1. الهوية السورية غنية بتعدد الاعراق و الديانات عاشت سوريا بأطيافها و أعراقها المختلفة في سلام و تناغم قبل بداية الأزمة في مارس 2011، فلم تعرف سوريا الإقتتال الطائفي أو المذهبي، وسط اعراق و قوميات عديدة منها :العرب وهم أغلبية و من ثم الأكراد و التركمان والقوقاز مثل الشركس و هناك السريان و الآراميين والكلدان الآشوريين وهناك الغجر وأيضا يوجد عائلات من أصول يونانية و ألبانية، و وسط ديانات كثيرة منها : الاسلام بأكثريته السُنيّة وهناك أيضا العلويون و الدروز و الاسماعيليون و المرشديون و الشيعة وهناك المسيحيون بأغلبيتهم الأرثودكسية وبينهم أيضا الكاثوليك و البروتستانت، كما توجد في سوريا أقلية يهودية هاجر معظم ابناءها وهناك اليزيدية وهي ديانة قديمة عمرها آلآف السنين. فكانت الهوية السورية هي المظلة التي احتوت هذا التنوع الثمين في العرق و الدين . عاش السوريون في اوضاع اقتصادية مرضية للغاية، لم تدفعهم الي الهجرة بحثاً عن عمل او حياة كريمة، حيث زادت ميزانية سوريا من 42 مليار ليرة سنة 2000 إلي 640 مليار ليرة سنة 2010، كما تم رفع الحد للرواتب من 3800 ليرة إلي 11500 ليرة خلال نفس الفترة، فلم تعد سوريا مدينة بأي قرش للخارج. حتي اندلعت الازمة السورية قبل اربعة اعوام، فشهدت البلاد تحديات كارثية من تدمير منظم لمؤسساتها السيادية علي رأسها الجيش السوري، و تدمير لبُنيتها التحتية، و وإرثها التاريخي الضارب في القِدم، فضلاً عن خيانة محيطها الاقليمي الذي عمل علي تدريب و ارسال الارهابين الذين مارسوا القتل و الذبح و التدمير بحق الشعب السوري و مؤسساته حتي هذه اللحظة، فاستيقظ العالم في الاسابيع الاخيرة علي ازمة اللاجئين السوريين، الذين فروا من اهوال الحرب و النزاعات الدموية، قاصدين اوروبا عبر البحر بعدما يئسوا من الظروف المعيشية الصعبة في بلادهم ومخيمات دول الجوار و في مقدمتها تركيا. و بالرغم من أن اعداد اللاجئين لخارج البلاد و النازحين داخلها، تسير بمعدلات طبيعية و ثابتة تقريبا طوال الاربعة اعوام، إلا ان الغرب و مؤسساته الاعلامية قد قام بتسليط الضوء علي أزمة اللاجئين السوريين في الاسابيع الاخيرة بصورة غير مسبوقة، مما أثار تساؤلات عدة، منها لماذا استفاق الغرب الذي تدعم حكوماته و اجهزة استخباراته الارهاب في سوريا تدريباً و تمويلاً و العالم فجأة علي اكبر كارثة انسانية بعد الحرب العالمية الثانية الان؟ و إلي أي مدي ستؤثر هذه الضجة الاعلامية علي التبعات و الحلول السياسية و العسكرية داخل الاراضي السورية؟! 2. غطاء إنساني مُزَيّف بدأت الأزمة السورية في مارس 2011 حين احتدمت النزاعات الدموية بين الجيش السوري و الفصائل المسلحة، و رغم ان الشمال السوري كان في منأي عن النزاعات الدموية في بداية الازمة، ف كانت تركيا من أول الدول التي أثارت مسألة ظهور مشكلة لاجئين سوريين، وذلك قبل أن تطأ قدم نازح واحد الأراضي التركية أو أراضي أية دولة أخرى، مما اثار العديد من التساؤلات و الاتهامات ايضا، حيث وُجِهت إتهامات إلي حكومة أردوغان أنه يستدرج ظهور مشكلة لاجئين بهدفين: الأول، هو التشهير بالنظام السوري أمام الرأي العام العالمي. والثاني، إيجاد ذريعة للحكومة التركية، في حال كان في نيَّتها القِيام بعمل ما ضد سوريا، فضلاً عن إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري تخدم اجندة تركيا السياسية و العسكرية. وسرعان ما انكشفت تلك النوايا مع قدوم المزيد من اللاجئيين السوريين ضاربين ارقاماً قياسية لم تكن في حسبان حكومات دول الجوار و منها تركيا، التي استعدت فقط لاستقبال خمسين ألفاً بحسب تصريحات رئيس الوزراء التركي داوود اغلوا الذي اعلن ذلك بصراحة