تجلس على جانب من الطريق المؤدى إلى قرية منية سمنود، وسط الأوانى الفخارية، لا تفارق الابتسامة وجهها البشوش، رغم سقوط المطر الذى تسبب فى خسارة كبيرة لبضاعتها، فلا تملك إلا أن تقول "الحمد الله". إنها المرأة المصرية الأصيلة التى تعاون زوجها على مواجهة صعوبات الحياة، عملا بالمثل المصرى القائل "أيد لوحدها متصقفش"، إنها "أم هشام "التى تتحمل درجة الحرارة العالية فى فصل الصيف، وزخات الأمطار فى الشتاء، فلا يشغل بالها سوي بيع كل المنتجات الفخارية التي يصنعها زوجها ويساعده ابنيهما. خلف "أم هشام" بأمتار، حيث غرفة كبيرة مصنوعة من الطوب اللبن ومغطى سقفها بقطع من الأخشاب وكمية من "القش"، يجلس رجل خمسينى على مقعد خشبى وبجواره "راديو" صغير على تردد إذاعة الشرق الأوسط، وأمامه كمية من الطين وإناء به مياه، يشكل بها الأوانى الفخارية المختلفة. وبنفس بشاشة ورضا زوجته، قال عم محمد الدجلة، إنه يعمل فى صناعة الفواخير منذ نعومة أظافره فى العاشرة من عمره، بجوار والده الذى توارث مهنة جده وورثها لابنه، خوفا على المهنة من الاندثار، حامدا ربه فى كل صلاة على توفير قوت يومه من المهنة البدائية. وعن مراحل صناعة الأوانى الفخارية، أضاف "الدجلة"، أنه يشترى من بعض المقاولين المادة الخام وهى الطمية "الطين"، التى تأتى من باطن الأرض وتنتج من حفر المنازل التى سيبدأ المقاول فى تشيدها، يجلبها لهم المقاول بمبلغ 500 جنيه، وبالطبع لا تكون الطمية نظيفة وخالية من الشوائب، لكنها تحتوى على قطع حجارة وأشياء أخرى، ويخلطوها بالماء الغزير، ثم وضعها فى الماكينه التى تقوم بتدويره وينزل الطين النقى من خلال مصفاه كبيرة الحجم، ويظل بالمكان المخصص له أسفل المصفاه لمدة شهر حتى يجف ويصلح لصناعته وتشكيله، ثم بعد تشكيل ما يقرب من 500 قطعة يجففها تحت أشعة الشمس، ثم وضعها فى الفرن تحت درجة حرارة معينة وإبعادها عن الهواء حتى تكون فى صورتها النهائية ثم تلوينها بالطينة البيضاء المستخرجة من الصحراء. وعن المنتجات التي يشكلها بأصابعة، قال عم محمد: "أصنع القلل والفازات وأوانى أكل الطيور والأوانى المخصصة لوضع الزرع بها، أما الطواجن الفخارية التى تستخدم فى الطهى لا أقوم بتصنيعها؛ لأننى لا أملك إمكانيتها، لأنها تصنع فى مصانع كبيرة مجهزة بطلائها بمادة الجلييز، وأيضا لا أقوم بتصنيع بلاص المش أو العسل؛ لأن المتخصصين فيهم الصعايدة فقط، لأن المهنة لها متخصصين فى محافظات مختلفة متفرقة فى أنحاء الجمهورية". وعن المضايقات والمخاطر التى تواجههم، أضاف: "الحمد الله مهنتنا لا يوجد بها مخاطر، فالطين طاهر ونحن نشتغل بالطين والماء فقط، لكن نتعرض لبعض المضايقات من الزبائن الذين يرهقون زوجتى فى الفصال خلال عملية البيع والشراء، فيتم بخس البضاعة ثمنها، رغم أن ثمن القطعة جنيهان فقط، لكنه طبع الشعب المصرى، لافتا إلى كثرة الهالك من المصنوعات، فأحيانا عندما تخرج الأواى من الفرن تكون مكسرة نتيجة دخول هواء مثلا أو اضطراب بدرجة حرارة الفرن". وعن تطوير المهنة وحمايتها من الاندثار، أكد عم محمد أن المسئولين لا يعرفون عنها شيئا ولذلك لا تتطور، سواء تصنيعا أو تسويقا، على غرار العديد من الدول العربية والتى فاقتنا فى المهنة؛ نظرا لتربتها الجيدة والآلات والأفران الحديثة، ومنها تونس والجزائر والمغرب ولييا والسودان، بجانب دعم تلك الحكومات للصناعة من خلال إقامة معارض عالمية تغزو بها جميع الأسواق. واختتم: "منذ أكثر من 40 عاما لم يتحدث وزير عن الصناعات اليدوية مثل الفخار وصناعة سعف النخيل والسجاد اليدوى، فجميعها صناعات كادت على الانقراض، ولا أحد يعلم عنا شيء.. كما لم يبحث وزير عنا صحيا أو اجتماعيا، لكن نحمد الله على رزقنا اليومى".