أمس صرح مسئولين عسكريين إسرائيليين أن جيش الاحتلال سيستهدف عناصر ولاية سيناء كإجراء وقائي تجاه التنظيم الإرهابي الذي يهدد باستهداف الإسرائيليين على حد قولهم، وذلك في مراسم تسليم وتسلم قيادة فرقة "إدوم" الحدودية العاملة ضمن الجبهة الجنوبية، مضيفين حسبما نقل المتحدث بأسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي"إذا حاول تنظيم ولاية سيناء استهداف مواطنينا فعلينا أن نسبقه ونضربه بحزم وتصميم(..)يتصاعد تهديد الإرهاب من سيناء بقيادة تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي المعروف اليوم باسمه الجديد ولاية سيناء لتنظيم الدولة الإسلامية. هذه المنظمة تهدد باستهداف مواطني إسرائيل وجنود الفرقة وقد تحاول تحقيق تهديداته في أي لحظة. واجبنا أن نسبقه ونضربه إذا حاول ذلك بحزم وتصميم(..)في الجانب الأخر من الحدود وقعت تغييرات ملموسة التي تتطلب منا أن نكون مستعدين لأي سيناريو أو انزلاق بالوضع لكي نواصل حماية بلدات الجنوب والحفاظ على الهدوء". تبدو التصريحات في سياقها العام معتادة بالنسبة لدولة الاحتلال، إلا مع الوضع في الاعتبار أن الدوائر السياسية والإعلامية والعسكرية الإسرائيلية قد بدأت في الأسابيع الأخيرة في إعلان سيناريوهات مواجهة خطر التنظيم سالف الذكر، وما يتضمن ذلك من ضربات استباقية في عمق الحدود المصرية -سواء ضربات جوية أو عمليات أمنية واستخباراتية نوعية- بموازاة تململ إسرائيلي من عودة التعاون بين حركة حماس والحكومة المصرية فيما يخص ضبط الحدود والأنفاق، وانصراف القاهرة عن اعتياد تحميل حماس وغزة ككل جزء من مسئولة العمليات والهجمات التي يتعرض لها الجيش المصري، في ظل عدم انخراط مصر في تحالف أرادته إسرائيل مماثل لتحالفها مع الأردن لمواجهة خطر داعش. وقبل كل هذا وذاك، فأن التنظيم الإرهابي بنسختيه القديمة "أنصار بيت المقدس" والجديدة "الدولة الإسلامية-ولاية سيناء" لم يقدم حتى كتابة هذه السطور على مهاجمة أهداف داخل فلسطينالمحتلة، مع ملاحظة أن مسرح عمليات التنظيم في سيناء يتركز في مثلث رفح والشيخ زويد والعريش شمال سيناء، وليس جنوبها حيث الحدود مع مدن ومستوطنات إسرائيلية التي تحدث عنها العسكريين الإسرائيليين، الذين يعلموا أكثر من غيرهم أن التنسيق الأمني بين تل أبيب والقاهرة يركز على جنوبسيناء أكثر من شمالها، على عكس الحاجة والمصلحة المصرية، وهو ما يطرح عدد من التساؤلات حول مدى حقيقة المزاعم الإسرائيلية التي قد تكون استثماراً سياسياً ودعائياً يتيح لها مستقبلاً إطلاق يدها الأمنية والعسكرية في سيناء بدعوى "حق الرد" أو "حق الدفاع" أو غيرها من الحجج الإسرائيلية الجاهزة. الخطاب السائد في الدوائر السياسية والإعلامية والأمنية الإسرائيلية حول الجبهة الجنوبية في الفترة الأخيرة تجاه سيناء يرتكز على تضخيم التدهور الأمني في شبه الجزيرة منذ 2011 وارتفاع وتيرته منذ 2013 لمستويات غير مسبوقة منذ توقيع معاهدة السلام مع مصر عام 1979، لكن التناقض فيما تطرحه هذه الدوائر وبين ما يحدث على أرض الواقع في سيناء يوضح أن هناك أسباب ودوافع أخرى وراء طرح تل أبيب خيار التدخل العسكري في سيناء، فأولاً يقر