أيام قليلة تفصلنا عن معركة الكونجرس الحامية بشأن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران والقوى الكبرى مؤخرًا، حيث تعيش واشنطن هذه الفترة أجواء هذه المعركة، بعد إعلان البعض موقفه، من هذا الاتفاق الذي سيكون على رأس جدول أعمال الكونجرس عند عودته للانعقاد سبتمبر الجاري. وترجح جميع المؤشرات أن تكون هناك "معركة حامية" بين الجمهوريين الذين يسيطرون على غالبية مقاعد الكونجرس، وأعلنوا معارضتهم للاتفاق النووي مع إيران، وبين إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي لوح هو الآخر باستخدام حق "الفيتو"، في حالة إذا ما قرر الكونجرس رفض الاتفاق. هذا التلويح من جانب الرئيس "الديمقراطي"، والذي يؤيد غالبية أعضاء حزبه الاتفاق مع إيران، دفع الجمهوريين إلى السعي لحشد أكبر عدد ممكن من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، لضمان رفض الاتفاق بغالبية "الثلثين"، وهو ما يعني تجاوز أي "فيتو" محتمل من أوباما. وللحصول على هذه الغالبية، ومع افتراض أن جميع الأعضاء الجمهوريين سيصوتون ب"لا" ، على الاتفاق النووي الإيراني ، فإنه يتوجب عليهم أيضاً الحصول على أصوات 44 من الأعضاء الديمقراطيين بمجلس النواب، و13 عضواً ديمقراطياً داخل مجلس الشيوخ. ذلك يعني أنه من المفترض كذلك، أن الديمقراطيين الذين سيختارون التصويت برفض الاتفاق، يدركون أنهم يصوتون أيضاً على إجهاض "الفيتو الرئاسي" المحتمل، وهذا ما يزيد من صعوبة مهمة الجمهوريين في حشد مزيد من المعارضين للاتفاق داخل المعسكر الديمقراطي. وحتى هذه الأيام بلغ عدد أنصار تصديق الاتفاقية النووية مع إيران في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى 31 سيناتورا، ولم يبق سوى 3 أصوات إضافية لضمان تمرير الصفقة نهائيًا بعد إقرار الفيتو، وكان «أوباما» قد حذر في خطابه بالجامعة الأمريكية مطلع شهر أغسطس من أن رفض الكونجرس للاتفاق النووي مع إيران سيؤدي إلى حرب في الشرق الأوسط. وقال أوباما إن «رفض الاتفاق من جانب الكونجرس سيجعل أي إدارة أمريكية مصممة على منع إيران من حيازة سلاح نووي لنواجه خيارا وحيدا: حرب أخرى في الشرق الأوسط لا أقول ذلك لأكون تحريضيا، إنه واقع». وما تشهده أروقة السياسة الأمريكية خلال الفترة الراهنة، يراه محللون جدير بالمتابعة والبحث كونه يسلط الضوء على ديناميكيات السياسة الأمريكية ومحركاتها وأدواتها وكواليسها، ويكفي أن بعض المعلقين الأميركيين يعتبرونه واحدة من المعارك السياسية المحتدمة لجماعات الضغط "لوبي"، فضلا عن كونه معركة موازية على صعيد استقطاب مواقف الرأي العام الأمريكي حيال الاتفاق. والواضح أن أوباما لا يخوض المعركة منفردا بل يشاركه فريقه الرئاسي، خاصة وزير خارجيته جون كيري، وعدد كبير من المنظمات الأمريكية، في مواجهة الجمهوريين، وبجانبهم اللوبي الأشهر في الولاياتالمتحدة وهو لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) التي استنفرت طاقاتها الدعائية والسياسية والمالية للدفع باتجاه رفض الاتفاق على المستويين البرلماني والشعبي، التي تعهدت مع واللجنة اليهودية الجمهورية بأن ينفقوا أربعين مليون دولار في حملة إعلانية تستهدف الحزب الديمقراطي الذي سيكون الفيصل في تمكن الكونجرس من تجاوز الفيتو الرئاسي.