القاهرة.. العاصمة التي يتكدس فيها ملايين المواطنين وسط زحام لا ينتهي وشبكة طرق متهالكة وأزمات مستمرة تبحث عن حل. وعلى امتداد عقود ظهرت فكرة نقل العاصمة إلى خارج القاهرة. بدأت في عهد الرئيس محمد أنور السادات، ثم عادت للظهور في عهد مبارك وحتى الآن، وصار نقلها جزءًا من البرنامج الانتخابي للرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي أعلن عنه بشكل رسمي خلال المؤتمر الاقتصادي المنعقد حاليًّا بشرم الشيخ. تكلفة مشروع نقل العاصمة في الظهير الصحراوي الفاصل بين القاهرة والسويس والتي تصل إلى 500 مليار جنيه، أثارت الجدل من تخوفات إهدارها في غير محلها، حيث وجدها البعض مغامرة غير محسوبة وتكرارًا للفشل الذي مر به المشروع منذ أيام السادات وحتى مبارك، مطالبين بتوجيه النفقات لإصلاح البنية التحية الحالية في القاهرة، معتبرين المشروع تشتيتًا للمواطن ولجهود الدولة، مؤكدين أن ما تحتاجه مصر ليس عاصمة جديدة، بل خارطة جديدة. فيما رأى آخرون أن القاهرة التي تستوعب 18 مليون نسمة بما يعادل 25% من سكان مصر، ومن المخطط أن يصل الرقم مستقبلاً إلى 30 مليون نسمة، لم تعد تتحمل الزيادة المرعبة للسكان مع تركز المصالح الإدارية والوزارات في وسط القاهرة. عميد "التخطيط العمراني" الأسبق: الدولة فشلت في "السادات".. و12 عامًا لا تكفي لنقل العاصمة يقول سامي أمين عامر عميد كلية التخطيط العمراني الأسبق "في أواخر الثمانينيات حاولت الدولة نقل العاصمة إلى مدينة السادات، وتم بالفعل بناء مجمع إداري للوزارات والهيئات الحكومية وقت تولي الكفراوي وزيرًا للإسكان، وفشل النقل، وتحولت المباني إلى جامعة تابعة للمنوفية ومباني تابعة لمدينة السادات". وأضاف أن أسباب فشل نقل العاصمة في السابق هو أنه لم يتم استشارة أحد، والعودة إلى الخبراء، وبالتالي فقد المشروع المشاركة والبحث مع ذوي الاهتمام، مشيرًا إلى أن نقل العاصمة وتغييرها لا يتم عمله دفعة واحدة، بل على عدة مراحل، و12 عامًا المدة المقررة لنقل العاصمة الجديدة حسب تصريحات الحكومة غير كافية بالمرة، فتهيئة البنية التحتية وحدها تحتاج 12 عامًا، كما أنه يجب الوضع في الاعتبار العاملين في الوزارات الذين رفضوا الانتقال إلى العاصمة الجديدة؛ نظرًا للارتباطات الاجتماعية. ولفت إلى أن الموقع المقترح يزيد في مشاكل القاهرة، ويعد امتدادًا للكتلة الإقليمية الممتدة من 6 أكتوبر وحتى العاشر من رمضان، الأمر الذي يصعب السيطرة عليه وإنهاء الزحام المروري، مشيرًا إلى أن البديل هو أن ننقلها بعيدًا عن القاهرة في مركز ثقل بعيد لا يقل عن 200 كيلو متر عن القاهرة، وتوفير مراكز جذب أخرى للمنتقلين إلى تلك المنطقة. خبير اقتصادي: 30 سم حصة المصري من القاهرة.. والعاصمة الجديدة ليست للفقراء فيما رأى فؤاد حامد الخبير الاقتصادي أن الدولة لن تتحمل جنيهًا من ال 500 مليار جنيه تكلفة إنشاء العاصمة الجديدة، مشيرًا إلى أن العاصمة أيام الفراعنة كانت في طيبة بالأقصر، وأيام عمرو بن العاص كانت في الفسطاط، وأن المواطن الذي يعيش في القاهرة له في المتنفس 30 سم من المساحة الخضراء في الوقت الذي يبلغ المعدل الطبيعي في العالم كله 30 مترًا للمواطن. ولفت إلى أن المدينة الجديدة توفر حجم عمالة كبيرًا وفرصًا للشباب لسنوات طويلة، والمكان المقترح هو البعد 60 كيلو مترًا من القاهرة؛ لحل أزمة نقل الموظفين، فالمصانع الموجودة في العاشر وأكتوبر تجد عمالاً يحضرون إليها من مسافات بعيدة جدًّا. مشيرًا إلى أن مجلس الوزراء بكامل هيئاته ووزاراته بجانب السفارات والمجمعات التكنولوجية والبرلمان وحي الدبوماسيين، بما يمثل مركزًا للمال والأعمال هناك، مؤكدًا أنها ستكون منطقة اسثمارية بحتة في المقام الأول، ولا مكان للفقراء فيها، وعما يثار من نقل الفقراء والعشوائيات إلى منطقة جديدة، قال إن هذا سيكون بمثابة مشروع جديد بالتوازي مع "العاصمة الجديدة". مصر شهدت 34 تغييرًا في أماكن عاصمتها من "تنيس" وحتى القاهرة تعد مدينة "تنيس" (المنزلة بالدقهلية حاليًّا) قبل 2950 ق. م أول عاصمة في التاريخ للوجهين القبلي والبحري، تليها "منف" 2950 ق. م. 2180 ق. م، قريبة من منطقة سقارة حاليًّا من الأسرة الأولى وحتى الأسرة الثامنة الفرعونية، و"هيركليوبوليس" (إهناسيا حاليًّا) من 2180 ق.