الدولة اقتلعت زراعات يختبئ بها الإرهابيون.. والقصف يعيق المزارعين الربح السريع يدفع الأهالي لزراعة "اللب والسوداني" على حساب محاصيل استراتيجية فودة: زراعة 120 فدانا ب"النقليات" في جنوبسيناء بعد نجاح الأبحاث ظلت الزراعة على مر السنين تمثل الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد المصري، وتعتبر مشروعات التنمية الزراعية المستدامة فى المناطق الصحراوية أحد السبل الهامة لزيادة الرقعة الزراعية وإنشاء المجتمعات الجديده، ومن أهم هذه المناطق شبه جزيرة سيناء. تعتبر الزراعة في سيناء من أهم الدعائم التي تساعد أهلها على تحمل العيش في ظل الحروب الدائرة هناك، وعلى الرغم من اندثار الكثير من الزراعات التي تشتهر بها المحافظة نتيجة الحرب على الإرهاب، إلا أن تمسك الأهالي بتاريخهم وعراقتهم يجعلهم يضعون أرواحهم على أكفهم أثناء التنقل لرعاية الأرض وأوقات الحصاد تحت نيران قصف الجيش للبؤر الإجرامية، مما أثر على الأرض ورعايتها وحصد محاصيلها أو بيعها. وتحتل شبه جزيرة سيناء أهمية خاصة كموقع استراتيجي هام لمصر، كونها البوابة الشرقية وحلقة الوصل بين المشرق والمغرب العربى، كما تبرز أهميتها فى مواردها الاقتصادية الطبيعية الزراعية وغير الزراعية التى لم تستغل إلى الآن بالصورة الاقتصادية المناسبة، وتبلغ مساحة سيناء حوالى 61 ألف كم2 تمثل ثلاثة أمثال مساحة الدلتا، وتحتوي على نحو 2.2 مليون فدان قابلة للزراعة، منها 1.54 فدانا في شمال سيناء التي تحتل نصف مساحة شبه الجزيرة تقريبا، وتسقط بها كمية كبيرة من الأمطار بالإضافة إلى المياه الجوفية، والمياه المتوقع الحصول عليها من ترعه السلام. والمنطقة تتميز بالتباين الشديد فى تضاريسها، وبالتالى يمكن أن تجود بأنواع متعددة من المحاصيل، ورغم ذلك فالمساحة المنزرعة فى شمال سيناء تبلغ فقط حوالى 128 فدانا، الأمر الذى يتطلب مزيدا من الاهتمام للاستغلال الاقتصادي للموارد المتاحة، بوضع برامج ومشروعات للتنمية الاجتماعية والاقتصادية فى سيناء. ورغم أن شعارات ونداءات مهمة مثل "تنمية سيناء" ارتفعت بها أصوات الجميع عبر الحكومات التى تعاقبت على مصر عقب استرداد الأرض فى حرب أكتوبر 1973، إلا أنها ظلت مجرد كلمات، وعقب ثورة 25 يناير عاد حلم التنمية مرة أخرى يداعب الحكومات، ولكن الكل يرى حلم التنمية على حسب أهوائه وميوله غير مكترث بحجم الخسائر التي يمكن أن تلحق بالمنطقة بسبب عدم الدراسة المستفيضة لطبيعة المنطقة وجدواها الاقتصادية والمحاصيل ذات الأولوية الاستراتيجية، فاندفعت الحكومة الحالية لتحقيق حلم تنمية سيناء بمحو زراعات طبيعية تشتهر بها المنطقة والتوجه بدلا منها لزراعة اللب والسوداني والفستق. قال اللواء خالد فودة، محافظ جنوبسيناء، إن مديرية الزراعة بجنوبسيناء بالتعاون مع المركز القومي للبحوث قد بدأت في زراعة 120 فدانًا بأشجار النقليات (اللوز وعين الجمل والفستق)، وذلك بعد نجاح علماء المركز القومي للبحوث في تجاربهم لزراعتها في مناطق رأس سدر وطور سيناء وسانت كاترين. أكد الدكتور نادر نور الدين، خبير الغذاء العالمي، أننا صنعنا مشكلة الزراعة في سيناء بالإهمال رغم وجود خطط واسعة لتنميتها، واصفًا سيناء بأنها "سلة غذاء مصر"، ومؤكدًا أن سيناء يمكنها أن تحقق الاكتفاء الذاتي لمصر كلها في الفول والعدس، خاصة أن هناك صنفًا مصريًا جديدًا يسمى "سيناء1″ مستنبط خصيصًا ليناسب أراضي وأجواء المنطقة، التي تناسب أيضًا زراعة القمح والبذور الزيتية، ومع سقوط الأمطار الغزيرة في الشتاء ننتج الحاصلات ونغسل التربة دوريًا من الأملاح والملوثات، فضلًا عن أن توطين 3 ملايين فلاح مصري سيؤدى إلى ذوبان بدو سيناء في المجتمع الزراعي الجديد، بحيث يتحولون إلى أفراد منتجين ومالكين لأراضى المشروع، فتتوفر لهم حياة كريمة بعد أن فقد معظمهم عمله بسبب الحرب على الإرهاب. وأكد الدكتور محمود سامي أبو رية، أستاذ الفاكهة بالمركز القومي للبحوث، ورئيس مشروع التوسع في زراعة أشجار النقليات في سيناء ومحور قناة السويس، أنه سبق إجراء العديد من الأبحاث عن هذه الزراعات في جنوبسيناء، وكنتيجة للظروف المناخية والبيئية المناسبة فقد نجحت هذه الأبحاث، وتم توقيع عقد بين صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية وفريق المركز القومي للبحوث برئاستي لتطبيق النتائج البحثية التي تم التوصل إليها لدى المزارعين في مدن طور سيناء ورأس سدر وسانت كاترين. وأشار إلى أنهم بدأوا في زراعة 120 فدانًا في السنة الأولى من تنفيذ المشروع، وتم إهداء المزارعين شتلات مجانية بمعدل 168 شتلة للفدان الواحد لزراعة أشجار اللوز والفستق وعين الجمل، وسيتم زراعة اللوز في رأس سدر وطور سيناء وزراعة عين الجمل والفستق في سانت كاترين، كما أشار إلى أن صافي ربحية الفدان بعد تجنيب المصروفات يبلغ 60 ألف جنيه، وتبدأ الإثمار في العام الثالث من زراعتها. من جانبه، انتقد الدكتور أحمد خزيم، العالم الزراعي وخبير بورصات الحبوب والغذاء، ما يحدث من استبدال الزراعات الطبيعية فى سيناء من خضروات وفاكهه بزراعة النقليات من أشجار اللب والسودانى للتسالي، في الوقت الذى تعانى فيه البلاد من فجوات غذائية في مقدمتها القمح، السكر، الذرة الصفراء، الزيوت، العدس، والفول، كما انتقد نظام العقود التي توقعها الدولة مع المستثمرين الأجانب، حيث لاتراعي صالح الاقتصاد المصري والخفض المتتالي لميزانية الزراعة المصرية التي تقلصت من 1.3 مليار جنيه الي 200 مليون جنيه. محمود السيد، مزارع من بدو سيناء، قال ل"البديل"، "نزرع لب نزرع سوداني المهم نزرع، احنا مش لاقيين ناكل من بداية الحرب على الإرهاب، فأغلب الزراعات مثل الزيتون والخوخ أزيلت بدعوى الحرب على الإرهاب وبتنا دون عمل ننتظر الفرج". بينما أشار إبراهيم سليمان، مهندس زراعي سيناوي، إلى أن المسؤولين يسعون لزراعة الحاصلات الاقتصادية المربحة والابتعاد عن زراعة الحاصلات الاستراتيجية مثل الفول والقمح والعدس والذرة وحاصلات الزيوت والسكر، تحت زعم استغلال الميزة النسبية للزراعة والمناخ في مصر، بالتركيز على زراعة الخضراوات والفاكهة وتصديرها، والشراء بثمنها الحاصلات الاستراتيجية التي تحتاجها مصر خاصة القمح، وهو الخطأ بعينه وما ينذر بكارثة تهدد زراعات نادرة لا تنتج سوى بأرض سيناء البكر. كذلك أوضح علاء بخيت، مهندس زراعي، أنه كان يتخيل أن المشكلة تكمن في ترك حرية الزراعة للمزارعين الذين يبحثون عن الزراعات الأكثر ربحًا حتى ولو كانت اللب والسوداني، ولكن أجد المحافظة والمسؤولين هم من يعلنون زراعة مئات الأفدنة بأشجار النقليات في الوقت الذي نجد فيه أن زراعة الفاكهة التي تشتهر بها المحافظة في طريقها للاختفاء بدعوى الحرب على الإرهاب، واختباء الإرهابيين بأشجارها العريقة.