تعاني المؤسسة العسكرية الصهيونية من أزمة عميقة في كيانها الداخلي خلفتها الأنظمة الإسرائيلية المستبدة والإستراتيجية الوحشية التي ينتهجها الجيش الصهيوني في التعامل خاصة مع الفلسطينيين، حيث يعيش الجيش الصهيوني حالة من الانهيار وتفشي ظاهرة الهروب والانتحار والتراجع في أعداد الجنود. كشف رئيس شعبة الطاقة البشرية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال "حجاي طوبولنسكي"، أن نحو 50 في المائة من الجمهور الإسرائيلي لا يتجندون للجيش، وقال "طوبولنسكي" خلال مؤتمر اقتصادي في تل أبيب إن "نصف هؤلاء غير مشمولين بالخدمة العسكرية الإلزامية، ونصفهم الآخر يتهرب من هذه الخدمة على الأغلب بذريعة الدين"، وأشار الجنرال الإسرائيلي إلى أن ثلث الإناث المطلوبات للخدمة العسكرية لا يلتحقن بها، في حين أن ربع الذكور يتهربون من هذه الخدمة، وقال "طوبولنسكي" إن هناك 600 ألف شخص يخدمون في الجيش الإسرائيلي، من بينهم 400 ألف في الاحتياط. لم تعد مسألة رفض الخدمة العسكرية شأنا فرديًا، بل أسس المجندون السابقون والناشطون ضد التجنيد الإلزامي منظمات تشتغل بهذا الموضوع وتعرّف بجرائم الاحتلال مثل منظمتي "كسر الصمت" و"شكل جديد" المحاربة لعسكرة المجتمع. كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، عن اعتقال 292 جنديًا هربوا من الخدمة العسكرية، مشيرة إلى أن أكثرهم اتخذوا قرارا بالفرار أثناء الحرب على غزة، خوفا من المشاركة في المعارك الدائرة آنذاك، وأفادت الصحيفة بأن كثيرًا من الجنود رفضوا تسليم أنفسهم عند القبض عليهم، فيما هدد بعضهم بالانتحار. يرجع خبراء في الشئون الإسرائيلية حالات الهروب من التجنيد إلى أن شراسة المقاومة الفلسطينية التي واجهها جنود الاحتلال، دفعتهم إلى الهروب من الجيش حيث باتوا يخشون الأسر أو القتل أو الإعاقة، أكثر من أي وقت سابق، فلم تعد الخدمة العسكرية هى مجرد أن يقضي العسكري ثلاث سنوات في المعسكرات ليعود بعدها إلى منزله، وإنما أصبحت مهمة صعبة تحفها كثير من المخاطر، ما تسبب بتهرب الإسرائيليين منها. يرى الجيل الجديد من الشباب اليهودي أن الخدمة العسكرية صارت مصدرًا للخجل أكثر مما هي مصدر للتفاخر والكبرياء الوطني، فقد تحول الجيش الصهيوني من جيش مدرّب تدريبًا عاليًا على الحروب النظامية إلى جيش مطالب بمطاردة الأطفال والشباب في الأزقّة الفلسطينية، ومأمور بالتعامل العنيف مع الأسرى في السجون الإسرائيلية، وأكثر ما يثير خجل الجندي الصهيوني أنه بالرغم من معدّاته القتالية الفائقة، وبالرغم من التدريب العالي، فإنه قد صار صيدًا سهلاً ممكنًا، كما أصبح يحظى بقدر كبير من الخوف جعله يهرب بأسلحته الفائقة أمام ملقي الحجارة من الأطفال. تتزايد معدلات الهروب من الجيش الصهيوني، حيث أشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن هذه الظاهرة تزايدت في الفترة الأخيرة كثيرًا، لافتة إلى أن الجيش يعمل جاهدا علي تقليص أعداد المتهربين من أداء الخدمة العسكرية بعد تجنيدهم فعليًا، فبحسب معطيات الجيش الإسرائيلي، فإن حالات الفرار من الخدمة في الجيش بلغت في العام 2004، 1288 حالة، وارتفعت في العام 2005 إلى 1438 حالة، فيما هبط العدد في العام 2006 إلى 1386 فارًا، وسجلت الشرطة العسكرية منذ مطلع عام 2007، 906 حالات فرار من الخدمة، وشهد عام 2013 احتجاز حوالي 13452 جندي في السجون العسكرية، منهم 76% بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية وهي النسبة الأكبر. ونشرت صحيفة "هارتس" إحصائية لجيش الاحتلال الإسرائيلي أكدت أن عدد الشباب الذكور المتهربين من أداء الخدمة العسكرية أكثر من عدد الفتيات المتهربات، وطبقًا للتقارير الإحصائية فإن جنديًا من كل ست جنود لا ينهي مدة خدمته العسكرية ويتهرب من الجيش قبل تسريحه أو قضاء مدة الخدمة الإلزامية، وأضافت الصحيفة أن فتاة من كل 13 فتاة تتهرب من أداء الخدمة العسكرية بعد تجنيدها. وحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي فإن الشباب يشكلون 16% من نسبة المتهربين من أداء الخدمة العسكرية بعد تجنيدهم، بينما 7.5% فقط من الفتيات يتهربن من الخدمة بعد تجنيدهم يلجأ اليهود إلى العديد من الطرق التي يمكن بواسطتها الامتناع أو التهرّب من أداء الخدمة العسكرية، ومنها الظهور بمظهر المعادي للدولة ورموزها أو الهجرة خارج البلاد وقد يصل بعضهم إلى الانتحار، حيث أوضحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن هناك 14 مجندًا انتحروا في عام 2012 لهذا السبب. على الرغم من أن هذه الظاهرة ليست بجديدة على الجيش الصهيوني إلا أن ضراوة المعارك التي خاضها الجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة على قطاع غزة ساهمت في تنامي ظاهرة فرار الإسرائيليين من الخدمة العسكرية، والتي أصبحت تشكل كابوس مهين وصدمة وعائق للقيادة التي كثيرًا ما أدعت أن الجيش الصهيوني هو "الجيش الذي لا يُقهر" لتُفاجأ بأنهم لا يصلحون للقتال مهما كانوا مدججين بالسلاح.