دائما ما يوجه الرئيس التركي "رجب أردوغان" عدة انتقادات لبعض الدول خلال حديثه عن الحريات في الدول المختلفة، حيث ينتقد الكثير من الأنظمة الحاكمة، مدعيا أن أنقرة "ممثل الحرية والديموقراطية" في العالم ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، لكن هذه الادعاءات أصبحت هزلية لا يمكن تصديقها، ففي الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس التركي عن الحرية والديموقراطية ويدعو مصر وسوريا وغيرها من الدول لاتباع تعاليم الديموقراطية، يشن حملة عنيفة ضد الحريات في بلاده، فيعتقل التلاميذ بتهم واهية، ويسجن الصحفيين والإعلاميين بتهم محاولة الإنقلاب عليه وتدبير مؤامرات له. وسائل الإعلام التركية كشفت خلال اليومين الماضيين عن سجن أحد التلاميذ 16 عاما عرفته ب"أم أي آي"، تم توقيفه في مدينة "قونية" وسط تركيا، ووجهت إليه تهمة "إهانة الرئيس"، وذلك خلال كلمة ألقاها أمام حشد طلابي في مدينة الأناضول، حيث مثل القاصر أمام قاض وجه إليه التهمة وأودع السجن المؤقت، ليتم الافراج عنه الجمعة بعد طلب تقدمت به محاميته الخاصة، لكن دون اسقاط الحكم القضائي. توضح التقارير الإعلامية التركية أن الطالب بالمدرسة المهنية الصناعية وصف "أردوغان" بأنه "مالك سارق لقصر غير قانوني"، وذلك في إشارة إلى قصر رئاسي جديد مكون من 1150 غرفة أثار جدلا كبيرا في تركيا بسبب تكلفة إنشائه، وألقى الطالب الكلمة في ذكرى مقتل جندي تركي على يد متشددين في عشرينيات القرن الماضي، ودافع فيها عن العلمانية ومبادئ "مصطفى كمال أتاتورك"، مؤسس تركيا الحديثة، وخص الطالب أردوغان بانتقادات شديدة، بسبب قضايا الفساد الأخيرة بينما هتف الحشد "الرشوة في كل مكان.. الفساد في كل مكان"، وأكد الطالب أمام هيئة التحقيق أنه ليس عضوا فى أى حركة شبابية، نافيا تعمد إهانة الرئيس، ولكنه أكد أنه تحدث عن الفساد والرشوة فقط. الدور الذي يتقمصه "أردوغان" ليظهر كصانع الامبراطورية العثمانية الجديدة، يجعله يرفض الاعتراف بأي أخطاء يرتكبها، مُلقيًا جام غضبه على أية انتقادات توجهها إليه المعارضة، فبالرغم من فضائح الفساد المتتالية التي تم كشفها خلال الأشهر الماضية، وتقارير العديد من المنظمات الحقوقيه التي تُجمع على أن الفترة الأخيرة من حكمه كرئيس وزراء شهدت تدهورًا ملحوظًا في الحريات وحقوق الإنسان، إلا أن "أردوغان" يضع نفسه دائمًا في دائرة المستهدفين بالمؤمرات والانقلابات، ليخرج بعد كل كبوة له معلنًا أنها كانت نتيجة مؤامرة من حليفه الوثيق سابقًا وعدوه اللدود لاحقًا "فتح الله جولن". لم يجد "أردوغان" شماعة أخرى ليعلق عليها فضائحه وكبواته سوى رفيقه السابق الداعية "فتح الله جولن" الذي يترأس حركة "خدمة"، والذي يعيش بالمنفى في الولاياتالمتحدة منذ عام 1999، خاصة بعد الخلاف الذي نشب بينهما في 2010، عندما كشف اشخاص تابعين ل"جولن" فضيحة الفساد التي تورط فيها عدد من وزراء "أردوغان" وأعضاء في حزب العدالة والتنمية، فقرر أن يستأصلهم تماما بتهمة التآمر والتخطيط للقيام بانقلاب عليه. أوقفت الشرطة التركية الأحد الماضي 27 شخصاً، واستهدفت حملة التوقيفات الصحفيين بشكل أساسي كرئيس تحرير صحيفة "زمان"، ومدير قناة تلفزيون "سمانيولو تي في"، وصحفيين في قناة المسلسلات "تيك توركييه" التابعة ل"اس تي في" وجميعهم تابعون للداعية "جولن"، وجاء أمر الإيقاف من المدعي العام "هادي صالح أوغلو" واتُهموا بالتزوير وفبركة الإثباتات وتشكيل "عصابة إجرام لضرب سيادة الدولة"، كما أصدر القضاء التركي مذكرة توقيف بحق "جولن"، متهمة إياه بأنه "قائد منظمة إرهابية". الحملة التي يشنها "أردوغان" على أعضاء حركة "خدمة" بزعامة "جولن"، عبر اتهامهم بالتآمر وضرب أمن واستقرار البلاد، هي ذات التهم التي ألصقها "أردوغان" بدعم من حركة "خدمة" ورئيسها بالضباط والعسكريين، والذين خرجوا من المشهد السياسي التركي بالمرة، وهو أمر ما كان بمقدور "أردوغان" أن يفعله لولا دعم "جولن"، ولكن بعد تخلصهم من الضباط والعسكريين وقع "جولن" في الفخ الذي نصبه لهم، لكن الآن بعد وصول "أردوغان" لرئاسة الجمهورية بعد قيادته للحكومة، يحاول التخلص من رفيقه السابق "جولن" لتتسع له الساحة السياسية في تركيا يفعل بها ما يشاء، ما ينذر بدخول تركيا مرحلة قاتمة هدفها القضاء على المعارضة بشكل نهائي.