"إذا تم إثبات شراء تركيا النفط من داعش، فإنني لن أبقى على كرسي الحكم"، بهذه العبارة الأردوغانية ورط الرئيس التركي نفسه، حيث أظهر تحديا واضحا لروسيا، وهو ما دفعها إلى محاولة إثبات كلامها، وكأنها تقول ل"أردوغان"، "إذا كان إثبات روسيا تورط تركيا في تهريب النفط الداعشي سيدفعك إلى الاستقاله من منصبك، فلقد سهلت المهمة علينا"، فأخذت الأخيرة على عاتقها مسئولية إقالة "أردوغان" إن استطاع تنفيذ وعده بالفعل. أوكل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مهمة إقالة "أردوغان" إلى وزارة الدفاع الروسية، فبدأت الأخيرة تكريس جهودها لإثبات تورط تركيا بل والرئيس التركي شخصيًا وبعضًا من أفراد أسرته في تهريب نفط "داعش" والاستفاده منه، فانطلقت التقارير والصور والفيديوهات لأول مرة التي ترصد تحركات على الحدود السورية التركية لمسلحين يدخلون ويخرجون عبر هذه الحدود تحت أعين الجيش والمخابرات والرئيس التركي، وهو ما يؤكد شكلًا من أشكال التورط التركي مع الجماعات المسلحة في سوريا، أو في أحسن الأحوال التواطؤ معها. https://www.youtube.com/watch?v=BzlH0beifvs نشرت وزارة الدفاع الروسية شريط فيديو يظهر صورًا فضائية تثبت تهريب النفط بكميات هائلة من مناطق سيطرة "داعش" في سوريا إلى تركيا، مقابل توريدات الأسلحة والذخيرة، حيث أظهرت الصور عبور شاحنات نفط تابعة لتنظيم "داعش" من الحدود السورية متجهة إلى تركيا، وأوضحت الوزارة أن عائدات داعش من التجارة غير الشرعية بالنفط كانت تبلغ 3 ملايين دولار يوميًا قبل بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا منذ شهرين، لكنها تراجعت في الآونة الأخيرة إلى مليون ونصف المليون دولار. https://www.youtube.com/watch?v=XgZY1B7nsZg قال نائب وزير الدفاع الروسي "أناتولي أنطونوف"، في مؤتمر حضره أكثر من 90 دبلوماسيًا عسكريًا أجنبيًا من 56 دولة، وما يربو عن 300 صحفي، إن "العائدات من الاتجار بالنفط تعتبر من أهم مصادر تمويل أنشطة الإرهابيين في سوريا، وتبلغ عائداتهم قرابة ملياري دولار سنويًا، إذ يتم إنفاق هذه الأموال على تجنيد المرتزقة في أنحاء العالم كافة، وتسليحهم وتزويدهم بالمعدات، وهذا هو السبب وراء حرص تنظيم "داعش" الإرهابي على حماية البنية التحتية للإنتاج النفطي اللصوصي في سورياوالعراق"، وكشف "أنطونوف" أنه بالرغم من فعالية الغارات الروسية على منشآت إنتاج النفط التابعة للإرهابيين، إلا أنهم مازالوا يحصلون على مبالغ مالية كبيرة، بالإضافة إلى الأسلحة والذخيرة ومساعدات مادية أخرى من تركيا، وشدد المسئول العسكري الروسي على أن القيادة التركية العليا والرئيس "رجب طيب أردوغان" متورطون شخصيًا في الاستخراج غير الشرعي للنفط السوري والعراقي وتهريبه إلى أراضي تركيا. وتابع نائب وزير الدفاع الروسي، "إن التدفقات المالية الناتجة عن الاتجار بالمشتقات النفطية موجهة ليس إلى زيادة ثروة القيادة السياسية والعسكرية في تركيا فحسب، بل يعود جزء كبير من تلك الأموال بشكل أسلحة وذخيرة ومرتزقة جدد من مختلف الألوان"، مشيرًا إلى أن نجل "أردوغان" ويدعى "بلال" يترأس إحدى أكبر شركات الطاقة في البلاد، فيما تم تعيين صهره مؤخرًا في منصب وزير الطاقة. ذهب نائب وزير الدفاع الروسي إلى ما هو أكثر من ذلك، حينما دعا القيادة التركية إلى السماح بتفتيش المناطق التركية التي تشير بيانات وزارة الدفاع الروسية إلى وجود عقد لتهريب النفط الداعشي فيها، متحديًا أن تسمح أنقرة بذلك، ومؤكدًا على أنها ستخرج قريبًا لتؤكد أن المواد المصورة التي عرضتها وزارة الدفاع الروسية "مفبركة". قال "أناتولي أنطونوف" إن الجيش الروسي كشف عن جزء فقط من المعلومات التي بحوزته حول جرائم مروعة ترتكبها النخب التركية التي تمول الإرهاب الدولي بصورة مباشرة، وأضاف أن الوزارة ستعقد الأسبوع القادم مؤتمرًا صحفيًا جديدًا ستقدم خلاله معلومات عن الأسلحة والمواد المتفجرة التي يجري إرسالها من تركيا إلى سوريا وعن تدريب الإرهابيين في الأراضي التركية. بدوره ذكر رئيس مديرية العمليات العامة التابعة لهيئة الأركان الروسية "سيرغي رودسكوي"، أن وزارة