منذ الساعات الأولى من صباح اليوم واندلعت سلسلة هجمات استهدفت 15 موقع للجيش المصري ما بين قصف بالصواريخ والهاون والأسلحة الرشاشة، واندلعت معركة عسكرية بين قوات الجيش المصري ومسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية-ولاية سيناء" في مدينة الشيخ زويد جنوبالعريش، والتي تشهد للمرة وحتى الساعة قصف طائرات إف 16 لأماكن تمركز المسلحين في المدينة وعلى حدودها، وذلك بعد أنباء عن استهداف مروحيات الأباتشي بسلاح مضاد للطائرات من جانب الإرهابيين. وحتى كتابة هذه السطور تواترت الأنباء عن سقوط ما بين 60 إلى 100 قتيل، سواء من شهداء الجيش وقوات الأمن المصرية أو إرهابيي داعش، وحتى الأن لم تصدر جهة رسمية حصر رسمي بعدد القتلى والمصابين، باستثناء المتحدث العسكري الذي صرح صباح اليوم أن شهداء الجيش 10 فقط، ولكن ترشح هذا الرقم للارتفاع بعد إطالة أمد الاشتباكات وأنباء عن انقطاع الاتصال بجنود في عدة مناطق، وأيضاً أنباء عن اختطاف عدد أخر. وتأتي الهجمات الإرهابية والاشتباكات الدائرة في توقيت ملفت حيث الذكرى الثانية لثورة الثلاثين من يونيو والذكرى الأولى لإعلان خلافة داعش، وأيضاً بعد يومين من اغتيال النائب العام المصري هشام بركات في انفجار أودى بحياته. التوقيت الملفت لما يحدث حالياً في سيناء في ظل عدة تطورات إقليمية وداخلية لكل من الدولة المصرية و تنظيم "الدولة الإسلامية" يتطلب لفهمه التطرق أولاً لعدة ملاحظات بشأن تناظر موقف الطرفين بما يشبه كشف حساب لمرور أكثر من 6 أشهر على تواجد داعش الرسمي في مصر، وعامين على نظام الثلاثين من يونيو الذي يستمد شرعيته من مواجهة التنظيمات الإرهابية بدأً من الإخوان وانتهاءً بداعش، وسلوك الدولة المصرية لتنفيذ ذلك، وأيضاً كيفية استثمار التنظيم الإرهابي لتواجده في سيناء لتحسين موقعه على خارطة المنطقة سياسياً ودعائياً، واتجاه المعادلة الأن في سيناء نحو الصفرية، بمعنى أخر أما الدولة المصرية أو تنظيم "الدولة". ويمكن حصر هذه الملاحظات كما يلي: أولا: الدولة المصرية ولمدة عامين تتعامل مع الوضع الأمني المزري في سيناء والأعمال الإرهابية على أنها جزء من معركتها مع جماعة الإخوان المسلمين، اعتماداً على تصريحات لقادة الجماعة الإرهابية هددوا فيها بإشعال الأمور في سيناء عقب عزل مرسي، وذلك بمعزل عن التطورات الإقليمية الحادثة منذ عام، من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية وإعلان أسماه قادته ب"الخلافة" وإستراتيجية التنظيم القائمة على التوسع الدائم، ولكن بعد عامين لم يثبت أن هناك ارتباط عضوي بين الجماعة وبين التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية سيناء، أنصار بيت المقدس سابقاً، وهو التنظيم المتصدر للمشهد الإرهابي منذ 2011، وحصرياً خلال العاميين الماضيين. ثانياً: هناك علامة استفهام خاصة بتقدير صانعي القرار لما يواجهونه في سيناء، فالدولة وأجهزة إعلامها الحكومية والخاصة تُصدر خطاب إعلامي وسياسي موحد تجاه الإرهاب في سيناء مفاده أن ما يحدث وراءه أما الإخوان أما حركة حماس أما تنظيمات وأفراد مرتبطين بجهات إقليمية، ودون أدنى ذكر لتنظيم داعش المتواجد رسمياً منذ من نوفمبر 2014، واللافت هنا أيضاً أن هناك شبه إجماع في وسائل الإعلام المصرية بتنويعاتها على مسألة مسمى "تنظيم الدولة-ولاية سيناء" وتثبيت أسم أنصار بيت المقدس بديلاً عنه حتى الأن، بالإضافة إلى حالة من التناقض بين الخطاب الرسمي والإعلامي فيما يخص حركة حماس، والذي تذهب العلاقة بينها وبين القاهرة إلى انفراجه بشائرها بدأت بإلغاء حكم حظرها في مصر، وذلك بعد تعاون الحركة فيما يخص المخطط الأمني الذي وضعته القاهرة منذ بداية العام لخلق منطقة عازلة أمنية على الحدود مع القطاع وهو ما ألتزمت به حماس من جانبها وشرعت في تسهيل مهمة القوات المصرية على الحدود المقابلة وشددت الرقابة على الأنفاق، خاصة وأن الحركة تعتبر أن داعش تهديد لها كما لمصر، حيث دأب التنظيم على محاولات انشاء جيوب له في غزة وإرسال رسائل إعلامية مفادها قرب ضم القطاع ل"الخلافة" وأخر هذه الرسائل كان منذ يومين في مقطع فيديو انتشر على حسابات مؤيدة لداعش على مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة عام على