تضايقهم لأنهم لا يستطيعون قراءتها.. تزعجهم لأنهم لا يستطيعون تركيبها.. وهم مقتنعون أن كل العصور التي سبقتهم هي عصور انحطاط، وأن كل ما كتبه العرب من شعر منذ الشنفرى حتى اليوم هو شعر رديء ومنحط. البداية بكلمات نزار القباني عن اللغة العربية، من كتابه الكتابة عمل انقلابي، تفتتح احتفال جريدة «البديل» باليوم العالمي للغة الضاد، وقبل أن نتطرق للحرب والضغوط الدبلوماسية التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، في سبيل إقرار المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو لاعتماد لغتنا كلغة رسمية سادسة، تتحدث بها الوفود العربية، وتصدر بها وثائق الأممالمتحدة، لنكمل معًا قول صاحب قصيدة «متى يعلنون وفاة العرب»: «تسأل الواحد منهم عن المتنبي، فينظر إليك باشمئزاز كأنك تحدثه عن الزائدة الدودية، وحين تسأله عن (الأغاني) و(العقد الفريد) و(البيان والتبيين) و(نهج البلاغة) و(طوق الحمامة)، يرد عليك بأنه لا يشتري اسطوانات عربية ولا يحضر أفلامًا عربية.. إنهم يريدون أن يفتحوا العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب، يريدون أن يخوضوا البحر وهم يتزحلقون بقطرة ماء، ويبشرون بثورة ثقافية تحرق الأخضر واليابس، وثقافتهم لا تتجاوز باب المقهى الذي يجلسون فيه، وعناوين الكتب المترجمة التي سمعوا عنها». حرب دبلوماسية لاعتماد العربية لغة رسمية بعد جهود بذلت منذ خمسينات القرن الماضي، أسفرت عن صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1954، يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة في السنة، شرط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة، على أن تكون هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية أو قانونية تهم المنطقة العربية، وفي 1960 اتخذت اليونسكو قرارًا يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية، وترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إليها. بعد ذلك ب6 سنوات اعتمد قرار يقضي بتعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو، وتقرر تأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية، ومن العربية إلى لغات أخرى في إطار الجلسات العامة، ثم تقرر اعتماد العربية تدريجيًا لغة عمل في المنظمة مع البدء بترجمة وثائق العمل والمحاضر الحرفية، وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى العربية. استمر الضغط الدبلوماسي العربي، إلى أن تمكنوا من جعل العربية تستعمل كلغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية العامة، وبعد إصدار جامعة الدول العربية في دورتها الستين قرارا يقضي بجعل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة وباقي هيئاتها.. في أكتوبر 2012 عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو تقرر تكريس يوم 18 ديسمبر يومًا عالميا للغة العربية، واحتلفت اليونيسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم، وفي 23 أكتوبر 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها السنوي. اللسان العربي يجمع 400 مليون إنسان وفق برنامج "العربية للجميع" غير الربحي لنشر اللغة العربية، فإن تقديرات الأممالمتحدة تشير إلى أن عدد المتحدثين باللغة العربية كلغة أولى يبلغ اليوم 279 مليون نسمة، هم سكان الدول العربية، يضاف إليهم 130 مليونًا آخر يتكلمونها لغة ثانية، وتتوقع الإحصاءات نفسها، أن يتحدث بها عام 2050 نحو 647 مليون نسمة كلغة أولى، أي ما يشكل نحو 6.94% من سكان العالم، المتوقع أن يصل في ذلك التاريخ إلى 9.3 مليار نسمة، أما عدد من سيتكلمونها لغة ثانية فيعتمد على جهود أهلها في نشرها. حاليًا.. تأتي اللغة العربية في المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، من حيث ترتيب اللغات في الكرة الأرضية، وهي تعد من أكثر اللغات انتشارا في العالم، ويعزز وجودها أنها لغة القرآن الكريم والدين الإسلامي. سيبويه.. إمام العربية وتلميذ «بن أحمد» النجيب لأنه إمام العربية وشيخ النحاة، فالاحتفاء به ركنًا أساسيًا من الاحتفال باللغة العربية، سيبويه واحدًا من بناة الثقافة العربية وصانعي الحضارة الإسلامية، وممن شاركوا فى بناء علم النحو العربي، له كتاب في النحو يسمى "الكتاب" تناول فيه كل قواعد اللغة العربية، وهو أول كتاب منهجي ينسق ويدون قواعد اللغة العربية، وكان لكتابه أثرًا كبيرًا فى علم النحو، واعتبره العلماء أهم كتاب ألف فى هذا العلم، وأطلقوا عليه "قرآن النحو"، كما أن له وصفا لمخارج حروف اللغة العربية هو الأدق حتى الآن. ولد "عمرو بن عثمان بن قنبر" فى منتصف القرن الثانى الهجرى بمنطقة تعرف "بالبيضاء" من قرى "شيراز" ببلاد فارس، واشتهر باسم "سيبويه"، وهى كلمة فارسية تعني رائحة التفاح، وسمي بذلك لأنه كان طيب الرائحة، جميل الصورة والشكل، قدم إلى البصرة غلامًا، ونشأ فيها وأخذ عن علمائها، من أمثال : "الأخفش الأكبر"، و"يونس بن حبيب"، و"أبى زيد الأنصاري"، فنبغ وذاع صيته، كما تتلمذ على يد "الخليل بن أحمد"، وكان أعظم شيوخه تأثيرًا فيه. سافر إلى "بغداد" والتقى بالكسائي إمام نحاة "الكوفة"، وناظره مناظرة شهيرة في مسائل النحو، ثم رحل إلى مسقط رأسه، حيث توفي هناك سنة 180 ه/ 797م. العالم يستحضر قيمة وجمال الحرف العربي لكل ما سبق نحتفل بلغتنا، كما أن هذا العام قررت (أرابيا) أن يكون المحور الرئيسي للاحتفالية هو الحرف العربي، لإعادة لفت الانتباه إلى أهميته وجماله واستحضارًا لقيمته العالية التي تمثل ما يشبه الاتفاق الجمعي العالمي على مكانته في الحضارة البشرية، إذ يشارك في الندوات المخصصة لهذا الموضوع عدد من الخبراء اللغويين مع جمهور الكتاب والباحثين والدبلوماسيين، كما ينظم معرض للخط العربي على هامش الاحتفالية يشارك فيه عدد من الخطاطين من مناطق جغرافية متنوعة. قرار اليونيسكو بتخصيص الاحتفالية للاحتفاء بالحرف العربي جاء بالتنسيق مع مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، الذي اقترح على الهيئة الدولية الأمر، لما يمثله الحرف العربي من قيمة في الرمز للغة العربية المحتفى بها، وما يمثله كذلك من حضور لافت على مستوى الثقافات والحضارة البشرية، بوصفه أحد الصور التي تجاوزت الرسم التواصلي إلى الأعمال الفنية والإبداعية. اللغة العربية تنعي حظها «وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً/ وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ/ فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ/ وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ/ أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ/ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي».. هكذا نعت اللغة العربية حظها في قصائد شاعر النيل حافظ إبراهيم. لنفس السبب تأتي الدعوات من كلية الآداب (عين شمس) بضرورة الحفاظ على هوية اللغة العربية، التي تتآكل يومًا بعد يوم، واستخدام الأنشطة التطوعية في حماية اللغة العربية، والتى تحتاج مجهودات الشباب من خلال المشاركة في الندوات وورش العمل المجانية، التي تقدم الكتب التثقيفية المجانية لكل قطاعات المجتمع، لافتًا إلى وجود علاقة بين تطور المجتمع المصرى ووجود تطور ثقافى به. يؤكد المتخصصون أن الزخم العربى باللغة بدأ يتراجع منذ أواخر القرن ال 19، بالإضافة إلى الاشتقاق الخاطئ الذي تزعمته دول المغرب العربى بإدخال لغة جديدة لا تنتمى إلى لغتنا العربية، ومحاولات فرض اللغة العامية، التي يتم طرحها الآن باعتبارها اللغة العربية المصرية، ووجود لهجات خاصة بكل دولة. هنا قررت الملحقية الثقافية بسفارة المملكة العربية السعودية في القاهرة عقد ندوة بعنوان "اللغة العربية فى مصر"، لمناقشة خمس محاور، لبحث دور المؤسسات فى الحفاظ على اللغة العربية، ومستقبل اللغة والهوية ودور الإعلام، كما تناقش الندوة الشخصيات المصرية البارزة التى أثرت اللغة العربية، كذلك تنظم محافظة الإسكندرية، معرضًا فنيًا بعنوان "فن الخط العربى"، يضم مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية المتميزة نتاج الورش الفنية السابقة، ولا تفوت المنوفية الفرصة، إذ تعقد محاضرة عامة عن اللغة العربية.