ينصبُّ التركيز العام لقطاع نقل البضائع في القطاع البحري فقط، أما القطاع النهري فيستخدم منذ زمن بعيد في الرحلات النهرية والتنقلات فقط، رغم أنه أرخص أنواع النقل على الإطلاق. لذا يجرى ميناء دمياط بالتعاون مع هيئة النقل النهري، الثلاثاء القادم، تجربة عملية للنقل النهري، تبدأ بتحرك "بارج" أو صندل من ميناء دمياط مرورًا بهويس زفتى، ثم نهر النيل؛ لدراسة أي معوقات أو مشكلات على الطبيعة، والعمل على حلها بطريقة جذرية وفورية. وقال اللواء أيمن صالح، رئيس ميناء دمياط، إنه عقد اجتماعًا بمقر الهيئة العامة للنقل النهري بالميناء؛ لتذليل المشكلات التي تعوق تفعيل النقل النهري على مستوى الجمهورية. وأكد صالح أن هذا الاجتماع يأتي تنفيذاً لتوصيات وزير النقل عند زيارته لميناء دمياط الأسبوع الماضي بضرورة التركيز على تشغيل منظومة النقل النهري بأقصى طاقة ممكنة؛ بغرض رفع نسبة المنقولات عن طريق نهر النيل من 0.4% إلى ما يقارب 10% من حجم البضاعة المنقولة في مصر؛ وذلك بغرض تقليل الضغط على النقل البري؛ للحفاظ بقدر الإمكان على منظومة الطرق البرية، وأيضًا تقليل تكلفة نقل البضائع، بما يعود بالنفع على سعر المنتج النهائي، وبالتالي تخفيف التكلفة على كاهل المستهلك؛ باعتبار أن النقل النهري هو أرخص أنواع النقل على الإطلاق. النقل النهري استخدم في نقل البضائع بالعصر البطلمي وتراجع ولعل تلك التجربة كانت تستخدم منذ زمن بعيد؛لأن نهر النيل يجري بطول البلاد، لذا كانت القوارب والسفن أهم وسائل نقل البضائع في مصر منذ الأزمنة القديمة وحتى عهود حكم ولاة المسلمين، وتظهر السفن في النقوش الجدارية منذ حضارة نقادة (حوالي 4000 إلى 3100 قبل الميلاد). واعتبارًا من عصر الدولة القديمة، أصبحت النماذج الخشبية الصغيرة للسفن ضمن الأثاث الجنائزي في الكثير من المقابر. وتمثل هذه النماذج أنواعًا عديدة من المراكب التي قام المصري القديم بتصميمها للأغراض المختلفة. فالقوارب المصنوعة من البردي كانت للاستخدام فى التنزه بمستنقعات الدلتا وفي الأنشطة اليومية، وكانت المراكب الخشبية الضخمة تستخدم لنقل البضائع الثقيلة والاحتفالات الدينية وفي الأغراض العسكرية بنهر النيل. وخلال العصر البطلمي بنى البطالمة قوة نهرية هائلة، وصنعت السفن البطلمية بأساليب متنوعة اشتهرت في عموم العالم الهليني. واستخدمت سفن "الكيركوروس" في الأغراض التجارية والبحرية معًا، بينما كان يطلق على النوع الصغير من السفن البحرية اسم "ليمبوس". وهذه كانت أقرب إلى القوارب، وكانت تستخدم لشن هجوم خاطف. وأهم أنواع السفن التجارية وقتها تلك التي أطلق عليها اسم "كوربيتا"، وكانت تمخر عباب البحر المتوسط خلال القرنين الأول والثاني قبل الميلاد، إلى أن أصبحت السفن من نوع "كايبيا" هي الأكثر شيوعًا واستخدامًا. وبعد ذلك بدأ اكتشاف النقل البحري، ومعه تراجع دور النقل النهري، حتى انعدم استخدامه تمامًا في نقل البضائع. واقترحت تجربة نقل البضائع عن طريق النهر مرة أخرى في عام 1987، في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ؛ بسبب التعاقد مع شركة هولندية رفضت تكملة التجربة للاختلاف في أمور التعاقد. خبراء: استخدام النقل النهري ينهض بالاقتصاد المصري أكد قال الدكتور هاني محمد، الخبير النهري وعضو الأكاديمية الإفريقية لنقل النهري، أن استخدام نهر النيل في نقل البضائع سيساهم في تنشيط حركة نقل البضائع في مصر بنسبة 20% عما هي عليه في الوقت الحالي. وتابع "محمد" أن هذا الأمر سيخفف العبء على النقل البري والسكة الحديد، لاقتًا إلى أن أي مشاكل تصيب قطاع النقل البري أو السكة الحديد يكون لها تأثير مباشر وسلبي علي الاقتصاد الوطني، مشددًا على ضرورة استغلال هذا المرفق الحيوي من خلال أسطول نقل جيد وقادر على خدمة الاقتصاد القومي، سواء الإنتاج الزراعي والصناعي، خاصة وأنه مرفق آمن ومؤمن أيضاً، فلم نسمع مسبقاً عن عمليات سلب أو نهب أو تقطيب على الصنادل البحرية؛ فهي تجري في عمق مجرى النهر بعيدًا عن أيدي الخارجين على القانون، وهو ما يجعلها خدمة مميزة. وهو ما أكدته أيضًا سلوى المهدي، خبير النقل الدولي، حيث إنه سيكون واحدًا من أهم المشروعات التي تنهض بالاقتصاد، مشيرة إلى أن ذلك سينشط السياحة النهرية من جديد، بالإضافة إلى أنه سيخفف الأحمال على شبكة النقل البحري والبري. وأوضحت "المهدي" أن نقل البضائع بالنهر سيكون حلقة وصل جديدة بين كافة قطاعات النقل، لافتة إلى أن "هذا ما طالبنا به على مدار سنوات عديدة"، متمنية أن تنجح التجربة في الانطلاق.