الدفاع حللت الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية الروسية وكشفت عن 3 مسارات رئيسية لتهريب النفط من سورياوالعراق إلى تركيا، حيث قال إن المسار الغربي يؤدي إلى الموانئ التركية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وأوضح "رودسكوي" أن النفط الذي يجري استخراجه من حقول بمحيط الرقة السورية، ينقل ليلا بصهاريج إلى شمال غرب سوريا، ومن ثم إلى بلدة إعزاز السورية ومنها إلى الريحانية التركية، ليتم توريد النفط لاحقًا إلى ميناءي ديورتيول واسكندورنة، حيث يتم شحن جزء من النفط على متن سفن وإرساله إلى الخارج للتكرير، أما كميات النفط المتبقية، فيجري تسويقها في السوق التركية الداخلية. أما المسار الشمالي فنقطة الوصول النهائية عليه هي مصفاة "باتمان" في تركيا، وعبر هذا المسار يتم تهريب النفط المستخرج في الحقول الواقعة على الضفة اليمنى للفرات، أما المسار فيؤدي إلى مدينة جزيرة بن عمر التركية، حيث تنطلق الشاحنات من الحقول النفطية في شمال شرق سوريا في ريف الحسكة قره جوخ، وشمال غربي العراق في محيط زاخو. https://www.youtube.com/watch?v=N4Fy7XaIrEI وعرض الجنرال الروسي صورًا ملتقطة يوم 14 نوفمبر تظهر وجود ما يربو على 1.1 ألف شاحنة في محيط زاخو العراقية، فيما تبرز صورة أخرى التقطت يوم 28 نوفمبر في قره جوخ 50 شاحنة في محيط معمل تكرير نفط، فضلًا عن صور تظهر قافلات من شاحنات الوقود في الميناءين في انتظار شحن محتوياتها على السفن، بالإضافة إلى شريط فيديو يظهر تحرك الشاحنات بصورة غير مقيدة عبر الحدود السورية-التركية في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم "جبهة النصرة" في ريف حلب، وأشار إلى أن هذه الشاحنات تعبر الحدود بالمئات على الرغم من العمليات القتالية الدائرة في المنطقة، وتظهر اللقطات أنه لا يجري تفتيش تلك الشحنات في الجانب التركي من الحدود. المعلمات التي عرضتها روسيا لم تكن مفاجأة للولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، لكن هذا لا يمنع ضرورة تظاهر تركيا وحليفتها الأمريكية الداعمة لها بالتفاجؤ بهذه المعلومات والإصرار على إنكارها حتى دون دليل، فعقب نشر وزارة الدفاع الروسية هذه المعلومات انتفضت وزارة الدفاع الأمريكية دفاعًا عن حليفتها التركية، فسارعت إلى إعلان رفض الاتهامات الموجهة للقيادة التركية حول علاقتها بهذه التجارة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية "أليسا سميث"، "نرفض الفرضية التي تقول أن القيادة التركية متواطئة مع داعش في تهريب النفط، نحن لم نشاهد أي إثباتات تدعم هذه الاتهامات"، وأضافت "نضيف إلى ذلك أن تركيا تتخذ تدابير لتعزيز أمن حدودها مع سوريا جنبًا إلى جنب مع الشركاء الدوليين، هدفنا هنا هو وقف تهريب داعش للنفط"، وقالت "نحن ننظر إلى حليفنا في الناتو تركيا كشريك رئيسي في تحالف الحرب ضد داعش، وكما هي الحال مع جميع شركائنا الآخرين". سريعًا ما عادت أمريكا إلى صوابها بعد أن راجعت حساباتها، فيبدو أن الإدارة الأمريكية قررت أن تسحب بعضًا من هجومها على روسيا، فهي لا تريد أن تكون طرفا في النزاع الروسي التركي المشتعل منذ إسقاط الأخيرة للمقاتلة الروسية على الحدود، كما أنها تعرف جيدًا أن روسيا هي الحليف الأقوى الذي لا يمكن خسارته أو مواجهته حاليًا، وفي الوقت نفسه فإن تركيا أيضًا تعتبر بوابة عبور المصالح الأمريكية ويد أمريكا في سوريا، فمن هنا جاء التخبط الأمريكي لينتهي بها إلى قرار بتهدئه الأوضاع بعد تصريحات البنتاجون، وهو ما ظهر جليًا في تصريحات البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، حيث أكد المتحدث باسم البيت الأبيض "جوش إرنست"، أن هناك ثغرات وصفها ب"المحدودة" على الحدود السورية التركية غير مؤمنة كما يجب، فيما اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية أن النفط الذي يستخرجه داعش من سوريا يعبر الحدود التركية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية "مارك تونر"، إن "توزيع النفط الذي يستخرجه داعش خلال هذه الحدود حاصل بالفعل، ولهذا نطلب من تركيا إغلاق حدودها".