على إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" تم نشر استغاثة عاجلة لإحدى الأمهات حديثة الولادة بمدينة طنطا، تشكو من عدم قدرتها على توفير نوع من لبن الأطفال المدعم من الدولة بالصيدليات والمراكز الصحية، وهو لبن صناعى اسمه "بيوميل 2″ لتوءم فى حالة إعياء شديدة؛ ما يسبب لها ولطفليها عديدًا من المشاكل. وفى إطار أن "البديل" صوت المستضعفين، تم التواصل مع الأم، مع وعد بتوفير اللبن المطلوب، ولم نكن نتخيل أن الأمر بهذه الصعوبة، بل إنها مغامرة كشفت لنا مآسى عديدة تواجه الأمهات. فالمفترض أن اللبن مدعم من وزارة الصحة وموزع على مكاتب الصحة ومراكز الأمومة؛ لتخفيف العبء عن الأمهات، لكن تبين أن الحصول عليه صعب جدًّا، وأن العديد من الأمهات يعانين أشد المعاناة لعدم قدرتهن الحصول عليه، كما كشفت المغامرة أن من أسباب نقص اللبن توجه بعض الصيدليات لبيعه في السوق السوداء بأسعار أعلى، وبعضها يفضل إعطاءه للأقارب. تبدأ مشكلة الحصول على هذا اللبن من وضع شروط تعجيزية لصرفه، وتنتهى بعدم توافره أصلاً بالمراكز الصحية والصيدليات، ومن هذه الشروط أن تقدم الأم شهادة الميلاد، وتتعرض لكشف طبي يفيد بأنها لا تستطيع الرضاعة الطبيعية لظروف مرضية، ويتم تخصيص ست علب شهريًّا مدعمة بحوالي 18 جنيهًا للعبوة الواحدة، وبعد أربعة أشهر يتم إنقاص الجرعة لأربع علب فقط، مع العلم بأن العلبة الواحد ة تكفي ل 36 ساعة فقط للمولود الواحد. وعلى الرغم من تسليم الأمهات بهذا الأمر، إلا أنهن يجب عليهن اتخاذ طريق مراكز الصحة يوميًّا ذهابًا وإيابًا للسؤال عن وصول اللبن من عدمه، ويلقين إزاء ذلك معاملة سيئة، وكأنهن أتيت للتسول. ومع تحمل الأمهات لكل هذا، إلا أن الإجابة في معظم الأحوال هي عدم توافر الكمية المطلوبة، أو أن المراكز الصحية لم يصرف لها سوى نصف الكمية، وفي حالة التوءم تتعنت بعض مراكز الأمومة في صرف اللبن المدعم إلا لطفل واحد فقط، ولا تجد الأم سوى اللجوء للصيدليات، والتي لا تصرف لها سوى ست علب على مرتين أو ثلاث شهريًّا، بما يعادل كرتونة أو أقل، ولكن تواجه الأمهات أزمة بشكل آخر؛ لأن الصيدليات لا تصرف اللبن المدعم إلا للمعارف فقط، ويتجه أصحاب بعض الصيدليات للمتجارة باللبن المدعم لمحلات الآيس كريم، فلا يكون أمام الأم سوى شراء اللبن المستورد ب 45 جنيهًا للعبوة الواحدة. يومان من المعاناة قضتهما أم التوءم صاحبة الاستغاثة بحثًا عن هذا اللبن المدعم، رافضة أى نوع بديل بالصيدليات؛ لكونه يضر بصحة ابنيها، مؤكدة أنها حاولت الاستعانة به سابقًا، فتعرض طفلاها لمشاكل صحية، وبعد رحلة طويلة ومرور على صيدليات مراكز المحافظة الثمانية ومراكز الصحة، نجحنا في توفير 6 علب من اللبن المطلوب، وتوصيلها للأم، مع وعد بتوفير كمية أخرى خلال الأيام المقبلة، والتى ارتسمت على وجهها الابتسامة، وكأننا أحضرنا لها شيئًا من المستحيلات أو لبن العصفور. لم نقصد من وراء نشر التقرير غير إلقاء الضوء على الأزمة التى تواجه الأمهات باختفاء اللبن المدعم، فالخير ليس شكليات ولا لونًا من المظاهر الزائفة، إنما هو روح وقلب؛ ولذلك اهتم الله بحالة القلب أكثر من ظاهر العمل. وحينما توجهنا للمسئولين لمعرفة أسباب الاختفاء المستمر للبن المدعم بالغربية، تفاوتت ردودهم، فبعض الأطباء يرون أن المقصد الأساسي من ندرة اللبن المدعم هو التسويق للبن المستورد لصالح شركات أدوية كبرى، والبعض يرى أن السبب هو إغلاق الشركة الرئيسية التي كانت تصنع هذا اللبن؛ لوجود بعض المخالفات، وكان الأفضل تلافي المخالفة عن إغلاقها. وأوضح أحد الأطباء أن اللبن المدعم كان ينزل للصيدليات والوحدات الصحية تبعًا لجدول شهري (حصة شهرية)، لكنه لاحظ من فترة نقصًا كبيرًا في السوق بشكل عام، مرجعًا ذلك لإجبار الأهالي على شراء اللبن غير المدعم، مشيرًا إلى أن أقل سعر للعلبه هو 45 جنيهًا، وتصل إلى 90 جنيهًا، وهو خارج قدرات الأهالى. فيما أرجع آخرون السبب إلى إهمال وزارة الصحة والتوزيع غير العادل والفساد. ولكن في النهاية تبقى الأمهات الغلابة هي الضحية الحائرة بين إهمال مسئول وجشع تاجر.