الكثير من المحللين الإسرائيليين بأن أساس التنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب في العاميين الماضيين جاء على أرضية الحفاظ على أمن وسلامة المدن والمستوطنات الإسرائيلية، ولذلك فأن أغلب القوات المصرية التي دخلت سيناء منذ 2011 كاستثناء لما تنص عليه معاهدة السلام قد تركز في جنوبسيناء، وخاصة في المناطق المصرية اللصيقة بالحدود مع فلسطينالمحتلة، وهو ما اشترطته إسرائيل للسماح بإدخال معدات وجنود إلى مناطق نشاط العناصر الإرهابية شمال سيناء. المحلل العسكري بالقناة الثانية الإسرائيلية، أرييه أجوزي، رأى أنه بالإضافة إلى شبهة نية "ولاية سيناء" لشن هجمات ضد إسرائيل، فأن الأحداث والوقائع تستبعد ذلك، وبالتالي التركيز على الجبهة الجنوبية وإعادة الاعتبار لها بصفتها الجبهة الأكثر خطورة في تاريخ إسرائيل منذ نشأتها وحتى معاهدة السلام، وتحولها إلى ترتيب أدنى بعد جبهة الجولان والجبهة الشمالية، وخاصة بعد سلسلة الحروب على غزة منذ 2009 وحتى العام الماضي، وحاجتها إلى مخصصات مالية وتكنولوجية تحظى الشمالية والجولان بمعظم الميزانية المخصصة لتجهيزات المراقبة والتتبع والاستخبارات، وذلك في ظل توجه داخل الجيش الإسرائيلي يرمي إلى إعادة الاعتبار للقوات البرية التي قُلصت مخصصتها لحساب القوات الجوية، أي أن فورة التصريحات من المسئولين العسكريين الإسرائيليين حول "ولاية سيناء" ربما تكون لأسباب تتعلق بلفت الانتباه والحصول على قدر أكبر من المخصصات العسكرية، على اعتبار أن مواجهة مثل هذا التنظيم يحتاج إلى قدرة مختلفة عسكرياً وتكنولوجياً واستخباراتياً أفضل وأكثر تعقيداً من الحروب التقليدية، بما فيها الحروب ضد حماس والجهاد الإسلامي في غزة. من جهة أخرى رأى عاموس مالكا، المحلل العسكري في القناة الأولى الإسرائيلية، أن اهتمام الجيش الإسرائيلي بشبه جزيرة سيناء خرج عن شكله التقليدي منذ اتفاقية السلام مع مصر، حيث مواجهة تهريب السلاح إلى غزة وحديثاً ظاهرة المتسللين الأفارقة، وأصبح هناك خطر متصاعد على حدود فلسطينالمحتلةالجنوبية متمثل في الجماعات الإرهابية، التي استغلت حالة الفوضى وغياب النظام في سيناء لتنشط على مدار السنوات العشر الماضية، وشهدت طفرة داعش منذ العام الماضي، وبذلك يحق للقيادة العسكرية طرح مخاوفها بشكل علني على حد قوله، ولكنه تابع بالقول "القيادة السياسية منذ العام الماضي وهي تتبع سياسية الربح من خسائر الأخريين، من سوريا إلى العراق (..) توجهت لتعزيز التحالف العسكري مع الأردن، وتحاول الأمر ذاته مع مصر، لكن في الحقيقة ما حدث في هذا الشأن غلب عليه الطابع الدعائي، فلا إجراءات حقيقية حدثت لتقوية الجبهة الجنوبية فيما يخص مواجهة الأخطار المحتملة من سيناء، ربما التلكؤ في هذا نابع من قناعة نتنياهو أن لا خطر حقيقي قادم من سيناء، ويرتكن على التنسيق الأمني مع مصر، لكن ما نراه الأن هو ضربات موجعة للقوات المصرية، وتزداد احتمالية تعرض إيلات لهجمات إرهابية (..) نتنياهو يخضع كامل الملف إلى مناورات سياسية مع نظام السيسي، من أجل توسيع هامش التحالف والتنسيق، ويبدو أن الأخير لا يرغب في تطوير الأمر ما يفوق حاجته، رأينا طائرات