جاءت مصر في المركز 94 من أصل 175 دولة في قياس جهود تلك الدول في مكافحة الفساد، التي تضمنها «مؤشر مدركات الفساد» الذي صدر عن منظمة الشفافية الدولية في أواخر العام الماضي، على الرغم من أن الرأي العام اتجه نحو القضية الأكثر ضجة في الفترة القليلة الماضية وهي "فساد وزارة الزارعة" التي على إثرها تم إقالة وزير الزراعة والقبض عليه، إلَّا أنها تعد آخر القضايا المكتشفة مؤخرًا، ناهيك عن القضايا التي اكتشفت من قبل وغيرها التي مازالت تحت أنقاض الكتمان. فقد أكد تقرير لوزارة الصحة أن هناك 20 ألف مواطن يموتون سنويًّا؛ بسبب نقص الدماء وأن أكثر من 100 ألف مصري يصابون سنويًّا بالسرطان؛ بسبب تلوث مياه الشرب فقط، فيما قد حذر (برنامج الأغذية العالمي) 2010 من مشكلة نقص التغذية، وأضاف تقرير البرنامج أن مشكلة سوء التغذية تتمثل في تأثيرها على البشر بصفة عامة والأطفال بصفة خاصة، مشددًا على ضرورة وجود مخرج لحل هذه الأزمة الخطيرة التي ستتسبب في فقدان الأجيال. 200 مليار جنيه فساد مالي و151 ألف قضية كما صرح رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من قبل بأن حجم الفساد الإداري والمالي يبلغ 200 مليار جنيه سنويًّا، وقد بلغت قضايا الفساد في عام 2013 أكثر من 151 ألف قضية. كما أشارت تقارير المراكز الحقوقية، ومنها "مبادرة ويكي فساد" إلى أن حجم الفساد خلال شهر يونيو الماضي قدر ب3.4 مليارات جنيه، ويقدر حجم الفساد خلال مايو الماضي ب3.2 مليارات جنيه، ليصل حجم الفساد خلال الشهرين الماضيين إلى 6.6 مليار جنيه، أي ما يعادل نحو 770 مليون دولار أمريكي. وفي الوقت الذي تعهد فيه عبد الفتاح السيسي، بمكافحة الفساد، أشارت بعض التقارير إلى أن معدلات الفساد في مصر في ارتفاع مستمر، وقد وصل إلى 71 واقعة مختلفة في يونيو الماضي فقط، معتبرة أنه "الرقم الأكبر على الإطلاق مقارنة بالتقارير السابقة لها، وعلى إثرها بلغ حجم الفساد في مجمله حوالي 3.5 مليار جنيه من أموال الدولة. كما أكد التقرير أن الاستيلاء على المال العام بلغ 1.10 مليار جنيه، منها 500 مليون فقط من تموين العياط. وبلغ حجم إهدار المال العام خلال شهر يونيو 1.855 مليار جنيه، أهمها كانت وزارة التطوير الحضري التي أنشئت منذ عام فقط، وتم إهدار 887 مليون جنيه منها، بالإضافة إلى 345 مليون جنيه من الجهاز التنفيذي للمنطقة الحرة. وعن التلاعب والفساد المالي والإداري، قال التقرير: حجمه 517 مليون جنيه، منها 500 مليون جنيه في شركة بولفارا للغزل والنسيج في الإسكندرية، أما وقائع الرشوة فقد بلغت 11 مليونًا، بالإضافة إلى 8 ملايين جنيه قيمة غسيل أموال ونصب واستغلال منصب. التموين الأكثر فسادًا ب10 وقائع والمحليات 7 والتعليم 5 والداخلية 4 كما احتلت وزارة التموين المرتبة الأولى للفساد ب10 وقائع شهدتها المخابز والجمعيات التعاونية ومستودعات السلع التموينية، جاءت بعدها في المرتبة الثانية المحليات ب7 وقائع، وفي المرتبة الثالثة للقطاعات الأكثر فسادًا، جاءت وزارتا الزراعة والتربية والتعليم ب5 وقائع لكل