أزمة ثقة بين المحكمة الجنائية الدولية والقارة السمراء تهدد بانسحاب الأخيرة من أروقة المحكمة، حيث تتجه القارة الإفريقية للانسحاب من المحكمة وذلك بعد اعتمادها دراسة مقترح الانسحاب الذي طرح في قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت في إثيوبيا 30 يناير الماضي، خاصة وأن المحكمة الجنائية الدولية تعكف حاليا على دراسة أربعة قضايا إفريقية بدول كوت ديفوار، وإفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكينيا تتهم فيها المحكمة قادة هذه الدول بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كوت ديفوار بدأت المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الرئيس الإيفواري السابق، لوران غباغبو والملازم شارل بلي غودي في أواخر يناير الماضي، واللذان يواجهان اتهامات بارتكاب أربعة جرائم ضد الإنسانية، تتمثل في القتل والاغتصاب وممارسات غير إنسانية أو الشروع في القتل، بالإضافة إلى جملة من الانتهاكات التي تم اقترافها، خلال أزمة ما بعد الانتخابات في كوت ديفوار عامي 2010 و2011. وفي اتهام واضح لمحكمة الجنائية بأنه طالها التسييس، يقول أنصار غباغبو، إنه ضحية تواطؤ بين فرنسا والرئيس الحالي لساحل العاج الحسن واتارا الذي فاز في الانتخابات وتولى السلطة بعد تدخل عسكري من فرنسا لإنهاء حرب أهلية استمرت أربعة أشهر، ويتهم معارضو واتارا الذي أعيد انتخابه العام الماضي باستخدام المحكمة الجنائية الدولية لإسكات المعارضة. إفريقيا الوسطى يواجه القائد العسكري ونائب الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، جان بيير بيمبا غومبو، تهما متعلقة بانتهاكات ارتكبتها قواته في إفريقيا الوسطى خلال الفترة الممتدة من عام 2002 إلى عام 2003، واعتقل غومبو عام 2008 من قبل السلطات البلجيكية بعد صدور مذكرة توقيف دولية في حقه، وانطلقت محاكمته 22 نوفمبر عام 2010، ومن المتوقع أن يصدر حكم ضده خلال 21 مارس المقبل. الكونغو الديمقراطية اتهمت المحكمة الجنائية بوسكو نتاغاندا، الزعيم السابق للمتمردين الكونغوليين ب 13 جريمة حرب و5 جرائم ضد الإنسانية، من بينها القتل والنهب وتنفيذ هجمات ضد مدنيين والاغتصاب والاستعباد الجنسي في شمال شرقي البلاد، خلال عامي 2002 و 2003. وانطلقت محاكمته في 2 سبتمبر من العام الماضي، وكان نتاغاندا قد سلم نفسه للمحكمة في مارس 2013، بعد صدور مذكرتي توقيف ضده. كينيا تتواصل محاكمة وليام روتو ساموي روتو، نائب الرئيس الكيني الحالي والصحفي جوشوا سانغ، التي انطلقت في 10 سبتمبر عام 2013، المتهمين اللذان مثلا للمحاكمة، وجهت إليهما اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والمسؤولية الجنائية عن عمليات قتل واضطهاد وترحيل أو نقل قسري للسكان، خلال أعمال عنف عرقية أعقبت الانتخابات التي جرت في كينيا عامي 2007 و2008. الجنائية الدولية والانسحاب الإفريقي أثارت عودة الرئيس السوداني عمر البشير 15 يونيو 2015، إلى الخرطوم قادما من جنوب إفريقيا ضجة واسعة حول فعالية محكمة الجنايات الدولية، وذلك أن رجوعه للخرطوم جاء عقب إصدار محكمة في جوهانسبرغ قرارا بمنع مغادرته البلاد، لحين النظر في طلب تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، فجنوب إفريقيا دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، ويفرض عليها ميثاق المحكمة التعاون وتنفيذ مذكرات الإيقاف، وهو الأمر الذي لم تلتزم به حكومة جوهانسبرغ. وعلى الرغم من أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، جيمس ستيوارت، عبر عن خيبة أمله من تمكن البشير من الفرار، لكنه في الوقت نفسه حاول الدفاع عن هيبة المحكمة، حيث أكد على أنه لا يرى ما حدث انتكاسة للمحكمة، بل على العكس فقد برهنت مذكرات الإيقاف الصادرة عن محكمة الجنايات على أنها تعني شيئا، بدليل أن محكمة جنوب إفريقيا تبنت هذا الاتجاه وأصدرت أمرا عقب مغادرة الرئيس السوداني لجنوب إفريقيا بإلقاء القبض عليه. ويرى مراقبون أن حادثة جنوب إفريقيا هذه أفقدت الكثير من هيبة المحكمة، حيث أن حكومة جنوب إفريقيا فضلت منح الحصانة للوفود المشاركة في القمة الإفريقية وعدم ظهورها بمظهر من أوقع بشريك إفريقي. 32 قضية تخص إفريقيا بالجنائية منذ تأسيس المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 بموجب ميثاق روما، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء، والتي اتخذت من هولاندا مقراً لها، كان شغلها الشاغل يدور حول القارة الإفريقية دون سواها، فكل القضايا التي نظرت فيها هذه المحكمة منذ تأسيسها حتى الآن، والبالغ عددها 23 قضية، جميعها متعلقة بالقارة الإفريقية، وذلك وفقاً لموقع المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي دفع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا والذي كان مطلوباً من قبل المحكمة الجنائية الدولية، إلى تقديم مقترح بانسحاب جماعي إفريقي من المحكمة الجنائية الدولية، في القمة الإفريقية 26 الأخيرة بأديس أبابا، حيث اتهمت الدول الأفريقية المحكمة الجنائية الدولية ب"ازدواجية المعايير"، وحظي اقتراحه بترحيب واسع من زعماء الدول الإفريقية.