إف16 تحلق لأول مرة في شمال سيناء، بشكل ما يقول المصريين: حسناً إذا أردتم توسيع التعاون فعليكم الموافقة على إدخال مزيد من الطائرات والقوات إلى سيناء، وهذا يخالف اتفاقية السلام، والقاهرة نجحت في لجم حماس لإجبارها على ضبط الحدود، أنهم يعالجوا مشاكلهم بأنفسهم، هنا ننتظر نحن ضغط أميركي من أجل التوصل إلى صيغة تحالف مماثلة لما لصيغة عمان التي دُشنت العام الماضي، لكن لا يبدو أن ذلك سيحدث في المستقبل القريب، وإيلات ستنظر الصواريخ حتى حدوث ذلك". فيما ذهب المحرر العام لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، عاموس هرئيل، إلى أن التعاون بين تل أبيب والقاهرة يسير على نحو جيد، لكن هناك نقص في معلومات يجعل رؤية ما يحدث في سيناء ناقصة، حيث أن الاستخبارات الإسرائيلية والمصرية حسب قوله تجهلان حتى اللحظة من يقود "ولاية سيناء" ويخطط عملياته الاحترافية بإطراد مستمر، التي تجعل التنظيم ذراع داعش الأكثر فاعلية في منطقة الشرق الأوسط، ونقل هرئيل عن مصدر عسكري وصفه برفيع المستوى قوله أن التطور النوعي والكمي لعمليات التنظيم يقلق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، خاصة مع سرعة هذا التطور ونجاعته في شن هجمات واسعة النطاق جغرافياً بشكل متزامن، وأضاف المصدر العسكري الإسرائيلي لهآرتس أن الجيش الإسرائيلي مستعد لسيناريو تصاعد نية تنفيذ العمليات في إسرائيل، حتى مع غياب أي مؤشرات لأعمال عدائية من جانب هذه الجماعات الإرهابية في الداخل، وباستثناء حوادث إطلاق الصواريخ على صحراء النقب فأنه لا يوجد رصد لأي تحركات تهدف لاستهداف مدن إسرائيلية منذ عامين. الخلاصة: تصاعد وتيرة القلق الإسرائيلي من شن عمليات من جانب "ولاية سيناء" أو غيره في الداخل الإسرائيلي، مبنى على أساس واهي تعاكس وقائع تقول أن المستهدف الوحيد حتى الأن من نشاط التنظيم الإرهابي هو الجيش المصري، فيما تستغل إسرائيل الوضع الأمني المتدهور في سيناء في دعم مبررات زيادة مخصصات الجبهة الجنوبية، وأنه على الرغم من التعاون والتنسيق بين القاهرة وتل أبيب منذ 2011، فأن الأولى فقط هي من تعاني من ضربات الإرهاب في حين أن الثانية تقف بمعزل عن مسرح العمليات الإرهابية، بل أنه يمكن القول أن الضربات الأخيرة للإرهابيين في سيناء وتطورها النوعي والكمي تأتي نتيجة لفراغ شبه الجزيرة من أوجه السيادة العسكرية الأمنية الكاملة، المنقوصة بسبب قيود اتفاقية السلام، وأنه بالوقائع فأن التنسيق الأمني محركه الأول بالنسبة لتل أبيب ليس ضمان أمن سيناء ولكن ضمان أمن مدن ومستوطنات الجنوب، والذي في سبيلها توجه الجماعات الإرهابية نيرانها إلى الداخل المصري، مثلما حدث العام الماضي عندما أقدمت إسرائيل على قتل عدد من عناصر احد الجماعات الإرهابية –يعتقد بانتمائهم إلى بيت المقدس ولاية سيناء حالياً- بواسطة طائرة دون طيار، فما كان من الإرهابيين إلا تنفيذ عملية الفرافرة في غرب مصر، انتقاماً لمقتل عناصرها بنيران إسرائيلية، بعبارة أخرى: تدفع إسرائيل باجراءات تبدو وقائية ومشروعة، من ضمنها التنسيق مع الجانب المصري، الذي يبدو أنه الطرف الذي يدفع ثمن هذه الوقاية وحده. موضوعات متعلقة: