بدأ العمل على تطوير مشروع الفيلم منذ عام 2006، منطلقًا من شغف المخرج بموسيقي شهرزاد، ورغبته في فهم العالم العربي بعد سيل من التساؤلات تصاعدت منذ 11 سبتمبر 2001، وتنامي ما يعرف ب«الإسلاموفوبيا» في الغرب. شغلت المخرج فكرة التزواج بين الثقافتين، من خلال ألف ليلة وليلة، وسيمفونية شهرزاد. تم تصوير الفيلم بين عامي 2010 و2012، وبدأ التصوير في تركيا ثم انتقل إلى مصر، قبل انطلاق ثورة يناير، برصد تجليات مختلفة للحكي، منها عروض خيال الظل ومجموعات الحكائين وفعاليات أنا الحكاية. ومع انطلاق ثورة مصر، واحتجاجات ميدان تقسيم في تركيا، أخذ الفيلم مسارًا آخر، بالتركيز على دور الفن في الحراك السياسي، وعلى دور النساء فيه، كمعادل لشخصية شهرزاد. الفيلم من إنتاج مخرجه بالتعاون مع المنتجون: وائل عمر من شركة أفلام ميدل وست في مصر، شميلة سِدات، سريين هُليلة وريم أبوكشك من شبكة حكايا الإقليمية، شارك الكاتب والمترجم المصري محمد الحاج في صياغة السيناريو الأصلي، الذي كتبه المخرج، بالعربية. شارك الفيلم في مهرجان هيومن رايتس ووتش السينمائي في لندن، ونال جائزة الشهيد الحسيني أبوضيف لأفضل فيلم عن الحريات في الدورة الأخيرة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، وعرض الأسبوع الماضي بسينما زاوية في إطار فعاليات مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة، فيما تستعد شركة ماد سوليوشنز، التي تتولي توزيعه في مصر، لطرحه في الأسواق قريبًا. يفتتح الفيلم على مشهد للأوركسترا، في تركيا، تشرع في عزف السيمفونية، ويبدأ معها حكي قصة شهرزاد التقليدية في ألف ليلة وليلة، بالسرد وخيال الظل، لينتقل منها لشهرزاد المعاصرة، كما تصورها، راوية لأحداث ثورة 25 يناير والتي يتابعها على مدار الفيلم. تبدو أحداث تركيا كهامش موازي على خلفية تقديم أوركسترا جامعة سانجادي باستانبول، لحفل في قصر توبكابي، ويتابع الفيلم أسبوعين من تدريبات الفرقة، ونسمع شرح قائد الأوركسترا التركي، كيم منصور، لدلالات العمل دراميًا من خلال الموسيقى والأبعاد السياسية والهوية التركية وتعليم الديمقراطية من خلال تدريبه الموسيقي للفرقة. ويرصد تطور الاحتجاجات في الشارع التركي بدءًا بالمنددة بحزب العمال الكردستاني والمطالبة بتركيا للأتراك، إلى تطور صراع المدافعين عن الديمقراطية ضد نظام أردوغان واحتجاجات جيزي بارك، ويرصد وسائل احتجاجهم ومنها رقصة مولوية يرتدي فيها الراقص تنورة حمراء بلون الدماء ويضع على وجهه قناعًا مضادًا للغاز، في نقد لعنف الشرطة في فض المظاهرات السلمية، فيما يعلن متظاهر آخر وسط ضباب الغاز الذي أطلقته الشرطة، أنه صار يتفهم أزمة حزب العمال الكردستاني ومطالبه ومعاناته مع الشرطة، ليؤكد أن تركيا يجب أن تتسع للجميع، كما كانت في الماضي. في مصر يركز الفيلم على تصاعد الحداث خلال اعتصام ال18 يوم الأولى من عمر الثورة في ميدان التحرير، ومنها ينتقل إلى تجليات مختلفة لفن الحكي فيرصد هوس فنان الرسوم المتحركة هاني المصري، الذي عاد قبل سنوات بعد تجربة طويلة في استديوهات أفلام التحريك في هوليوود، يتابع رؤيته وتأثير ألف ليلة وشخصية شهرزاد في عالمه الفني والشخصي، ويعرض لوحة خيامية ضخمة لأحد أعماله عن ألف ليلة رسم فيها شهرزاد عارية.. "لأن الحقيقة دومًا عارية"، ويرفض التصور التقليدي في رسوم شهرزاد وشهريار الذي يضعها في مستوي أدني منه كثيرًا. تحضر شهرزاد في رسومات هاني المصري بنفس مستوى المكانة مع شهريار، ويصاحب فرقة الورشة، للمخرج حسن الجريتلي، في عروض لياليها، التي جمعت بين تقديم أغاني وطنية وسيرة هلالية وإحياء تراث المونولوجات الشعبية، خاصة شكوكو، والحكي خاصة من التراث الشعبي. يوثق الفيلم حكايات يؤديها الراحل الرائع رمضان خاطر، وأخرى لعميدة الحكاءات المصريات، عارفه عبد الرسول، ينتقل إلى حكايات من أحداث ثورة يناير، ترويها «عارفه» على لسان أم أحمد، التلميذ الشهيد الذي رحل في أحداث جمعة الغضب 28 يناير 2011، أثناء عودته من أحد دروسه، أمام قسم شرطة، وترفض الأم التصالح على دم ابنها وتطالب بمحاكمة المسؤولين عن استشهاده، يرصد الفيلم زيارة فرقة الورشة لعائلة أحمد وتقديم عرضها في الساحة الشعبية لمنطقته التي عاش ورحل فيها. محملة بأسى وندوب الروح التي خلفتها الحرب الأهلية الطويلة، جاءت الممثلة اللبنانية غيدا نوري، إلى مصر، لتحكي يوميات الثورة عبر مدونة للناشطة اللبنانية التي تعيش في مصر، اجتذبت أعدادًا كبيرة، وكأنها تحية من الفيلم لدور التدوين ووسائل التواصل الاجتماعي في دعم الثورة، أو رصد للوعي بتداخل هموم العرب، كما نتابع الناشطة علياء التي ترصد حكايات الشهداء وأهلهم وتوثقها. يجمع الفيلم تجليات مختلفة لمفهوم شهرزاد، بما فيها محل ملابس "لانجيري" اسمه "شهرزاد فاشون"، إلى حكايات من كتاب يوميات عانس، ومشاهد من عروض خيال الظل والرسوم المتحركة، إلى عرض مشاهد من فيلم صامت عن محاكمة الرشيد، ويستعيد أعذب أصوات شهرزاد "زوزو نبيل" في حلقاتها الإذاعية، يربطها كلها بمشاهد من الشارع المصري كاشفة لأحوال الناس في احتجاجاتهم وفي حياتهم اليومية، وأصداء معاناة مكبوتة وصرخات وجع جماعية في المظاهرات. يري الفيلم شهرزاد اليوم في هؤلاء النسوة اللائي يمشين وسط الناس، ليخبروا العالم بما يريده الشعب. وبختام الحركة الأخيرة في السيمفونية، يختتم المخرج فيلمه ويأتي التتر الأخير مع السيرة الهلالية، أحد أكبر أيقونات الحكي "الذكوري"، والموروث الشعبي عربيًا، فلشهرزاد مكانة تستحقها، حتى وسط ملحمة ذكورية ك"الهلالية".