منها، أما في المرتبة الرابعة بعدد 4 وقائع جاءت وزارة الداخلية كعادتها داخل أقسام الشرطة، ووزارة النقل في هيئة الطرق والكباري ومكاتب البريد، ووزارة الإسكان في الإدارات الهندسية وقطاع مياه الشرب، بالإضافة إلى وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة وأيضا الهيئات المستقلة. من جانبه قال الدكتور عاصم عبد المعطي، رئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد، والوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات: الفساد خلال عام 2014 ترتب عليه إهدار ما بين 170 إلى 200 مليار جنيه، ما يقارب ربع الموازنة العامة للدولة. وأضاف أن هناك عددًا من الآليات لمواجهة الفساد المستشرق في جميع أنحاء الدولة، أولًا تحديد أسباب الفساد؛ تمهيدًا لاتخاذ إجراءات لمعالجته، ثانيًا وجود 3 سلطات منفصلة تمام عن بعضها وهما "التنفيذية والتشريعية والقضائية"، وأوضح رئيس المركز المصري للشفافية، أن مكافحة الفساد في مصر يحتاج تفعيل الأجهزة الرقابية واستقلاليها عن الأجهزة التنفيذية؛ حتى لا يكون ولاء رئيس الأجهزة الرقابية لمن عينه، ويضطر إلى أن يتغاضى عن الفساد مقابل الحفاظ على الكرسي، بجانب رفع رواتب العاملين بالحكومة والقطاع العام ليتناسب مع مستويات التضخم المرتفعة، مما يضطرهم في النهاية لقبول الرشاوى أو المجاملة والمحسوبية. يجب إلغاء "سري سري" واعتماد الشفافية وأشار عبد المعطي إلى ضرورة إلغاء كلمة سري وسري للغاية من التقارير الرقابية، وتفعيل حق الرأي العام في معرفة الحقيقة، حيث إنه أهم وأكبر رادع للفساد الآن، بالإضافة إلى تفعيل دور المجتمع المدني في مواجهة الفساد ومراقبة الحكومة، بجانب أننا في حاجة إلى ثورة قانونية لإلغاء القوانين المقننة للفساد، سواء التي تم إصدارها قبل ثورتي 25 يناير و30 يونيو أو بعدهما، علاوة على إصدار بعض القوانين الخاصة بمحاربة الفساد المؤجل صدورها منذ ما يزيد على 40 عامًا، والتي تترك مساحة لبعض رجال الأعمال والمسؤولين في سرق قوت الشعب المصري، مضيفًا أن من أهم آليات مواجهة الفساد بمصر، ضرورة وجود برلمان قوي واستقلال واستقرار للسلطة القضائية، ووجود رقابة على السلطة التنفيذية، وتداول المعلومات. في السياق نفسه أكد الدكتور حسن نافعة، أستاذ بقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه لابد من تقسيم الفساد إلى قسمين، الأول كبير وهو ما تقوم به أجهزة الدولة، والآخر صغير وهو ما يقوم به موظفو الدولي لزيادة دخلهم لمواجهة مستوى المعيشة، وأضاف أنه لابد من وجود تعريف للفساد واضح يتضمن النوعين، مؤكدًا أن الفساد ليس فقط ماليًّا، لكن هناك نوع آخر وهو السياسي؛ مثل تزوير الانتخابات أو التأثير على الإرادة السياسية للشعب، مما يؤدي إلى الفساد المالي والإداري بعد ذلك. وأشار نافع إلى أن أهم آليات مواجهة الفساد في مصر، فصل الأجهزة الرقابية عن السلطة التنفيذية التي من شأنها السيطرة على جميع السلطات، بجانب الوعي الجماهيري وتفعيل دور المجتمع المدني لمواجهة الفساد ومراقبة أداء المسؤولين.