات المصرية (تَرَبة) ومنها إلى (رنيه) و(بيشه) ثم إلى (قنفذه) وكان طوسون باشا قد حاصر (الرس) إلا أن الأمر انتهى إلى إعلان الهدنة بين الطرفين، وعودة محمد على بشكل مفاجئ إلى مصر بعد أن وصلته أنباء عن مؤامرة كبرى تحاك ضده يتزعمها شخص يدعى لطيف باشا ، وقد كان الخطب بحق جد خطير.