أسقطت تركيا المقاتلة الروسية "سوخوي" فحبس العالم أنفاسه بانتظار الرد الروسي، وانتشرت تكهنات حول رد موسكو العسكري المباشر على الخطوة التركية المتهورة والغير محسوب تداعياتها لينتهي الأمر ب"حرب عالمية ثالثة"، فيما ذهب آخرون للقول بأن روسيا أذكى من هذه الخطوة العسكرية ولا تريدها الآن، فالدب الروسي سوف يتأهب ويتحضر جيدًا وبداخله نية القصاص وتصفية الحسابات مع السلطان التركي، حتى تأتي الفرصة المناسبة لينقض على فريسته معلنًا انتهاء دوره في الميدان السوري وربما في القضايا الإقليمية كافة. بدايةً اتخذت موسكو قرارات عسكرية عدة تهدف إلى تضييق الخناق على الحركة التركية في الميدان السوري، حيث حشدت سفنها البحرية وأرسلت الطراد الروسي "مسكفا" قرب اللاذقية، وقال وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويغو" إن الطراد مستعد لتدمير أي هدف يمثل خطورة، وقامت بنشر صواريخ "أس- 400″ الأكثر تطورًا وحداثة في تاريخ الدفاع الجوي السوفياتي، في قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية بسوريا، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن منظومة "إس-400″ دخلت حيز المناوبة العسكرية هناك، كما قررت وزارة الدفاع الروسية إرسال نحو 12 مقاتلة إضافية من طرازي "سو 27″ و"سو 30″ إلى قاعدة "حميميم" في سوريا، وبحسب الأركان فإن مهمة هذه الطائرات تأمين مرافقة جوية للقاذفات "سو 24″ و"سو أربعة 30″. سريعًا بدأت المقاتلات الروسية في عملها فوق الحدود السورية التركية، حيث قصفت المقاتلات الروسية شحنة أسلحة قادمة من تركيا إلى منطقة أعزاز عبر معبر باب السلامة الحدودي، ووفق مصادر إعلامية كردية فإن الشحنة كانت متوجهة إلى مسلحي "النصرة" و"أحرار الشام" في ريف حلب الشمالي. وعلى صعيد متصل؛ قال الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء "إيغور كوناشينكوف"، إن القاذفات الروسية والمدفعية الصاروخية للقوات الحكومية السورية قصفت في منطقة إنقاذ ملاح القاذفة الروسية "سو-24″، بشكل كثيف خلال زمن طويل، وأكد القضاء على المجموعات الإرهابية العاملة في هذه المنطقة، وأشار "كوناشينكوف" إلى أن القوات الحكومية السورية مدعومة بسلاح الجو الروسي، الذي شن ضربات مكثفة على مواقع المجموعات المسلحة، تمكنت من بسط السيطرة الشاملة على المناطق الجبلية شمالي محافظة اللاذقية، الأمر الذي أدى إلى قطع جميع الإمدادات العابرة للحدود والتي قد استخدمت من أجل توريد الأسلحة والذخائر والأنواع الأخرى من المساعدات المادية للإرهابيين في هذه المحافظة. وأضاف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، أن الطائرات الحربية التابعة للقوات الجوية الفضائية الروسية نفذت في الفترة الممتدة من 23 إلى 26 نوفمبر 134 طلعة عسكرية وشنت 449 ضربة على مواقع مسلحي كل من "داعش" و"جبهة النصرة" في محافظات حلب ودمشق وإدلب ولاذقية وحماة وحمص والرقة ودير الزور، وأشار اللواء الروسي إلى أن القوات الروسية تسيطر على جميع الإمدادات الأساسية الواقعة في المناطق الشمالية السورية والخاصة بإيصال الأسلحة والذخائر لمسلحي تنظيم داعش الإرهابي. يحاول الرئيس التركي تلطيف الأجواء المشحونة مع نظيره الروسي، حيث قال الرئيس "رجب طيب أردوغان" إنه لو علمت أنقرة أن الطائرة الحربية التي تم إسقاطها من قبل سلاح الجو التركي كانت روسية لَعرقلت انتهاكها المجال الجوي التركي بطريقة أخرى، كما أشار الرئيس التركي إلى محاولاته الحديث مع الرئيس الروسي لكن الأخير رافض نهائيًا التجاوب مع دعواته، حيث قال "أردوغان" إنه عرض على الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" عقد لقاء معه في باريس على هامش قمة المناخ في ال30 من الشهر الجاري، لكن الجانب الروسي لم يعط موافقته حتى الآن، كما أضاف "أردوغان" أنه حاول مرارًا الاتصال بالرئيس الروسي عقب حادث إسقاط القاذفة الروسية في سوريا، إلا أن "بوتين لم يجب". لم يستطيع الجانب التركي إخفاء خوفه وارتباكه من قرارات الدب الروسي العسكرية، فهذه القرارت تعتبر رسالة واضحة ومباشرة تم توجيهها إلى تركيا وتفهمتها الأخيرة واستوعبتها جيدًا، فحشد الدب الروسي لأسلحته وسفنه الحربية بالقرب من الحدود التركية أمر يؤشر إلى نقل روسيا ميدان المعركة إلى عمق الحدود السورية التركية، وإعادة ترتيب ساحة الاشتباك فوق الأراضي السورية، وهو ما يكسر المعادلة التي حاول الأتراك فرضها من خلال رسم خطوط حمر على حدودهم. في ظل تزايد القلق الذي يسود الأجواء الإقليمية ومع تواصل نبرة التصعيد، أفادت صحيفة "حرييت" التركية نقلا عن مصادر دبلوماسية، أن سلاح الجو التركي علق تحليقاته في أجواء سوريا في إطار عملية التحالف الدولي المضاد لتنظيم "داعش"، يأتي هذا بعد القرار الروسي بقطع العلاقات العسكرية والتنسيق الأمني والعسكري مع الجانب التركي، وهو ما دفع الأخير إلى اتخاذ هذا القرار الذي يؤشر إلى خوف تركيا وإبدائها أقصى حذر ممكن خاصة في ظل عدم قدرتها على امتصاص الغضب الروسي وتخفيف حدة التوتر.