قال موقع "دويتش فيله" الألماني إن الصين أصبحت بالفعل قوة كبيرة في العالم ولا يمكن إغفال تواجدها في مناطق الصراع والنفوذ العالمي، وبالطبع القرن الأفريقي هو قلب مناطق الصراع التي لا تغيب الصين عنها مطلقًا، موضحا أنه منذ نشأة جمهورية الصين الشعبية حرصت الدولة الناشئة كل الحرص على أن تضع لها قدمًا في أفريقيا، حيث بدا لها دورا سياسيا في الفترات الأولى من الستينيات والسبعينيات بمساندة حركات التحرر الأفريقية، ثم ما لبس هذا الدور أن تحول لمصالح اقتصادية مشتركة؛ ما جعل التنين الصيني أحد أكبر القوى الفاعلة صاحبة النفوذ والمصالح في المنطقة الأفريقية. تبنت الصين عقب مرحلة الحرب الباردة سياسة الشراكة الإستراتيجية مع الدول الإفريقية بغض النظر عن ماهية أنظمة الحكم الموجودة في السلطة في هذه البلدان؛ الأمر الذي جعلها تلقى قبولًا عند كافة الدول بغض النظر عن المطالب الدولية السياسية كأمر حقوق الإنسان والديمقراطية والحصار الاقتصادي لبعض الدول. عملت الصين على مضاعفة حجم المساعدات التي تمدها لإفريقيا منذ عام 2006 وحتى 2009، حيث انعقد مؤتمر التعاون الصيني مع إفريقيا شارك فيه أكثر من 40 رئيسًا إفريقيًا في ظل تواجد قرابة 50 وفدًا آخر في هذا المؤتمر، كما شهدت القارة السمراء أكثر من 15 زيارة رسمية في تلك الفترة من وفود صينية على رأسها الرئيس الصيني ووزير الخارجية الصيني. تنظر الصين لإفريقيا نظرة إستراتيجية اقتصادية وتقدم نفسها للجميع أنها دولة نامية لتضمن التقرب من الشعوب الأفريقية، بعد أن أدركت أهمية البعد الإفريقي كمصدر للمواد الخام، وكأكبر الأسواق المستهلكة للبضائع الصينية، حيث تم زيادة عدد السلع المعفاة من الرسوم الجمركية بين الصين وعدد من دول أفريقيا من العدد 190 إلى العدد 440، أما الجانب الذي تجذب به الدول الإفريقية فيظهر في شكل القروض والمنح والمشروعات التي تقوم الصين بها في أغلب دول القارة السمراء، فخلال السنوات الأخيرة وقعت الصين مع 48 دولة إفريقية على اتفاقيات بشأن أموال المساعدات، كذلك نفس الأمر مع 22 دولة أخرى حيث تخصص قروض ميسرة لدعم مشروعات خاصة، وبشأن الإعفاء من الديون تم إعفاء 32 دولة أفريقية من 150 دينًا مستحقًا للصين. تساهم الصين بمجال القوة الناعمة في أفريقيا، حيث تشارك في إعداد الكوادر الفنية بالتدريب في أفريقيا وإرسال البعثات الصينية للمساعدة في المجال الزراعي، إذ أقامت الصين أكثر من 10 مراكز فنية زراعية بأفريقيا شرعت في بنائها منذ 2009،وفي مجال التنمية تلعب الصين دورًا محوريًا في أفريقيا لا يضاهيها أحد فيه، إذ تشارك في المجال الصحي المتدهور في أفريقيا بالمساعدة في بناء قرابة 30 مستشفى بتمويل صيني، كما أقامت 10 مراكز لعلاج مرض الملاريا المتفشي في أفريقيا، كما تم إرسال بعثات طبية صينية محملة بعلاج صيني لمقاومة المرض في أكثر من 33 دولة أفريقية. وفي المجال المجتمعي تسعى الصين لبسط سيطرتها ميدانيًا عن طريق المال الصيني الذي يُضخ في المشاريع الأهلية وبقوة لكسب الولاءات في المناطق التي تغزوها اقتصاديًا،حيث ساهمت الصين في بناء أكثر من 60 مدرسة في مناطق ريفية نائية بدول أفريقيا، كما ساهمت في مجال المواصلات وتطويره بمساعدات هائلة في البنية التحتية وغيرها، فهذه الجزرة الصينية التي تقدمها لدول أفريقيا نظير تمددها الاقتصادي في القارة السمراء. بالإضافة لمجال الزراعة في أفريقيا