قائلا ان تركيا لن تكون قادرة علي استيعاب المزيد من اللاجئين، لكنه ربط المسألة هنا بإقامة منطقة عازلة يتم فيها حصر اللاجئين، وهو ما لم يتحقق حتي الان رغم الضغوطات التي تمارسها حكومته علي الاممالمتحدة و واشنطن لتحقيق هذا الهدف. ومن جهة اخري يعيش اللاجئين السوريين في ظروف معيشية صعبة في المخيمات التي اقامتها حكومة الادرن و منها مخيم الزعتري، الذي يقع في منطقة صحراوية شمال الاردن، يصل عدد اللاجئين السوريين بالمخيم الي 45 الفا طبقاً لاحصائيات مفوضية الاممالمتحدة لللاجئين، و بالكاد يحصل اللاجئين السوريين علي مقومات المعيشة من مأكل و مأوي، كذلك في مخيم عرسال بلبنان، فهناك يعاني السوريين الأمرين للبقاء بأبسط مقومات الحياة، اما في تركيا فتقع غالبية اللاجئين بمخيم كيليس و الذي يشهد ايضاً مع باقي مخيمات تركيا تفاقم لمعاناة اللاجئين، الامر الذي دفع العديد من اللاجئين إلي الهرب عبر سواحل تركيا قاصدين اوروبا بمراكب الموت و الغرق. حتي اصبحت تركيا منصة هجرة السوريين المحفوفة بمخاطر الموت غرقا نحو اوروبا حتي باتت الحقيقة واضحة وضوح الشمس، ان تلك الدول التي تدعي مساعدة الشعب السوري هي في الحقيقة تقدم له يد قصيرة للمساعدة، و يد اطول لتدميره و قتله و تشريده من جهه اخري، عن طريق اقامة معسكرات لتدريب الارهابيين، تحت برامج واشنطن و برلين بالتحديد، فضلاً عن تقديم كل التسهيلات لضمان تدفق الارهابيين داخل الاراضي السورية لممارسة القتل و الذبح و التدمير بحق الشعب السوري و مؤسساته. على الرغم من مطالبة الأردن الإدارة الأمريكية بعدم الكشف عن المعسكرات التي يقيمها على أراضيه لتدريب الإرهابيين الذين تطلق عليهم واشنطن اسم "المعارضة المعتدلة" نشرت صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية تقريرا ذكرت فيه أن أحد مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية، أكد وجود تلك المعسكرات على الأراضي الأردنية وذلك في تصريح لا يحمل أي معلومات جديدة، حيث أكدت تقارير ومعلومات استخباراتية سابقة، حقيقة وجود تلك المعسكرات. وأضافت الصحيفة في تقرير أعدته الكاتبة ماغي يبارا إن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية اقروا بوجود تلك المعسكرات لتدريب الارهابيين الذين تطلق عليهم الولاياتالمتحدة "المعارضة المعتدلة" وتؤكد التقارير والمعلومات الاستخباراتية والوقائع بأن الأردن يقيم مع تركيا والسعودية معسكرات لتدريب الإرهابيين بتمويل من النظام السعودي و القطري وإشراف من المخابرات المركزية الأمريكية "السي آي ايه" ومساعدتهم على التنقل والعبور إلى داخل الأراضي السورية عبر حدودها الشمالية و الجنوبية، كما يقوم بتسهيل تمرير الأسلحة والأموال إلى التنظيمات الإرهابية في سورية لدفعها على الاستمرار بجرائمها بحق السوريين. 3. حصيلة عام 2013 ومعدل تدفق اللاجئين السوريين يفضحا البروباجندا الغربية يبلغ عدد سكان كامل سوريا 22 مليون نسمة طبقا لإحصائيات مفوضية الاممالمتحدة للاجئين، فقد وصل عدد السوريين الذين تم تسجيلهم كلائجين بمختلف دول العالم إلي 4 مليون لاجئ، يتوزعون كالتي 1.9 مليون لاجئ في تركيا وحدها، و 1.2 مليون لاجئ بلبنان، و 249 لاجئ بالعراق، و 650 الف لاجئ بالاردن. كما يصل عدد النازحين السوريين داخل سوريا قرابة ال 7 مليون نازح. شهد عام 2013 اكبر عملية لجوء و نزوح جماعي للسوريين، فكانت حصيلة السوريين المقيدين كلاجئين لدي مفوضية الاممالمتحدة خلال ذلك العام اكثر من مليون لاجئ، و لم يحرك الاعلام الغربي وقتها ساكناً، و تشير إحصائيات المفوضية أن اعداد اللاجئين من عام 2013 الي 2015 قفزت من 3 مليون الي 4 مليون لاجئ، أيّ ان في خلال العامين الحالي و الماضي شهد العالم ازمة لجوء تعادل ازمة لجوء عام 2013 وحده و لم نجد للاعلام الغربي و حكوماته حضوراً وقتها لهذه المأساة الكارثية. تدفعنا احصائيات مفوضية الاممالمتحدة الي تكرار التساؤلات مرة ثانية، لماذ كل هذه الضجة الاعلامية المفاجأة؟ ام ان الغرب قد ادرك اخيراً بعد 4 اعوام ان هنالك مأساة تجري بحق الشعب السوري؟ 4.الضجة الاعلامية لازمة اللاجئيين مرهونة سياسياً: بعد فشل الاتراك في اقامة المنطقة العازلة شمال سوريا و التي تعد حلما من احلام الحكومة التركية ستحقق علي اثرها مزيدا من فرض النفوذ و السيطرة علي مناطق كاملة بسوريا يتواجد فيها الاكراد و هم خصم تاريخي و عنيد للدولة التركية، و بعد بدء التواجد العسكري الروسي رسمياً بالاراضي السورية لحسم المعارك ..فتحت تركيا الباب امام اللاجئيين السوريين ليقعوا فريسة لعصابات التهريب و الهجرات غير الشرعية لسواحل اوروبا، خصوصا بعد تخلي الغرب و اوروبا عن الدعم المالي لحزب اردوغان بعد خسارته للانتخابات، ظهرت ازمة اللاجئين فجأة و كأنها الاكثر تعداداً في تاريخ الحرب الدائرة بسوريا الان، و هو ما تنفيه جملةً و تفصيلاً احصائيات مفوضية الاممالمتحدة.. مع اتساع الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها التنظيمات الارهابية بسوريا و التي تقوم بإستهداف النخب البشرية السورية و تدمير البني التحتية للبلاد، يوضح ان ما تشهده سوريا اليوم هي ازمة تهجير ممنهج قبل ان تكون ازمة لجوء، بهدف ضرب بنيان سوريا الاجتماعي و تفريغها من سكانها و اعادة تشكيل توزيعها الديموغرافي بما يضمن تأجيج و استمرار الفتن و الصراعات الطائفية..ان ما تشهده سوريا اليوم ليس بغريب، بل شهده الشعب الفلسطيني عام 48 حين هاجمت العصابات الصهيونية القري و المدن، و احرقت ممتلكات الفلسطينيين و مارست القتل و الذبح و التعذيب تماماً كما تفعل العصابات الارهابية بسوريا، هنا شجع المجتمع الدولي و الاممالمتحدةالفلسطينيين علي ترك الارض هرباً من العصابات الصهيونية، حتي اصبح غالبية الفلسطينيين بين مشرد و لاجئ و نازح، فلم تشهد فلسطين اي تسوية حقيقية حتي الان، بل تشهد استمراراً للاستيطان و التهويد و تغييراً لديموغرافية السكان و ضياع الحقوق.. 5. سوريا حاضنة اللاجئين عبر التاريخ .. التاريخ يخبرنا أننا نشهد مفارقة مخزية للغاية، ف بمقارنة ما يلاقيه اللاجئيين السوريين اليوم من حكومات اوروبا التي تتقاذفه بين بلد لاخر، او من مخيمات تركيا و الاردن..فقد احتضنت سوريا لاجئ العالم دون ان تنصب خيمة واحدة.. فقد استضافت سوريا لاجئين من الشركس عام 1839 و لاجئين من الارمن عام 1914 و لاجئين من فلسطين عام 48 و 67 و لاجئيين من الكويت عام 1990 و لاجئين من لبنان عام 1996 و لاجئين من العراق بلغ تعدادهم المليون لاجئ عام2003 كما احتضنت سوريا لاجئين من لبنان عام 2006،لم تغلق دمشق يوما بابها في وجه نازح او لاجئ او مشرد، لم تقم المخيمات علي الحدود ، بل اندمج اللاجئيين مع الشعب السوري فكانوا من نسيجه الاجتماعي..سوريا لم تطلب يوماً تأشيرة دخول من عربي يريد الزيارة او السياحة، فكان الثمن تآمر المحيط الاقليمي و العربي علي سوريا و الامعان في تهجير شعبها من ارضها و تشتيته بين بلدان و عواصم العالم..وسط تضليل اعلامي مهين، ف لعل صورة الدكتور خالد الاسعد مدير اثار مدينة تدمر الاثرية و الذي وهب نصف قرن من حياته في خدمة اثار و تاريخ سوريا الضارب في القدم..لعل صورته و هو مقيدا علي عامود و مذبوحا بأيدي ارهابيي داعش لعل هذه الصورة تخبر العالم..كيف يتم التهجير الممنهج للعشب السوري و استهداف نخبته البشرية و افراغه من مدنه..و مِن مَن يهرب الشعب السوري!