فوز الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس بجائزة نوبل للسلام للعام الجاري، نظرا لتكريس منهج الحوار والحلول التوافقية الذي تبنته تونس لإنجاح مسارها الديمقراطي، لا يعكس بضرورة حقيقة الحال في الداخل السياسي، فالأزمة التي تعصف بحزب حركة «نداء تونس» الذي يقود الائتلاف الحاكم خير دليل على ذلك، فترجيحات كبيرة بإمكانية تفكك الحركة وانقسامها شطرين، وتنبؤات بانقسام الكتلة البرلمانية على خلفية أعمال عنف اندلعت بين مجموعة تابعة للأمين العام محسن مرزوق ومجموعة ثانية محسوبة على نائبه حافظ قائد السبسي، إثر منع بعض منتسبي التنسيقيات الجهوية، والمحلية للحزب المحسوبين على تيار السبسي من حضور الاجتماع. وفي مسعى لإيجاد حلول للأزمة، عقد الرئيس الباجي السبسي لقاء مع الكتلة البرلمانية مساء الاثنين الماضي، غير أن النواب ممن قرروا الانحياز لشق الأمانة العامة في مواجهة شق الحركة التصحيحية التي يتزعمها نجل الرئيس التونسي، رفضوا الحضور، ونشر 34 نائباً رسالة عبّروا فيها عن رفضهم لقاء السبسي. ومع تزايد المخاوف من تنفيذ مخطط التوريث في تونس، دافع الرئيس السبسي عن نفسه بعد توجيه اتهامات مباشرة له من داخل حزب نداء تونس بمحاولة توريث ابنه حافظ القائد السبسي للحزب، معتبراً أنه ضدّ هذا الأمر، وأنه لا يعترف بمنطق التوريث. يتهم الجناح الداعم للأمين العام لحزب نداء تونس محسن مرزوق، نجل الرئيس التونسي حافظ قائد السبسي والذي يقود حاليا جناح الحركة التصحيحية القريب من حزب حركة النهضة، بمحاولة التقرب من قوى الإسلام السياسي على الصعيدين الداخلي والإقليمي لضمان تقاسم السلطة لاحقا مع «النهضة»، اعتمادا على علاقة التحالف التي تربط حاليا بين والده السبسي وزعيم النهضة راشد الغنوشي، الأمر الذي يرفضه مؤيدي المرزوق ويعتبرون أن الصراع ليس صراعاً شخصياً وإنما هو صراع حول هوية الحزب. بالرغم من تصريح السبسي من أنّ الرئاسة غير معنية بمشاكل الأحزاب، رافضاً إقحام مؤسسة الرئاسة في أزمة نداء تونس، غير أن كثيرًا من المحللين يعتبرون أن هذا الأمر صعب بسبب وجود نجله ومدير ديوانه رضا بلحاج واتهامهم بالوقوف وراء أعمال العنف وتعطيل اجتماع المكتب التنفيذي، لاسيما وأن عدم قدرة الرئيس التونسي من الوقوف على الحياد دفع عبد المجيد الصحراوي القيادي في «نداء تونس» وأحد رموز جناح الأمانة بالإضافة ل 34 نائبا لمقاطعة اجتماع الرئيس السبسي مطالبينه بأن يكون محايدا. يبدو أن الرئيس التونسي الذي نجح في جمع الدستوريين في حزب علماني هو النداء وخاض به الانتخابات التشريعية والرئاسية وفاز فيهما، يجد نفسه اليوم بين نارين فإما أن يضحي بابنه نائب رئيس الحزب أو بأمينه العام مرزوق وهو أيضا من المقربين منه. أعلن القيادي في حزب نداء تونس محمد الطرودي، أنّ «عدداً من نواب النداء يسعون إلى تشكيل كتلة جديدة مساندة للحكومة لمواجهة الانحراف داخل الحزب»، مردفاً: «لن نكون شهود زور داخل الحزب وسنعدل المسار، وإذا لم نستطع فسنستقيل ونؤسس حزبا آخر لحماية البرنامج الحداثي للبلاد»، وبحسب محللين تونسيين لا تبدو الأزمة الداخلية في النداء عابرة، بل أعمق من مجرد اختلافات في وجهات النظر، ما ينذر بتفكك حزب نداء تونس على ضوء انقسامه إلى شقين، الأول مؤيد لابن السبسي، والثاني مؤيد لمحسن مرزوق أمين الحزب.