على الرغم من انقضاء أكثر من أسبوعين على تعيين "الحبيب الصيد" رئيسًا للوزراء، ونحو ثلاثة أشهر على فوز حركة نداء تونس في الانتخابات التشريعية، إلا أن الحكومة التونسية الجديدة لا زالت تمر بعثرات الاعتراف بها في البرلمان، ما ينذر بدخول تونس معركة جديدة لاقتناص ثقة النواب بالحكومة. أسابيع من الترقب والتسريبات والأخذ والرد والمشاورات انتهت بإعلان مجلس شورى حركة "النهضة" بأنه "لن نمنح الثقة لحكومة الصيد"، إعلان جعل أوراق رئيس الوزراء الجديد تنفرط بعد ترتيبها، وأوقف التكهنات حول وجود تفاهمات سرية بين "النهضة" و"نداء تونس" حول تشكيلة الحكومة، وأنهى أشهر من التنسيق والتقارب بين الحزبين الأكبر في البلاد. خلت تركيبة الحكومة التونسية الجديدة التي تم الإعلان عنها رسمياً الجمعة الماضية من أي تمثيل لحزب "النهضة"، سواء من المقربين منها أو من قياداتها المعروفة، فقد أعلن رئيس الحكومة التونسية المكلف، "الحبيب الصيد"، عن تركيبة الحكومة التونسية الجديدة المنبثقة عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي فاز فيها حزب "نداء تونس" بالمركز الأول، ما سمح له دستوريا بتشكيل الحكومة، وقد ضمت الحكومة الجديدة التي تتكون من 39 عضوًا، هم 24 وزيرًا و14 كاتب دولة وكاتب عام حكومة، إلى جانب حزب "نداء تونس"، ممثلين عن حزب "الاتحاد الوطني الحر"، كما ضمت الحكومة عددا من الكفاءات المستقلة، في الوقت الذي يستعد فيه رئيس الحكومة التونسية لعرض تركيبة الحكومة الجديدة الثلاثاء المقبل على البرلمان التونسي للمصادقة عليها وعلى برنامج عملها المستقبلي، قررت حركة النهضة ثاني الأحزاب البرلمانية في تونس، "عدم منح الثقة بحكومة الحبيب الصيد"، وقال رئيس مجلس الشورى "فتحي العيادي" عقب اجتماع المجلس، "نحن لن نمنح حكومة الصيد الثقة ونأمل أن تعمل كتلة النهضة بمجلس النواب على الالتزام بهذا القرار"، واعتبر "العيادي" أن تركيبة الحكومة "غير منسجمة ولا تتوفر على أدنى الشروط المطلوبة وغير منسجمة مع مبادئ حركة النهضة"، وأضاف أن "المرحلة القادمة تستدعي حكومة وحدة وطنية بعيدا عن ثقافة الإقصاء التي لا يمكن لها أن تثمر في تونس ما بعد الثورة". على الجانب الآخر رأى رئيس الوزراء "الحبيب الصيد" أن الحكومة الجديدة هي حكومة كل التونسيين والتونسيات هدفها الأسمى تحقيق أهداف ثورة الحرية والكرامة وترسيخ المسار الديمقراطي وتوفير مقومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لفائدة كافة الفئات والجهات وخدمة المصلحة الوطنية التي تعلو فوق المصالح الحزبية والفئوية"، وأشار إلى أن الحكومة الجديدة هي حكومة كفاءات وطنية تضم شخصيات سياسية وإدارية ومن المجتمع المدني ومن أهل الخبرة والاختصاص كما تتسم بحضور متميز للمرأة والشباب. تشكيلة الحكومة التونسية الجديدة، أبقت على "عمار الينباعي" وزيرًا للشئون الاجتماعية والذي كان من ضمن حكومة "مهدي جمعة"، كما ضمت عدة أسماء، معظمها مما يطلق عليه في تونس اسم "الإدارة العميقة" وهم من أهل الخبرة والاختصاص أو من ممثلي منظمات المجتمع المدني، إلى جانب كفاءات سياسية حزبية من حركة نداء تونس، وكذلك من الاتحاد الوطني الحر الذي يتزعمه "سليم الرياحي". وبشأن وزارات السيادة التي طالبت حركة النهضة بتحييدها، فإن حقيبة وزارة الداخلية أسندات إلى "محمد الناجم الغرسلي"، وهو قاضٍ من الدرجة الثالثة، وكان لعدة سنوات رئيسًا للمحكمة الابتدائية بالقصرين، وقد عين بعد الثورة من قبل حكومة "الباجي قائد السبسي" محافظ على منطقة المهدية، وهو المنصب الذي شغله حتى الإعلان عن التركيبة الجديدة للحكومة. وزارة الخارجية تم اسنادها إلى "الطيب البكوش" الأمين العام لحركة نداء تونس، وهو من أشد معارضي مشاركة "النهضة" في الحكم، كما كلف "محمد الصالح بن عيسى" بحقيبة وزارة العدل والشئون العقارية، وهو خبير في القانون الإداري، وهي كفاءة مستقلة، واتخذ "الصيد" في المقابل قرارا بحذف وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية من تركيبة الحكومة الجديدة، أما بالنسبة ل"فرحات الحرشاني" وزير الدفاع الجديد فهو أستاذ جامعي مختص في القانون الدستوري. انسحاب حزب "أفاق تونس" من المشاورات، وإعلان حزب "الاتحاد الوطني الحر" وهو ثالث أكبر قوة في البرلمان التونسي، تعليق مشاركته في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، وما تلاه من إعلان حركة "النهضة" عدم منح الثقة للحكومة الجديدة، وعدم حصول "الجبهة الشعبية" رغم موقفها القريب من "نداء تونس" على أي حقيبة في حكومة "الصيد"، كل هذا يجعل مهمة كسب ثقة البرلمان غير يسيرة خاصة أنه يتعين على الحكومة الحصول على "الأغلبية المطلقة" أي 109 أصوات من مجموع 217 عضوًا في البرلمان، إلا أن الأحداث يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها، فلايزال موقف الأحزاب الصغيرة ك"المؤتمر" و"الجمهوري" و"التيار الديمقراطي" و"التحالف" غير واضح، كما يتوقع المراقبون أن تنقسم كتلة "النهضة" بين التأييد والتحفظ.