الخلافة تحدث فيه شخص قال أنه من القطاع توعد حماس وكافة فصائل المقاومة بقرب سقوطهم. اقرأ: (بين الدولة و«تنظيم الدولة» كيف أصبحت سيناء ساحة امتداد ل« داعش »؟) ثالثاً: تنظيم داعش الإرهابي أكد على وجوده في مصر رسميا منذ نوفمبر العام الماضي، وهذا انعكس على مستوى العمليات وتطورها كماً وكيفاً، فلم تقتصر هجمات الإرهابيين منذ ذلك الوقت على العربات المفخخة أو القنص أو الضربات العشوائية للأكمنة والمعسكرات، بل وصلت إلى مستوى عسكري جديد يشابه مستوى مقاتلي داعش في سورياوالعراق، وخاصة في مرحلة ما قبل اجتياح الموصل، حيث العمليات الموسعة المتزامنة على أكثر من هدف على أكثر من جبهة وما يتضمن ذلك من تكتيكات عسكرية متراكبة من المفخخات والقصف بالصواريخ والهاون إلى الاشتباك المباشر بالأسلحة الرشاشة ومضادات الدبابات المتطورة والحصار ومنع وصول التعزيزات إلى المواقع التي يتم الهجوم عليها، وأخيراً استخدام أسلحة مضادة للطائرات، والأخيرة تطرح تساؤل عن إمكانية تحييد التفوق الجوي للجيش في سيناء عن طريق طائرات الأباتشي مستقبلاً، وهي الطائرات التي مثلت نقطة فارقة في مسار تحسين العلاقات بين القاهرة وواشنطن بعد 30 يونيو 2013. رابعاً: تمثل المعطيات المتوافرة في ظل مناخ من التعتيم الإعلامي أن تنظيم "الدولة الإسلامية-ولاية سيناء" نجح منذ بداية العام الماضي في تثبيت نموذج قتالي مماثل في تكتيكاته لما حدث عشية اجتياح الموصل وتمدده في شمال وغرب العراق، وهو ما يعني مع أنباء عن سيطرته على مدينة الشيخ زويد-ولو لساعات- أن التنظيم لا يستبعد من استراتيجيه في سيناء أن يقوم بأمر مماثل، يستثمر من خلاله في انتصارات معنوية حتى ولو كان ما فعله من احتلال قرى ومدن لم يكن مطابقاً للنموذج العراقي. اقرأ: (بين «ولاية سيناء» و«ولاية طرابلس»..كيف تواجه مصر «داعش» عسكرياً في ليبيا؟) خامساً: تأتي هجمات داعش الأخيرة خارج بيئته المعروفة في سورياوالعراق، من تونس إلى الكويت إلى فرنسا وأخيراً في مصر، للإعلان أن في الذكرى الأولى لإعلان خلافته، أن التنظيم قادر على ممارسة إرهابه لإحراز نصر معنوي يغطي على التراجع الميداني في سورياوالعراق طيلة العام الماضي سواء على يد الحشد الشعبي والجيش العراقي أو الأكراد بشقيهم (بي.كي. كى و واي. بي. جي أو البيشمركه) أو الجيش السوري والمقاومة اللبنانية في سورياولبنان، ويعوض ما فشل التنظيم في تحقيقه من وعود أبرزها احتلال بغداد أو التمدد إلى لبنان. سادساً: من الملاحظ أنه من الرغم أن مصر تشكل الساحة الثالثة بعد العراقوسوريا لأعمال تنظيم داعش الإرهابي ألا أن القاهرة غير مضلعة بالتنسيق مع دول إقليمية ودولية فيما يخص مسألة مواجهة داعش، بل أن بعضاً من خطوات مصر لمواجهة تهديد التنظيم شرقاً في سيناء وغرباً في ليبيا قوبلت باستهجان حتى من دول عربية تعتبر حليفة لنظام الثلاثين من يونيو، وحتى آلية "القوة العربية المشتركة" تبدو حتى الأن أسيرة متاهات اجتماعات جامعة الدول العربية. اقرأ: (بين رفض خليجي ومعارضة غربية وترحيب روسي..ما هي خيارات مصر في ليبيا)؟ سابعاً وأخيراً: يبدو أن داعش يعتبر سيناء هي الحلقة الأضعف أمنياً والمجهزة لوجيستياً وجغرافياً كمسرح عمليات خارج حدود بيئته الطبيعية في سورياوالعراق، أو الدول المجاورة لها، والتي لم يطولها من إرهاب داعش سوى عمليات معدودة فردية في معظمها وتعتمد تكتيكات المفخخات، وليس كما يحدث في سيناء من تواجد لمئات المقاتلين المسلحين بشكل جيد المدربين على أساليب حرب العصابات أمام جيش نظامي، وكذلك وكنتيجة لما جاء في الفقرة قبل السابقة، فأن سيناء مثلت أهم ثالث ساحة لتمدد "داعش" خارج سورية والعراق، سواء لجهوزية البيئة الجهادية بتواجد جماعات متطرفة عديدة -أبرزها أنصار بيت المقدس- على استعداد لتبني خط "داعش" الجهادي، والذي يختلف عن خط "القاعدة" مثلاً في مسألة وجوب البيعة للخلفية، وطريقة التعامل الأمني الذي حفز هذه البيئة على تفريخ جهاديين من أبناء سيناء، وكذلك ضعف التواجد العسكري المصري المقيد باتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية، وأخيرا أن سيناء تمثل مخرج سهل من أزمة داعش الصعبة حالياً التي تتمثل في توالي هزائمه العسكرية التي لحقت به في العراقوسوريا.