تحولت عدة مدن أمريكية إلى ما يشبه ساحة حرب، حيث المظاهرات التي تسودها فوضى عارمة والهتافات والصراخ، والغازات وخراطيم المياة المصوبة تجاه المتظاهرين من قبل الشرطة الأمريكية، في مشهد يثير عدة تساؤلات، هل تعود العنصرية أشد مما كانت عليه في عهد أول رئيس أسود لأمريكا؟، هل أعادت ولايات "ميزوري"، "نيويورك"، "فلوريدا"، "اريزونا" مفهوم العنصرية إلى المجتمع الأمريكي، عبر حوادث قتل واضطهاد لأكبر الأقليات العرقية في الولاياتالمتحدة؟. مجدداً، قتل شرطي أبيض رجلا أسود أعزل في ولاية "اريزونا" الخميس، عبر إطلاق النار عليه إثر اشتباهه خطأ في أنه يحمل سلاحا، وأعلنت شرطة مدينة "فينيكس" الأمريكية في بيان أن أحد عناصرها حاول اعتقال مواطن أسود يدعى "رومين بريزبون" (34 عاما) للاشتباه باتجاره بالمخدرات، حاول "بريزبون" الفرار من الشرطي ورفض الاستجابة للعديد من الأوامر التي وجهها إليه الشرطي، حتى نشب عراكًا بين المشتبه به والشرطي، فظن الشرطي أن المشتبه به بصدد إخراج مسدس من جيبه، لكن في الواقع فإن "بريزبون" لم يكن يحمل سلاحًا، حسب رواية الشرطة. يأتي هذا الحادث في غمرة احتجاجات وتوترات عرقية تشهدها مدن أمريكية عدة بعد رفض هيئتي محلفين في كل من "ميزوري" و"نيويورك" توجيه الاتهام لشرطيين مسئولين عن مقتل رجلين أسودين أعزلين، فانفجرت الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بالعدالة، والتي لم تخلو من المواجهات العنيفة التي مرت بحرق المتظاهرين لبعض المنشآت وصولا إلى إعلان حالة الطوارئ في إحدى الولايات التي سادتها حالة من الفوضى العارمة، ولليلة الثانية على التوالي، احتشد أكثر من 1500 شخص مساء الخميس، في شوارع نيويورك للاحتجاج على قرار هيئة المحلفين، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "حياة السود هامة" و"العنصرية تقتل" و"فيرغسون في كل مكان"، وحلقت مروحيات فوق المحتجين في حين كانوا يهتفون "لا عدالة لا سلام". في محاولة لتهدئة الأوضاع، قرر وزير العدل الأمريكي فتح تحقيق متعلق بالحقوق المدنية في وفاة المواطن الأسود "ايريك جارنر" الذي لقي مصرعه اختناقا على يد رجل شرطة أبيض، وأعلن المدعي العام "ايريك هولدر"، عن فتح التحقيق بعد أن قررت هيئة محلفين في وقت سابق عدم توجيه أي اتهام للشرطي، وقال "هولدر" إن التحقيق سيكون "مستقلا وشاملا وعادلا وسريعا"، لمعرفة ما إذا كان قد حدث انتهاك للحقوق المدنية في هذه القضية، وطالب "هولدر" من خططوا للتظاهر ضد قرار هيئة المحلفين أن تكون "تظاهراتهم سلمية"، وقال إنه يعمل على رأب الصدع في الثقة بين رجال الشرطة والأقليات المختلفة في البلاد. وصف "بول بتلر" أستاذ القانون بجامعة "جورج تاون" في مقالة له بصحيفة "نيويورك تايمز"، أن الاعتقاد بأن انتخاب رئيس من أصل إفريقي قد يؤدي بالولاياتالمتحدة إلى مكان أفضل ب"الساذج"، مشيرًا إلى استمرار معاناة السود منذ تولي "أوباما"، من الناحية الاقتصادية والتعليمية، وعدم حصولهم على جميع حقوقهم المدنية مقارنة بالبيض. تثبت الأحداث دائماً أن بذور العنصرية ما زالت كامنة في النفوس، وأن جذورها لا تزال ضاربة بعمق في السياسات الأمريكية رغم كل قوانين المساواة والحرية واحترام حقوق الإنسان، ومواعظ "باراك أوباما" البليغة عن العنصرية عندما كان مرشحًا للرئاسة، وبدا وكأنه هو الذي يمكن أن يوحد البلاد، لكن الأزمة جاءت لتعيد تذكير الأمريكيين بأن آلام الماضي ومشاكله لم تحل، بعد أن كانت معاناة السود في المجتمع الأمريكي اختفت رسميا على الأقل، مع إعلان الرئيس الأمريكي "إبراهام لينكولن"، عام 1862 قانون "تحرير العبيد"، لكنها لم تختف على الأرض بل تأججت خاصة في عهد "أوباما".