التي خاضت غماره الصين، لا تستطيع الصين تجاهل ملف الطاقة الذي يُمثل لها أزمة دائمة بسبب كثرة استهلاكها للطاقة، فالبترول الأفريقي نصب أعينها دائمًا لتأمين احتياجاتها من الطاقة التي تُنفق الكثير والكثير في استيرادها من أجل تأمين احتياجاتها المتزايدة، إذ تعتبر الصين ثاني أكبر الدول المستهلكة للطاقة في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، فتواجد شركات البترول الصينية في دول أفريقيا بات واضحًا جدًا، بل وتدخل في منافسات حادة مع نظريتها الأمريكية للسيطرة على أكبر قدر من مصادر البترول في أفريقيا وخير مثال على هذا تواجد الشركات الصينية في السودان جنوبًا وشمالًا واستثماراتها في هذا المجال التي بلغت زهاء الأربعة مليارات دولار، بل إن هذا الأمر مدعومًا سياسيًا بعد أن عينت الصين مبعوثًا خاصًا بها لشئون دارفور ما يفسر أهمية الملف الأفريقي لدولة كالصين، كذلك الأمر في الجارة تشاد فقد احتكرت الصين ولمدة 99 عامًا النفط التشادي بعد أن أنشأت مصفاة للنفط تعمل بواقع 60% لصالح الجانب الصيني مقابل 40% للجانب التشادي. مثال آخر يبرهن على سيطرة الصين على هذه القارة بالقوة الناعمة وهو ثمنٌ لا يقارن بما تربحه الصين نظير العلاقة الأفريقية المتينة، فقد أمّنت الصين الحصول على 11 مليون طنًا من النحاس و620 ألف طنًا من الكوبالت خلال ال 25 عامًا القادمة من دولة الكونغو نظير مد 3000 كيلو من السكك الحديدية بالبلاد وبناء جامعتين ورصف 3200 كيلو مترًا من الطرق وبناء عدة مدارس ومستشفيات، ذلك الأمر يفسر تواجد أكثر من 40 شركة صينية في دولتين ك "غينيا، ونيجيريا". الصينيون درسوا السوق الإفريقية جيدًا وهو من المعروف اقتصاديًا أنها الأضعف من ناحية القدرة الشرائية لذلك لاقت البضائع الصينية رواجًا كبيرًا بسبب أنها تكون دائمًا الأرخص وفي متناول المستهلك الأفريقي ولقدرة الصينين دائمًا على الإنتاج الكمي ضعيف الجودة؛ لذلك وجدت الصين السوق الأفريقية صيدًا ثمينًا لها لا ينافسها فيه أحد وبدأت في زيادة صادراتها للجانب الأفريقي محققة معدلات خيالية بالنسبة لهذا الأمر. فيما يخص المجال العسكري فالصين تمثل مصدر للتسليح في العديد من البلدان الأفريقية نظرًا لانخفاض أسعار السلاح الصيني والامتيازات التي تتلقاها حكومات تلك الدول من صفقات السلاح، كما أن الصين ليس لديها محظورات دولية في تصدير الأسلحة وغير ملتزمة بالقانون الدولي في هذا الشأن، فنظام البشير في السودان المُحاصر اقتصاديًا يعتمد على دولة كالصين كمصدر رئيسي لتسليح جيشه بهذا يكون الأمر منفعة متبادلة بين الأنظمة الأفريقية كمستوردة للسلاح بأسعار مخفضة وبين ازدهار صناعة السلاح الصيني ووجود سوق مضمونة له في أفريقيا. انطلقت "بكين" نحو القارة الإفريقية بغير تراجع في ظل تجاهل دولي للوضع في أفريقيا، بل إنها وجّهت جزء كبير من قوتها تجاه القارة فضاعفت التبادل التجاري الخاص بها مع أفريقيا عشرات الأضعاف خلال عقد من الزمن، فأصبح قرابة 120 مليار دولارًا بعد أن كان 10 مليار دولارًا فقط، حيث يرى خبراء اقتصاديون أن الولاياتالمتحدة جعلت أفريقيا في ذيل قائمة اهتماماتها ومن الطبيعي أن تملأ الصين هذا الفراغ، بينما تقوم الولاياتالمتحدة باتهام الصين بأن ما تفعله في أفريقيا هو استعمار اقتصادي، تؤكد الصين أن ليس لديها أية أطماع استعمارية في أفريقيا وأن دورها مقتصر على التنمية.