ازدهار العلاقات بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي لم يعد يكتنفه السرية والغموض، بل تجاوز طوّر العلانية إلى طوّر العلاقات الرسمية؛ البداية في هذه المرحلة الجديدة أتت من دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية أمس عن افتتاح مكتب تمثيلي لها في أبو ظبي حيث مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا"، فيما كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بالأمس أيضاً أن الخارجية الإسرائيلية تنسق مع أبو ظبي من أجل افتتاح ممثلية دبلوماسية رسمية في الإمارات، ويشرف على هذا التنسيق من الجانب الإسرائيلي مدير عام وزارة الخارجية، دوري جولد، المعروف عنه تولي ملف توثيق وتطوير العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية وقطروالإمارات. ويمثل الإجرائيين الأخيرين خطوة منطقية ومتوقعة في ظل الانفتاح المتبادل بين إسرائيل ودول الخليج، الذي يرجع مثلاً في الحالة السعودية-الإسرائيلية، إلى عِقد الستينيات، حيث تعاون سري متبادل بين تل أبيب والرياض ضد مصر في حرب اليمن الأولى، إبان عهد الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر، وهو الأمر الذي كُشف عنه مؤخراً بشكل رسمي من الجانب الإسرائيلي. ليشكل هذا نقطة بداية العلاقات الخليجية-الإسرائيلية بعد 1948، لتبقى في إطار شبه سري حتى منتصف التسعينيات، والانتقال إلى مرحلة العلاقات التجارية المباشرة والغير مباشرة، التي شملت افتتاح مكاتب تجارية في كل من قطر وعُمان، تمهيداً للتجاذب السياسي الذي كُلل بالمبادرة السعودية للسلام، التي سُميت فيما بعد بالمبادرة العربية، والتي طرحتها الجامعة العربية عام 2005، وجوهرها تطبيع شامل للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل إذا تراجعت الأخيرة إلى حدود ما قبل 5 يونيو 1967، وهذا يعني تصفية القضية الفلسطينية، وقبول إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة، إلا أن هذه المبادرة قوبلت بالتجاهل من جانب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وإن ظلت جسراً للتواصل واستمرار العلاقات بين دول مثل السعودية وقطروالإمارات، سواء فيما يخص التمثيل التجاري، أو العلاقات التي تبنى تحت بند "المبادرات الفردية" التي تولاها الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، الذي نقل العلاقات الخليجية-الإسرائيلية، إلى مرحلة جديدة من العلانية والترويج لاعتيادها، فشهدت السنوات الخمس الأخيرة لقاءات ومؤتمرات عديدة بين الفيصل وبين مسئولين إسرائيليين، حتى العام الماضي، الذي شهد تطوراً جديداً جعل تطوير العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل حاجة استراتيجية للطرفين، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني أو السياسي أو حتى العسكري، بعزم دول خليجية شراء منظومة "القبة الحديدية". هذه الحاجة والضرورة الاستراتيجية جمعت دول الخليج على سياسة واحدة جوهرها الانفتاح على إسرائيل وتطوير العلاقات معها، وإن تفاوتت بالطبع من دولة خليجية لأخرى، في مدى تطوير العلاقات، ورهنها بالظرف السياسي في المنطقة، وكذلك مدى قبول شعوب هذه الدول؛ وبالنسبة لهذا الأمر، فإن السنوات القليلة الماضية شهدت عملية تمهيد وترويج لمنافع التطبيع مع إسرائيل على مستويات شعبية، في دول: السعودية والإماراتوالكويت، وصلت حتى إلى استطلاعات رأي أتت مؤشراتها إيجابية وعلى مستويات شعبية، لدحض أن سياسات حكومات هذه الدول لا تعكس الموقف الشعبي، هذا بالإضافة إلى كون علانية العلاقات سواء التجارية أو الإعلامية أو السياسية وأخيراً الرسمية الدبلوماسية، أصبحت في حكم المعتاد والمقبول لمعظم هذه الدول وتسوّق على مستويات شعبية بدعائيات متنوعة تجعلها مقبولة على هذه المستويات، أو كدوافع