م. وحتى 2060 ق. م، في عصر الأسرتين التاسعة والعاشرة الفرعونيتين، ومن بعدها مدينة "طيبة" (الأقصر الحالية) من 2135 ق.م وحتى 1985 ق.م في عصر الأسرة الحادية عشرة، و"لتجتاوي" (الفيوم حاليًّا) 1985 ق.م 1785 ق.م الأسرة الثانية عشرة. ثم أعادت الأسرة الثالثة عشرة مدينة طيبة؛ لتصبح عاصمة مصر من 1785 ق.م وحتى 1650 ق.م، لتجيء من بعدها الأسرة الرابعة عشرة وتجعلها "خاسوت" (سخا الحالية) من 1715 ق. م. 1650 ق. م. وفي عهد الهكسوس صارت "أواريس" (زوان الحالية) العاصمة منذ 1650 وحتى 1680 ق.م، لتغير الأسرة السادسة عشرة العاصمة إلى منطقة رجح أساتذة التاريخ أنها ربما تكون مملكة "كوش" (النوبة). وبعد إخناتون جعلت الأسرتان السابعة عشرة والثامنة عشرة مدينة طيبة عاصمة مصر مرة ثالثة في فترة 1650 ق.م. 1353 ق.م، وأصبحت "أخيتاتون" (تل العمارنة الحالية) العاصمة منذ 1353 حوالي 1332 ق.م ، لتعود طيبة عاصمة مرة رابعة على يد الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة. وفي عهد رمسيس الثاني صارت "بر رعمسيس" منذ 1279 وحتى 1078 ق. م. العاصمة على يد الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين بدءاً من رمسيس الثاني والأسرة العشرين. ومن بعده اتخذت الأسرة الحادية والعشرون من "تانيس" (صان الحجر بمحافظة الشرقية الحالية) عاصمة لها 1078 945 ق.م ، فيما اتخذت الأسرة الأسرة الثانية والعشرون من "بوباستيس" (تل بسطة بالزقازيق الحالية) عاصمة 945 715 ق.م ، وعادت الأسرة الثالثة والعشرون مرة أخرى لتتخذ من "تانيس" عاصمة لها 818 715 ق.م، وعادت الأسرة الرابعة والعشرون لتتخذ من "سايس" (صا الحجر الحالية) عاصمة لها 725 715 ق.م. بينما اتجهت الأسرة الخامسة والعشرون جنوبًا؛ لتتخذ من "نباتا" النوبية عاصمة لها 715 664 ق.م، واتخذت الأسرة السادسة والعشرون من مدينة "سايس" عاصمة لها 664 525 ق.م، فيما اتخذت الأسرة السابعة والعشرون من مدينة تسمى "فارسية" عاصمة لها، واختلف المؤرخون في تحديد موقعها الحالي. وعادت الأسرة الثامنة والعشرون لتتخذ من "سايس" 399 404 ق.م. عاصمة لها. واختارت الأسرة التاسعة والعشرون من "منديس" (تل الربع بمدينة المنصورة الحالية) عاصمة لها 399 380 ق.م، فيما اتخذت الأسرة الثلاثون من "سبينيتوس" (مدينة سمنود الحالية) عاصمة لها 380 343 ق.م. ومن جديد عادت الأسرة الحادية والثلاثون آخر أسر الفراعنة، لتتخذ من مدينة "فارسية" عاصمة لها. وأصبحت مدينة الإسكندرية عاصمة مصر منذ عام (332 ق.م. 641 م) خلال عهد الاحتلال الروماني. ومنذ الفتح الإسلامي 641م وفي عهد عمرو بن العاص، اختار "الفساط" لتكون عاصمة جديدة للبلاد، وهي جزء من منطقة مصر القديمة الحالية، ثم مدينة العسكر التي أسسها صالح بن علي أول والٍ للعباسيين في مصر سنة 133 ه – 750 م شمال الفسطاط؛ ليقوم أحمد بن طولون عام 868 م بتأسيس مدينة "القطائع" (منطقة قلعة الكبش وتلال زينهم حاليًّا) عاصمة لمصر. وبعد انهيار المدينة عادت "الفسطاط" عاصمة لمصر منذ عام 905 م وحتى 969 م؛ ليقوم الفاطميون بتكليف جوهر الصقلى بإنشاء مدينة كبرى شملت الفسطاط والعسكر والقطائع، وأسماها بقاهرة المعز؛ لتظل عاصمة مصر حتى الآن.