عام 1973، أعطت السلطة السعودية دفعة جديدة لكتابها المعتمد عن ابن عبد الوهاب، وسيرته، فأعادت طبعه بتقديم الشيخ عبد العزيز بن باز، رئيس الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة حينئذ، مفتي عام المملكة لاحقا، والرجل أحد أئمة الغلو والتطرف في أرجاء العالم، وله تلاميذ ومريدون متعصبون ينشرون آراءه ولا يعدلون بها قولا لقائل. وقد أسبغ ابن باز كل ألفاظ التعظيم العلمية والدعوية على ابن عبد الوهاب، فهو في نظره "الإمام العلامة، والحبر الفهامة، مجدد ما اندرس من معالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري"، كما رأى أنه جاء في وقت "غلب على أهله الجهل والبدع والخرافات وعبادة الأنبياء والصالحين والأشجار والأحجار"، وأنه جاهد "حتى ظهر دين الله، وانتصر حزب الرحمن، وذل حزب الشيطان، وانتصرت العقيدة السلفية في الجزيرة العربية وماحولها وكثر الدعاة إلى الحق، ونكست أعلام البدع والشرك وعمرت المساجد بالصلوات". لقد مثلت دعوة ابن عبد الوهاب الجانب الأكبر من مشروعية السلطة السعودية، التي طرحت نفسها باعتبارها حارسة للشريعة، ومقيمة للحدود، وراعية للإسلام والمسلمين، وكانت الصورة الحنبلية في صيغتها الوهابية مصدرا لتمييز فقه المملكة النجدية الوليدة، الذي يمنح الحاكم سلطة مطلقة، ويحرم معارضته أو الخروج عليه، ويغلق الباب أمام أي تغيير سياسي أو اجتماعي. وقد اتسم الفقه الوهابي بالاهتمام بالمظاهر والشعائر، وشغل أتباعه بأبواب ما يسمى بالهدي الظاهر، كاللحية، وقصر الثوب، والنقاب، والسواك، وهيئات الصلاة، وهو فقه يحارب كل أشكال الفنون، من غناء وموسيقى ورسم ونحت ومسرح وسينما، ويلاحق الحياة الخاصة الناس، ويتخذ موقفا سلبيا جدا من المرأة، بلغ حد منعها من قيادة السيارة. وصيغة التحالف بين ابن سعود وابن عبد الوهاب منحت السلطة السياسية والتنفيذية للأول، والسلطة الدينية للثاني، فأصبح مشايخ الوهابية جاهزون بفتاواهم وكتبهم وخطبهم لتبرير سياسات آل سعود، ومنحها الغطاء الشرعي اللازم لتمريرها جماهيريا، وبلغ الفقه الوهابي في هذا الشأن مبلغا بعيدا، حين أباح استعانة الأسرة الحاكمة بالولايات المتحدةالأمريكية، و"الغرب الكافر" ضد دول عربية إسلامية في المنطقة. وفي خدمة السلطة السعودية، يرفض الفقه الوهابي أدوات الديمقراطية، وحرية التعبير، ويسكت على نهب المال واحتكاره من قبل الأسرة الحاكمة، ويرى ضرورة الطاعة الكاملة للسلطان، في كل قراراته ومواقفه، فقط ما دام هذا السلطان "يقيم الصلاة". وبينما يشدد الوهابيون الغارة على سلوكيات الشعب، يبلعون ألسنتهم تجاه كل أشكال "المنكر" التي يرتكبها الأمراء مهما كان تعارضها مع الدين نصا وروحا. وقد أكد "الكتاب المعتمد هذا النفوذ لأبناء وأحفاد ابن عبد الوهاب فقال: "ولازال العلم في ذرية الشيخ وسيكون – إن شاء الله – باقيا إلى أن تقوم الساعة.. وآل الشيخ في هذا اليوم، هم القائمون في المملكة العربية السعودية بالوظائف الدينية، من الإفتاء والتدريس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورئاسة المعاهد والكليات، وحل المشاكل، والدفاع عن حوزة الدين، ونصر شريعة سيد المرسلين. وقد ظل الفقه الوهابي محصورا في الجزيرة العربية، عاجزا عن التمدد إلى دول الجوار وبلدان العالم الإسلامي، حتى ظهرت الطفرة النفطية، وامتلك السعوديون ثروة هائلة، فوظفوا المليارات لنشر هذا الفقه بين المسلمين في العالم، وأغرقوا المنطقة بكتب مجانية تقدم الوهابية باعتبارها الحقيقة الإسلامية، وتتهامل مع عيرها من المذاهب كأنها كفر وضلال، وامتد هذا النفوذ الديني إلى كل البلدان السنية، ثم زاد تغوله من خلال سيطرة السعوديين على المراكز الإسلامية في الغرب، بما فيعا المراكز التي لم يكن لهم دور في بنائها، كالمركز الإسلامي في واشنطون، الذي كان لمصر الدور الأكبر في بنائه، وظل إمامه لعقود طويلة يعين من قبل الأزهر. ولأن آل سعود متحالفون مع أمريكا تحالفا استراتيجيا لا تنفصم عراه، فلن نجد أبدا أية فتاوى لمشايخ الوهابية تمس المصالح الأمريكية، أو أمن إسرائيل، في مقابل موقف متشدد وسيل من الفتاوى ضد خصوم أمريكا، كما حدث أثناء الحرب الأفغانية التي مولتها المخابرات الأمريكية، وغطاها الوهابيون بفتاوى ضد الاتحاد السوفيتي الشيوعي، أو كما حدث في حرب العراق وإيران، التي أيدها الوهابيون باعتبارها حربا ضد "الشيعة الروافض"، ووصولا للحرب على اليمن، التي قدمها الوهابيون باعتبارها دفاعا عن الحرمين، بالرغم من أن هؤلاء المشايخ ساندوا النظام الإمامي الزيدي في اليمن ضد جمال عبد الناصر، الذي اعتبروه –وقتها- "كافرا بالإجماع".