التقطت وكالة ناسا الأمريكية صورة جوية الأسبوع الأول من شهر يناير الجاري للدلتا المصرية، أظهرت مساحات كبيرة من أراضي الدلتا بدأت في التملح، أطلقت عليها الوكالة "مناطق مشتعلة" أي في طريقها للبوار بسبب نقص مياه الري، أوضحت الصورة كم التراكمات من الأملاح حول الأراضي على ضفتي القناة، منها سهل الطينة وأراضي ترعة السلام، وأراضي الدلتا التي تمثل ثروة مصر وتبلغ مساحتها 4.5 مليون فدان، بينما كل أراضي الصعيد لا تزيد عن 2 مليون فدان. قال الدكتور نادر نور الدين، خبير الأراضي، إن وكالة ناسا حذرت مصر بناء على الصورة التي تم التقاطها وأظهرت تملح نصف أراضي الدلتا بسبب نقص مياه الري واستخدام مياه المصارف المالحة في الري، إضافة إلى استخدام المزارعين للمياه الجوفية "المُعين" في الري "المياه الأرتوازية". وأضاف "نور الدين" أن شروع وزارة الري فى تقليل مساحات زراعات الأرز، خطأ فادح؛ لأنه من المحاصيل القليلة التي تغسل التربة بعد توقف تدفق مياه الفيضان على أراضي الدلتا بعد بناء السد العالي، مطالبا بضرورة التوسع في زراعات الأرز والوصول بها إلي 1.5 مليون فدان، بجانب التوسع في الزراعات المتحملة للأملاح وأهمها القطن وبنجر السكر، ومؤكدا أن نتيجة التملح سيحرمنا من زراعة النباتات الحساسة للأملاح مثل الذرة والفاصوليا والخيار والعديد من أصناف الخضروات ومحاصيل الزيوت والمانجو والبصل. وطالب خبير الأراضى بضرورة عدم استخدام المياه المالحة في الري، خاصة المياه الجوفية أو الماسورة التي يزرعها كل فلاح في أرضه بسبب عدم وصول مياه الترع للمزارعين، والتي عادة تكون محملة بالأملاح التي تم غسيلها بالري من الأراضي الزراعية ومتبقيات الأسمدة والمبيدات التي رشحت إلى أسفل التربة، مناشدا وزارة الري بإعادة حساباتها بشأن المقننات المائية التي تضخها في الترع والتي لا تصل إلى نهايات الزمام بما يضطر المزارعين إلى الري بمياه المصارف المالحة أو المياه السطحية غير العميقة المليئة بالأملاح والمواد السامة والضارة من متبقيات الأسمدة والمبيدات، بالإضافة إلى تركيب محطات معالجة لمياه المصارف الزراعية التي يعاد استخدامها مرة أخرى في الري. من جانبه، قال الدكتور منير صبحي برسوم، الباحث المتفرغ بقسم الإنتاج النباتي بمركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة، إن تقلص مواردنا المائية والاستخدام غير الأمثل باتباع الطرق التقليدية في الري والصرف "السطحي"، أدي إلي تملح الأراضي، ونواة للتصحر، لافتا إلى أن نوعية المياه المستخدمة في الري كالجوفية أو المياه المخلوطة بمياه الصرف الزراعي والتي تحتوي علي نسبة عالية من الأملاح والمعادن، تؤدي أيضا إلي تبوير الأراضى وإلي فقد النباتات غير المتحملة للملوحة وفقدها كمورد بيولوجي واقتصادي مهم. وأكد "برسوم" أن الزراعة التقليدية أيضا مجهدة للأرض نتيجة الاستخدام المفرط للأسمدة الكيماوية والمبيدات، مضيفا: «كل هذه الأسباب تؤدي إلي تدهور نوعية الأرض وانخفاض إنتاجيتها، بجانب القضاء علي الكائنات الحية تحت سطح التربة والتي لها دور أساسي في زيادة خصوبة التربة وحفظ التوازن البيولوجي بينها وبين غيرها من الكائنات الحية، مما يحدث في النهاية خللاً في التوازن البيئي». وشدد الباحث بقسم الإنتاج النباتي على أن خطورة التملح تهدد أراضي الوادي والدلتا التي كانت من أجود وأخصب الأراضي، بالتصحر وتدهور إنتاجيتها؛ بسبب تعرضها لعمليات تجريف وتعرية متعددة نتيجة عمليات الري السطحي والري بالمياه المخلوطة بمياه الصرف الزراعي عالية الملوحة، خاصة مع الاستخدام المكثف للأسمدة الكيماوية والمبيدات، مما أدي إلي تدهورها خاصة مع انقطاع طمي النيل بعد بناء السد العالي، ومع غياب الدورات الزراعية والتركيب المحصولي المناسب.