حى "الإمامين و التونسى" تبلغ مساحته 55 فدانًا، وتعداد سكانه حوالى 300 ألف نسمة. ويقع الحى بمنطقة الخليفة، يعيش أكثر من 90% من سكان الحى تحت أدنى مستويات الفقر، ويسكنون إما فى أكواخ صممت من الأخشاب والصاج للأسقف وكذلك الحوائط، وإما من الطوب الذى عفا عليه الزمان. وإحساساً منا بالمسئولية الإعلامية والمجتمعية، التقينا مع أهالي الحى؛ لنكتشف عالمهم ونبحث همومهم ومشكلاتهم التى تتزايد كل يوم عما قبله، والتي لا يشعر بها أحد، وننقل وصفًا كاملاً لطبيعة وشكل الحياة فى الحى؛ لنضعها كما هي دون رتوش أمام المسئولين؛ لعلهم يمدون لهم يد العون؛ بصفتهم مواطنين مصريين لهم نفس الحقوق على الدولة والحكومة، ونتمنى من المسئولين إيجاد الحل السريع لإنقاذهم من الضياع الذين يعيشون فيه.. المشهد الأول: منذ وصولنا إلى مدخل الحى بمحطة الجراج شاهدنا انتشار أكوام القمامة على شكل تلال تسد الشوارع والروائح الكريهة تفوح منها بشكل خانق، بالإضافة إلى انتشار أكوام من الخشب والصاج والحديد في جميع الشوارع الجانبية للمنطقة. كما وجدنا معظم العقارات تغرق في طفح مياه الصرف الصحى. أما عن الشوارع فهى ضيقة للغاية، تكفى سيارة واحدة صغيرة الحجم، وتتفرع منها حارات ضيقة تملؤها الحفر. المشهدالثانى: بالتجوال أكثر داخل حارات الإمام الشافعى والإمام الليث والتونسى، أصبنا بحالة من الدهشة من أهالي المنطقة الذين اضطرتهم ظروفهم إلى اللجوء إلى هذه المناطق ليسكنوا بمساكن غير ملائمة للبشر، ويعيشوا معرضين للخطر طوال حياتهم، ليس لديهم أبسط مقومات الحياة البشرية، بينهم المعافى والمريض الذى لا يجد حق الدواء. وكم من حكومات رحلت وأتت، ولكن بقيت هذه المناطق كما هي بدون أي تغيير. المشهد الثالث: انتشار البلطجية والخارجين على القانون وتعاطيهم المخدرات علنًا فى بعض الحارات والشوارع الجانبية. أما المشكلة الخطيرة والتى تؤرق الكثيرين فهي انتشار التوك توك بكثافة قى الشوارع الرئيسية حيث يتواجد البلطجية؛ مما يتسبب فى زيادة الخناق بالمنطقة كلها، بالإضافة إلى المشاجرات المستمرة. المشهد الرابع: شاهدنا أشخاصًا يتوافدون على الحى من كل مكان، يتجهون إلى سوق الجمعة؛ لشراء احتياجاتهم من جميع أنواع البضائع كما يقولون من الإبرة للصاروخ. وجدير بالذكر أن سوق الجمعة بالإمام الشافعى والتونسى، وتنتشر فى كل مكان بضائع البائعين بأرخص الأسعار. شريف عيد: أنا عايز سرير ودولاب ومرتب شهري رغم ما يعانى منه شريف عيد الذي تجاوز الستين عامًا، إلا أنه ما زال يحمد الله على كل شيء، وقال إنه مرت عليه أشياء وأحداث كثيرة لو ظل يحكيها لاحتاج إلى أيام حتى ينتهى، حيث قال وهو يبتسم ابتسامة الرضاء بالقضاء والقدر "بص يا ابني أنا عندي 65 سنة ومتزوج وعندي 5 أبناء وبنات، والاولاد أكبرهم 17 عامًا وأصغرهم 9 سنين، اتنين بس في المدارس والباقي خرج علشان الظروف والمعيشة الصعبة". وأضاف عيد "أنا عندى سكر وضغط ومشاكل كثيرة فى القلب ورجلىَّ الاثنين فيهم مرض دوالي الفيل، وإحنا عايشين فى غرفة واحدة، ودورة المياة مشتركة والحياة صعبة"، لافتاً إلى أنه لا يوجد فى الغرفة ثلاجة، والأطفال تذهب للجيران لكي يشربوا مياهًا من الثلاجة التي عندهم. وانتظر قليلاً، ثم تابع الحديث "أنا مش قادر أشتغل ومكسور عليَّ إيجار الغرفة 9 شهور، يعني اضرب 300 في 9 واحسب أنت يا ابنى. وأنا كل اللى عايزه مرتب بسيط أعرف أعيش بيه علشان ولادى مش علشانى، وأنا أخدت من الدنيا كتير ومش عايز حاجة". فايزة: نفسي الناس ترجع تحب بعض وتعيش فايزة يوسف 60 سنة وحيدة في غرفة متر ونصف في 2 متر، بدون أي شيء. الغرفة عبارة عن كنبة من الخشب الذي ظهر عليه علامات انتهاء الصلاحية وترقيع بقطع خشبية كافية لشرح مدى العذاب، وقالت "نفسي الدنيا تهدا، والناس ترجع تحب بعض. ليه بقت فيه قسوة منا على بعض قوي كده؟ يا ولاد أنا باصلي الفجر حاضر في الجامع وبادعي ربنا يحمي مصر ويحمي الشباب، وتكون دنيتهم عسل في عسل وهنا وسرور". وقالت وهي تبتسم "والله الشباب والناس طيبين ومعدننا أصيل وأولاد حلال". وعن أمنيتها قالت "مش عايزة غير شوية هوا علشان باقفل باب الأوضة عليَّ وأنا نايمه، ونفسى كمان أشرب ميه ساقعة علشان آخد علاج القلب والسكر والضغط، وأروح أزور النبي، يا رب أزور النبي حبيبك لو كنت كاتبها لي". كانت فايزة تتكلم رغم فقرها المدقع بعزة نفس وخجل كبير، ذكرنا بقول الله عز وجل "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف". وأضافت "أنا مش قادرة أدفع 50 جنيه إيجار الأوضة، ودورة المياه مشتركة، مش باقدر آخد راحتى فيها، غصب عنى باروح لدورة مياه المسجد القريب، وأنا عارفة إن الله عز وجل بيرزق، بس أنا نفسى أرتاح شوية يا أولادى". الحاجة منال: ينفع أشكي الخالق للمخلوق؟! الحاجة منال سعيد تبلغ من العمر 55 عامًا، وتعول أسرة من 9 أفراد، وتسكن في غرفة 4 متر في 4 متر بحمام مشترك، ويوجد في الغرفة سرير واحد فقط، ولا توجد أي أجهزة كهربائية، وزوجها مريض منذ 10 أعوام، وتتحمل تجهيز ابنتها الوسطى وتكاليف علاج زوجها، ولا يوجد مصدر رزق غير راتبها الذي يعد ملاليم بالنسبة لاحتياجات 7 أفراد وزوج مريض، ورغم كل ذلك حين توجهنا إليها، رحبت بنا جدًّا والابتسامة لا تفارق وجهها البشوش الطيب وعلامة الصلاة تنير جبهتها. وعند سؤالها "ماذا تردين؟"، أجابت "لا أريد شيئًا. الحمد الله"، فكررت السؤال، فنظرت إليَّ بابتسامتها الرقيقة، وقالت "يا ابني والله ما عايزة أي حاجة"، فأسرعت وقلت "إزاي إنتِ ظروفك صعبة؟"، فقالت "مالها ظروفي؟ أنا أحسن من غيري بكتير، عندي عيش كتير وملح. الحمد الله مش الطعام عيش وملح برضه؟ وعندي أوضة ساتراني أنا وأولادي، والحمد الله عندي شباك على الحارة بيدخل أحلى نسمة هوا ساعة المغربية، وبعدين يا ابني ينفع أشكي الخالق للمخلوق؟ لا طبعًا". وأضافت قائلة "دي العصفورة بتخرج الفجرية وتقول: الملك لك سبحانك، احفظ صغاري وارزقني، وتطير وترجع في المغربية، وتقول: الحمد الله لك يا ربي حفظت صغري ورزقتني وكانت معدتي فارغة مليتهالي أكل؛ علشان أطعم صغاري. شوف العصفورة عرفت إن الرزق بإيد ربنا مش حد تاني". الحاج فرج: عايز دكتور قلب كويس يتابعني ومرتب علشان العيال السيد فرج البالغ من العمر 72عامًا قال "أنا تعبان قوي وصحتي في النازل، وكل جسمي بيوجعني يا ابني، أصل عندي تليُّف في القلب وسكر وضغط وحاجات تانية، مش عايز أوجع دماغك بيها، بس الحمد الله ربنا مدِّيني صحة إني أصلي الخمس فروض فى المسجد كل يوم، ويارب أفضل كدا على طول". وعند سؤاله "ماذا تريد؟"، قال "مش عايز حاجة، الحمد الله، بس لو كان ينفع تشوفوا لي دكتور قلب ومرتب شهرى علشان خاطر الخمس عيال ما عنديش أي مصدر رزق غير مساعدات ولاد الحلال، مرتب علشان ولادي بس لو كان ينفع، أنا هاكون شاكر قوي ليكم؛ علشان أعرف أنام زي الناس". الحاج عبد الرحمن نفسي أعالج بنتي وابني أما الحاج عبد الرحمن فوزى فقال نفسي أعالج ابنى اللي عنده 7 سنين، هو عنده كهربا زيادة في المخ وجلسات وعلاج المخ غالية قوي، من 3 سنين وهو بيعمل جلسات وزي ما أنت شايف الواد على طول عصبي". وأضاف "ونفسي أعالج بنتى من المرض، عمرها 5 سنين وعندها سيولة في الدم، وتحتاج لتغيير دم كل شهر، وأنا باروح مستشفى أبو الريش كل شهر، لكن المرض زاد عليها، والدكتور كتب لها على حقنه كل شهر مع الدم ب 500 جنيه، والحقن مش موجودة في المستشفى".