حقيقية وتقاطع مصالح بين هذه الدول وبين إسرائيل، كالموقف شبه الموحد للرياض وتل أبيب من طهران، وقيادة السعودية لقاطرة خليجية تعزز من هذا الاتجاه الذي تجلى في دعوة سفراء دول الخليج لحضور خطاب نتنياهو الشهير في الكونجرس عشية الاتفاق النووي الإيراني، وتشديد الأخير على وحدة مصير دولته ودول الخليج ورؤيتهم الواحدة تجاه إيران. وعلى الرغم من حظر الإمارات دخول أراضيها لمن يحمل جواز سفر إسرائيلي، إلا أن زيارات من مسئولين إسرائيليين تمت تحت غطاء "إيرينا"، التي رأى البعض أن اختصاص مقرها في أبو ظبي أتى كفرصة للتواصل بين إسرائيل والإمارات، حتى يتثنى للأولى أن يكون لها تواجد علني ورسمي في الثانية دون الحاجة إلى مزيد من السرية التي لم تعد مناسبة للطرفين، خاصة وأن كون إسرائيل عضو في "إيرينا" فأن ذلك يمنحها تمثيل في الوكالة في مقرها بأبو ظبي، التي أيدت تل أبيب أن تكون مقر للوكالة عوضاً عن ألمانيا قبل ستة أعوام، لتبدأ في 2010 كسر الحظر الإماراتي الرسمي والمعلن، بزيارة وزير البنية التحتية آنذاك عوزي لانداو لأبوظبي للمشاركة في المؤتمر الدوري للوكالة، ليسجل أول زيارة رسمية لمسئول إسرائيلي للإمارات، أعقبها بأسابيع حادثة اغتيال القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح في أبو ظبي على يد الموساد الإسرائيلي. وتشير صحيفة "هآرتس" أن دوري جولد، زار أبو ظبي ومكث فيها ثلاثة أيام، تحت غطاء المشاركة في اجتماع ل"إيرينا"، وأن الهدف الحقيقي للزيارة هو مناقشة وترتيب فتح ممثلية دبلوماسية رسمية لإسرائيل في الإمارات، ونقلت الصحيفة عن مسئول إسرائيلي قوله بأنه تم تعين دبلوماسي إسرائيلي يدعى رامي حتِّان كرئيس للممثلية الدبلوماسية في الإمارات، وأن سيتوجه قريباً إلى هناك لافتتاح مقار الممثلية رسمياً. التواتر السريع للإمارات في توثيق علاقاتها بإسرائيل قد يكون بديهياً لدى بعض المحللين المختصين بالشئون الخليجية، مثل سايمون هندرسون، كبير الباحثين بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي يرى أنه بجانب حادثة اغتيال المبحوح ودلالاتها وتأثيراتها فإنه "يبدو أن أوثق العلاقات الإسرائيلية في منطقة الخليج هي مع دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم المشاكل في تنافس الإسرائيليين في الأحداث الرياضية، استضافت دولة الإمارات في عام 2013 مؤتمراً للطاقة المتجددة كانت إسرائيل ممثلة فيه. وعلى الرغم من كلمات مايكل أورين، فإن الكويت هي الدولة الخليجية ذات أكبر عداء ظاهر وعلني لإسرائيل وكانت قد قاطعت المؤتمر نفسه في أبو ظبي بسبب تمثيل إسرائيل. وقيل لي في هذا السياق إن وجهة نظر الكويت مختلفة خلال الاتصالات السرية. ففي مكان ما في «مجلس التعاون الخليجي» توجد بعثة دبلوماسية إسرائيلية مقرها الكويت، تم الكشف عن وجودها في نسخة منقحة بلا مبالاة من الموازنة العامة الإسرائيلية في عام 2013، التي أشارت إلى أنه بين العامين 2010 و 2012، تم افتتاح 11 مكتباً تمثيلياً جديداً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مكتب في منطقة الخليج. يُذكر أن الرابط إلى الصفحة المهينة من الوثيقة، والتي نشرت في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، تُظهر الآن رسالة خطأ في اللغة الإنجليزية والعبرية من وزارة الخارجية". وعلى كون هذه الخطوة الأخيرة لا تشذ عن السياق التاريخي الراهن الذي تجنح إليه دول الخليج وعلاقاتها بإسرائيل، فإن مسألة التمثيل الرسمي الدبلوماسي لتل أبيب في أبو ظبي تدشن مرحلة جديدة ملامحها الأساسية القبول بأمر واقع مفاده علاقات إسرائيلية-خليجية معلنة ورسمية، وما يترتب عليها من استحقاقات متبادلة تجعل الثقل السياسي الذي تمثله دول مجلس التعاون في المرحلة الراهنة مرتبط ببوصلة المصالح الإسرائيلية. موضوعات متعلقة: