هدنة إنسانية هشة لم تصمد طويلًا أجهضتها السعودية قبل أن تولد، فعلى الرغم من إعلان الأممالمتحدة انطلاق هدنة إنسانية في الأراضي اليمنية ووقف إطلاق النار، إلا أن الرياض لم تبال بذلك فواصلت عدوانها وغاراتها الجوية على اليمن، مخلفة مزيد من الكوارث والمعاناة الإنسانية والأضرار المادية والنفسية التي تلحق بالشعب اليمني، في مشهد يدل على استهتار القيادات السعودية بالأممالمتحدة وعدم احترامها لمواقفها وقراراتها، ولا المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بالهدنة الإنسانية. مع بدأ الساعات الأولى من الهدنة الإنسانية التي بعثت ببصيص من الأمل لدى الشعب اليمني، أعلنت الطائرات السعودية عن وجودها من جديد في السماء اليمنية من خلال شن غارات مدمرة على العديد من المناطق اليمنية أبرزها الشركة اليمنية للمطاحن وصوامع الغلال والقمح في عدن، وأحرقت واتلفت كميات هائلة من القمح، كما نفذ الطيران السعودي عدة غارات على صنعاء مستهدفًا دائرة الأشغال العسكرية بمنطقة سعوان واللواء الخامس في الرباط بلحج، كما استهدف مناطق مدنية في تعز. في الوقت نفسه تدخل تنظيم القاعدة والقوات التابعه للرئيس المتراجع عن استقالته "منصور هادي" وخرقوا الهدنة أيضًا في محاولة للتقدم على حساب الجيش واللجان الثورية، وقد أسفرت هذه الغارات عن سقوط عدد من الضحايا بين صفوف المدنيين. الموقف السعودي جاء متباهيًا بخرق الهدنة التي قررتها الأمموالمتحدة، وأعلن المتحدث العسكري باسمها "أحمد العسيري" رفضه لها، واعتبرها غير ملزمة للرياض، وقال إن بلاه غير معنية بهدنة، وأنها لم تتبلغ بها من الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي". من جانبه، أكد عضو المجلس السياسي لحركة أنصار الله "محمد البخيتي" أنّ السعودية هي من خرقت الهدنة وأن بعض الجهات التابعة لها في اليمن أعلنت منذ البداية أنها غير معنية بالهدنة، وفي المقابل دعا قائد حركة أنصار الله "عبد الملك الحوثي"، كل فئات الشعب والنخب اليمنية إلى التعبئة والإعداد لخيارات إستراتيجية كبرى في حال لم تتوقف عمليات التحالف بقيادة السعودية في اليمن، وأشار إلى ضرورة سد الفراغ في السلطة دون انتظار للخارج، لافتًا إلى أنه إذا استمرت الغارات فلن يكون أمام "أنصار الله" إلا اللجوء إلى تلك الخيارات الضرورية، وإعلان التعبئة العامة. وأوضح الناطق الرسمي باسم حركة انصار الله في اليمن "محمد عبد السلام"، أن التوجه الحقيقي للحركة هو وقف العدوان السعودي على اليمن بشكل كامل وفك الحصار وليس هدنة قصيرة، وأضاف "أنه لاحل إذا كان هناك اختلاف سياسي إلا بالحوار واعتقد أنه لايمكن أن تكون هناك حوارات في ظل هدنة قصيرة". وعلى صعيد متصل؛ فإن الانتهاكات السعودية في اليمن وعدم احترام قرارات الأممالمتحدة جعل المنظمات الدولية تخرج عن صمتها، حيث ارتفع منسوب الانتقادات الموجهه إلى الرياض والاتهامات لها بالكذب حيال الهدن المعلنة، ومن جهه أخرى اعتبر المحللين أن استمرار القصف والغارات السعودية في ظل إعلان الأممالمتحدة سريان الهدنة يعتبر ضرب قيمة الأممالمتحدة بعرض الحائط. ندد البرلمان الأوروبي بالغارات السعودية على اليمن داعيًا إلى الالتزام بالهدنة الإنسانية لإيصال المساعدات اللازمة، وفي بيان له دعا البرلمان الأوروبي لإطلاق حوار يقوده اليمنيون للتوصل إلى حل للأزمة، مشددًا على ضرورة إيقاف كافة العمليات العسكرية بأسرع وقت ممكن، واعتبر أن القصف السعودي والحصار على اليمن أنتجا بيئة خصبة لتنامي نشاط القاعدة وداعش، مؤكداً ضرورة التزام جميع الأطراف بمواجهة الجماعات المتطرفة كأولوية قصوى. منظمات المجتمع المدني في اليمن رحبت بموقف البرلمان اللأوروبي وبقراره بإجراء تحقيق دولي مستقل في أي خروق ارتكبها العدوان السعودي، وأكد البيان الصادر عن هذه المنظمات بأنهم مستعدون لتقديم كافة التسهيلات للمحامين والمنظمات الحقوقية التي ستبادر إلى رفع دعاوى قضائية في أي دولة أوروبية ضد مجرمي الحرب، وستوفر في نفس الوقت الأدلة عن كل الجرائم التي ارتكبها العدوان السعودي ضد الشعب اليمني. كان متوقعًا من قبل الجميع أن التحالف السعودي سينكث بالعهد وينقض الهدنة الإنسانية، فهي ليست المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن سريان هدنة وتعلن السعودية خرقها، فالهدنة الإنسانية السابقة التي دعت إليها الأممالمتحدة في مايو الماضي خرقتها السعودية أيضًا بأربع غارات على صعدة وحجة في الربع ساعة الأولى من سريانها، وهو ما تحدث عنه قائد حركة أنصار الله "عبد الملك الحوثي" قبل سريان الهدنة الأخيرة، حيث قال "بالنسبة للهدنة ليس لدينا أمل كبير بنجاحها وتجربتنا في الهدنة السابقة كانت مريرة"، مضيفًا أن نجاح الهدنة مرتبط بالتزام قوات التحالف بقيادة السعودية.