اتفاق لوقف إطلاق النار فرض نفسه على الساحة السورية، قرار اتخذه أكبر دولتين معنيتين بالأزمة السورية روسياوأمريكا، وبعيدًا عن محاولات الجماعات المسلحة لاستغلاله، فإن الاتفاق يحظى بقبول شعبي ودولي كبير. تفاؤل دولي تسود أجواء من التفاؤل الدولى الساحة السياسية في سوريا، خاصة بعد دخول اتفاق الهدنة السورية يومه الثاني، وهو ما يعطي مؤشرًا حول اتجاه الأزمة السورية إلى الحلحلة تدريجيًا، الأمر الذي رحب به وزيرا الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأمريكي جون كيري، وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الوزيرين بحثا في اتصال هاتفي التفاصيل التي تضمن الاحترام التام لوقف النار، وبينها تلك المتصلة بتعميق التنسيق العسكري بين البلدين. من جانبه بعث المبعوث الأممي لسوريا، ستيفان دي ميستورا، برسائل طمأنة إلى الشعب السوري والمجتمع الدولي بعد مرور أول يوم على الهدنة، حيث قال دي ميستورا إن الموقف بعد اليوم الأول مطمئن جدًا، وأضاف أن الليلة الأولى واليوم الأول منحا بكل تأكيد انطباعًا بأن الجميع جاد بشأن التزامهم بالمضي قدمًا في وقف الأعمال القتالية، وأعلن المبعوث الأممي أنه سيدعو إلى جولة مفاوضات سلام جديدة في السابع من مارس في جنيف. خروقات يعلو صوتها هذا التفاؤل الدولي لم يمنع وقوع بعض الخروقات من قبل المجموعات المسلحة الساعية إلى إفشال الهدنة والعودة إلى النقطة صفر، حيث سجل اليوم الأول لاتفاق وقف إطلاق النار خروقُا في عدة مناطق أبرزها دمشق، فقد أطلقت المجموعات المسلحة في حيي جوبر ودوما، عدة قذائف على أحياء سكنية، وذلك بعد ساعات من سريان اتفاق وقف إطلاق النار، واستهدفت القذائف منطقة العباسيين وحي الزبلطاني، الأمر الذي جعل الهدنة واتفاق وقف إطلاق النار على حافة الانهيار في دمشق، وهو ما حاول الجيش السوري تجنبه من خلال دعوة سكان الحيين للضغط على الإرهابيين لتفويت الفرصة عليهم في إفشال الجهود المبذولة لإعادة الأمن والاستقرار إلى هذه المناطق. وفي ريف حلب الشمالي، استهدف المسلحون في بلدة عندان بلدة نبل بصاروخين، فيما هاجم المسلحون أيضًا منطقة تل أبيض عند الحدود السورية التركية، وبلدة سلوك من محورين أساسيين، بهدف فرض السيطرة على البلدتين، مستغلين التزام الوحدات الكردية بوقف إطلاق النار، لكن وحدات حماية الشعب الكردية دحرت هذا الهجوم، وقضت على المهاجمين. وفي ريف حماة الشرقي، فقد نفذ تنظيم داعش 3 تفجيرات، أولها على مدخل مدينة السلمية الشرقي، حيث قام أحد الإرهابيين بتفجير نفسه بسيارة مفخخة، ما تسبب بمصرع مواطنين اثنين وجرح 4 آخرين، فيما استهدف التفجير الثاني مدخل قرية الطيبة في ريف السلمية الشرقي، حيث أقدم انتحاري آخر على تفجير نفسه بدراجة نارية ملغومة، وكانت الحصيلة مصرع 4 مواطنين، وإصابة عدد أخر بجروح، أما التفجير الثالث فقد وقع على طريق سلمية خنيفس، وتسبب في إصابة أشخاص بجروح، وتبنت داعش هذه التفجيرات، بجانب مهاجمتها لعدة مناطق في ريف الرقة الشمالي، وسيطرت على قرى الكنطري وعين عروس وحمام التركمان ونص تل وبئر مروان والطريق الدولي شمال الرقة. الخطة "ب".. هل تندحر؟ خطط بديلة وعمليات برية هدد بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، حتى باتت كابوسا مزعجا للدب الروسي خرج على أثرها عن صمته وطالب نظيره الأمريكي بالكف عن الحديث عن خطط بديلة وعمليات برية ومناطق منزوعة السلاح وتقسيم الدولة السورية. الحديث عن تقسيم سوريا لم يكن جديدا، لكنه كان دائمًا يقتصر في الغرف المغلقة، بينما جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لتؤكد خروجه إلى العلن، حيث قال كيري أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في جلسة بشأن طلب الميزانية السنوية للوزارة، إنه ربما يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استغرق إنهاء القتال فترة أطول، وحذر من أن بلاده تدرس خطة بديلة للتعامل مع الوضع في سوريا في حال فشل وقف إطلاق النار، إلا أنه لم يكشف عن تفاصيل الخطة البديلة. في ذات السياق، أشارت تقارير إلى أن الخطة "ب" التي لوح بها وزير الخارجية الأمريكي قد تشمل إمكانية إرسال قوات خاصة إضافية، إلى جانب إنشاء مناطق حظر جوي في سوريا، كما تقضي الخطة البديلة بتزويد ما تسميهم واشنطن بالمعارضة المعتدلة بالمزيد من الأسلحة، إلى جانب نية الإدارة الأمريكية إشراك دول أخرى على رأسها تركيا والسعودية لتوريد أسلحة ومساعدات أخرى للمعارضة المسلحة. التكرار الأمريكي والتلويح بالخطة "ب" دون الحديث عن تفاصيلها أثار غضب وامتعاض وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وهو ما ظهر في تصريحاته الأخيرة التي قال فيها: لقد قلنا كل شيء في ما يخص الخطة ب، لا توجد ولن تكون أبدًا عند أيّ جهة، فيما اتهمت المتحدثة باسم الخارجية الروسية بعض المسؤولين الأمريكيين بمحاولة تخريب خطّة وقف إطلاق النار. تحرك أمريكي مشبوه على الرغم من استمرار الهدنة حتى الآن مع وقوع بعض الخروقات، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية واثقة من انهيارها خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو ما اتضح من خلال التقرير الذي نشرته شبكة سي إن إن، والذي يؤكد أن إدارة الرئيس أوباما تجري سلسلة مشاورات داخلية للنظر في الخيارات العسكرية المتاحة، وتتضمن زيادة في عدد وحدات القوات الخاصة، وإنشاء منطقة حظر للطيران أو منطقة آمنة بمساعدة دول أخرى، وهو ما يتطابق مع ما قالته التقارير السابقة حول تفاصيل الخطة "ب" التي لوح بها كيري. إقرار وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، بوصول 4 مقاتلات تابعة لسلاح الجو السعودي، الجمعة الماضية لقاعدة إنجرليك الجوية بولاية أضنة جنوبتركيا، وتأكيده وصول طواقم عسكرية ومعدات من السعودية والإمارات إلى تركيا، يثير الشكوك حول استغلال أمريكا وحلفائها للهدنة من أجل تجميد مكاسب الحكومة، والتحضير لحرب شعواء تمنع الجيش السوري من استعادة حلب بالكامل، الأمر الذي يغير من المعادلات الميدانية نهائيًا.