«الأغنياء يزدادون غني والفقراء يزدادون فقراً».. تلك المقولة البسيطة للشعب المصري توضح حقيقة الوضع المحزن لما يعيشه المواطنون عقب ثورة يناير وما تلاها من أحداث، فبالرغم من القيام بثورة يناير ضد نظام مبارك للحصول على العدالة الاجتماعية، إلا أن ذلك لم يتحقق على الإطلاق على أرض الواقع، بل على العكس تماماً تسير الأمور من سيئ إلى أسوأ بالنسبة للمواطنين البسطاء، حيث أظهر تقرير "بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك" الذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري تزايدًا مستمرًّا في ارتفاع نسبة الفقر بمصر، حيث وصلت النسبة في التقرير الأخير عام 2012 – 2013 إلى 26.3% من المصريين، بزيادة 1.1% عن العام السابق، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع 4.4% من السكان؛ ما يشير إلى زيادة معدلات الفقر لدى المواطنين عقب الثورة التي نادت بالعدالة الاجتماعية في توزيع الثروات المصرية المتنوعة على الشعب المصري كافة، وهو الأمر الذي يوضح غياب الإرادة لدى الدولة في تحقيق تلك العدالة؛ خوفاً من الطبقة الرأسمالية المتحكمة في قوت المصريين ومن هجومها المضاد في حالة محاولة الحكومة الاقتطاع من الثروات المسيطرين عليها وتسليمها لصاحبها الأصلي، وهو الشعب المصري. ففي دولة بها أكثر من ثلث آثار العالم وثروة بشرية هائلة ونهر النيل وممر مائي عالمي تعبره سفن العالم ليل نهار كقناة السويس وثروات معدنية ضخمة وشواطئ تجذب السياح من كافة الدولة، تجد ملايين الأسر تسكن القبور وتأكل من القمامة وموظفين يكدحون طول الشهر من أجل بضع مئات من الجنيهات لا تلبي احتياجات أسرهم وملايين من أصحاب المعاشات لا يستطيعون توفير نفقات العلاج. على الجانب الآخر تجد الطبقة الرأسمالية أو المسيطرين على موارد وقوت الغلابة، كما يقول المصريون، لا تتعدى نسبة 1أو 2%، وتملك غالبية الموارد والثروات الموجودة في البلاد، وحتى الجزء المتورك للشعب تجدها ربما تساهم فيه. فقد أفاد تقرير الثروات العالمي الصادر عن بنك الائتمان والاستثمار المصرفي السويدي أن 10% من السكان في مصر يملكون 61% من الثروة المصرية عام 2000، ثم ارتفعت في 2007 إلى 65.3%، ثم في 20014 إلى 73.3% من الثروة المصرية، مما يفيد أن حوالي 90% من الشعب المصري يعيشون بما يقارب ربع الثروات المصرية، في حين أظهرت مجلة فوربس الأمريكية أن ثمانية مصريين يمتلكون قرابة 22.3 مليار دولار، أي أقل قليلاً من 10٪ من الناتج القومي المصري الذي يشكل الدين العام 88٪ منه. بينما أشار بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك الأخير لعام 2012/2013 أن نسبة هؤلاء القادرين والأغنياء تبلغ حوالى 6% من عدد سكان البلاد، أى نحو 2.5 مليون مواطن ومواطنة، وهذا ما يمكن استنتاجه من التوزيع النسبى للأمر طبقًا لفئات الإنفاق النسبى، حيث يسجل البحث نسبة 2.6% من هذه الأسر تنفق أكثر من 50 ألف جنيه والأعلى إنفاقًا هى نسبة تقترب أيضًا من نسبة الأفراد الذين يزيد إنفاقهم عن 12 ألف جنيه فى السنة (الأعلى إنفاقًا)، وتصل إلى 1.6% بالنسبة لعموم البلاد. ويقول الدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادي، إن المشكلة الحقيقية تكمن في ولاء النظام للطبقة الرأسمالية والتي تعد الممول الأساسي له، وبالتالي لا تستطيع الحكومة أن تحارب تلك الطبقة؛ لأنها هي الخاسر الأكبر في تلك الحالة، مشيراً إلى أن أكبر دليل على ذلك بدء الحكومة في التراجع عن تطبيق الحد الأقصى للأجور بعد الضغوط التي مارسها مدراء البنوك الكبرى؛ مما يفيد أن رجال المال في الدولة هم الأقوى من الحكومة وهم المسيطرون على البلاد. ويضيف سليمان أن القضاء على الطبقة المتوسطة خلال السنوات الأخيرة ساهم في زيادة الفجوة بين الطبقة الغنية والفقيرة؛ مما أدى إلى ازدياد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، لافتاً إلى أن الحكومة فشلت في تغيير منظومة الدخول لتحقيق عدالة الأجور، ففي حين يوجد 8 ملايين موظف يعتمدون في معيشتهم على مرتباتهم من الدولة، لم تساهم الدولة في تحسين مستواهم المعيشي حتي الآن. وأكد الخبير الاقتصادي أن معدلات التضخم والبطالة ارتفعت، بالإضافة إلى المؤشر العام للأسعار الاستهلاكية، مما يفيد بتدهور الوضع الاقتصادي للمواطنين والذي أكدته البيانات الصادرة من الدولة والتي توضح أن الوضع يسير من سيئ إلى أسوأ. ويقول محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية لحقوق الإنسان، إن العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات على المواطنين واجب أصيل للدولة، فهي المسئولة عن وضع أولوية بهدف رفع معاناة الفقراء والمهمشين من خلال السياسات الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية التي ترفع من شأن المواطن وتجعله قادرًا على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد. ويضيف لطفي أن العدالة الاجتماعية لم تتحق خلال الأربع سنوات الماضية التي أعقبت الثورة؛ لكون الطبقة الرأسمالية ما زالت هي المتحكمة في مسار الدولة، فهي من تضع القواعد التي تحرك الساسة والمسئولين، إلى جانب المصالح التي تحكم الجميع، مشيراً إلى أن الدولة دائمًا ماتقف بجوار الطبقة الغنية دون النظر لمصالح الفقراء، ففي النهاية الطبقة الرأسمالية هي الحاكم الفعلي للدولة. وأكد أن قرارات الحكومة تعكس محاباة الدولة للرأسمالين والجور على حقوق محدودي الدخل، فإذا نظرنا إلى كراسة الشروط لوزارة الإسكان الخاصة بمشروع إسكان الشباب، نجد أن الأسعار المحددة ليست في نطاق ومقدرة الملايين من الشباب الحالي، لافتاً إلى وجود آلاف الأسر المصرية التي تحيا بمناطق عشوائية وتفتقر للخدمات الأساسية؛ لعدم وجود ما يكفي من النقود لشراء مسكن آدمي لهم. وطالب مدير المفوضية المصرية لحقوق الإنسان الحكومة بوضع قواعد وآليات تحكم توزيع الثروات المصرية على المواطنين بما يضمن حصول المواطن البسيط على حقوقه كاملة من الدولة وعدم صرفها إلى غير مستحقيها من مصاصي دماء الفقراء، مشدداً على أنه في حال استمرار الوضع على ذلك، فسوف نصل لمرحلة الفوضى والعنف والاحتقان الطائفي، الأمر الذي قد يؤدي بالبلاد إلى حافة الهاوية.