تامر عبد المنعم: نجاح الأفلام السوقية مؤشر لتدنى الذوق العام عزة كريم: الرقابة تتغافل عن أدعياء يتاجرون بالفن والثقافة كشفت قائمة إيرادات الأفلام خلال الأسبوع الماضى، عن مدى التراجع الثقافى والأخلاقى، والترويج لظواهر البلطجة والتحرش والرقص فى الملاهى الليلية، ليتبين لنا اعتلاء فيلم الجزيرة 2 المرتبة الأولى، محققًا 779.980 جنيها مصريا، للفنان أحمد السقا، مجسدًا دور منصور الحفنى تاجر المخدرات والسلاح بعد هروبه من السجن خلال فترة الانفلات الأمنى، وعودته للجزيرة من جديد، ليليه فى القائمة فيلم "واحد صعيدى"، محققًا 593.416 جنيه مصرى، بطولة محمد رمضان، وتدور أحداثه فى إطار إجرامى ومحاولة قتل فتاة تسمى سماح، وفى المرتبة الثالثة عمر وسلوى، بقيمة 348.889 جنيه، بطولة كريم محمود عبد العزيز،سعد الصغير، ويناقش أزمة رفض (عمر) عمل (سلوى) كراقصة بأحد الملاهى الليلية، ولكنها تتمكن فى النهاية من تحقيق مبتغاها؛ ويتذيل قائمة الإيرادات فيلم "النبطشى"،بإيرادات 16 ألف جنيه، بطولة، محمود عبد المغنى، مى كساب، وتدور الأحداث فى إطار ظلم كل مصرى، ليحاول البطل "النبطشى"، محاربة الفساد عن طريق برنامجه التلفزيوني. وأرجع الخبراء والنقاد السينمائيون التراجع الفكرى والأخلاقى لتسخير الإنتاج في خدمة شباك التذاكر دون مراعاة أية معايير أو ضوابط مجتمعية وأخلاقية، لتندثر الهوية المصرية تدريجيًا وتصبح البلطجة مثالا للشجاعة، والرقص المبتذل رسالة المرأة لتحقيق أهدافها فى بناء المجتمع، وهو ما يجعلنا نبحث عن دور الرقابة فى الحفاظ على الهوية المصرية وأخلاقياتها وسماتها المفقودة حاليًا. تقول عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع، "لاشك أن برامج التوك شو، والأفلام، والمسلسلات، لها تأثير على فكر وأخلاقيات المجتمع؛ فأغلب الجمهور يعتبرون المذيعين قدوة لهم، ومع عدم وجود محظورات على استخدام الألفاظ النابية، والشتائم، يكمن الخطر في أن يفقد المشاهد هويته وإنسانيته، في ظل غياب الرقابة التي تترك البعض باسم الفن يتاجر بأخلاقياتنا وثقافتنا. وتضيف: نلاحظ الآن نوعا من التوتر والاضطراب والتخبط لشبابنا مما يجعلهم يفكرون في الهجرة، وتستغيث بالرقابة لإنقاذ شبابنا من الضياع، مؤكدة أن متابعة الرقابة للأفلام لا تتعارض مع الحرية، ولكنها ضرورة لحماية الثقافة من الانحلال. ويقول د.مدحت الجيار، الناقد الأدبى، إن الإنتاج الخاص يسعى دائمًا لتلبية احتياجات الشريحة العريضة بالمجتمع لتحقيق مكاسب ضخمة، حتى وإن كانت تلك الشريحة على خطأ، والرائج حاليًا هى أدوار الجدعنة، والحنية، والتأثير على النساء. وعن الحل لمواجهة التردى الثقافي والانحدار الأخلاقى، طالب الجيار بضرورة إعداد محاضرات عن أنواع التفكير وإعطاء الشباب نصائح، فى المدارس والجامعات، فالرقابة ينحصر دورها فى منع الأفلام السياسية، والإباحية، فيما لا تكترث بأفلام البلطجة، والألفاظ النابية، والإشارات البذيئة. وقالت د.سامية الساعاتى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، إن الفن مرآة للمجتمع، ونحن نمر بفترة صعبة بها تناقضات، تظهر على الشاشات المصرية وفى أسلوب الحوار فى الأفلام والمسلسلات، ويضاف عليها نوع من المبالغة للتأكيد على السلوك وهو ما يدعى "التغير الاجتماعى". ووضعت الساعاتى، مقارنة بين أفلام الخمسينات وما عليه الأفلام حاليا، لإظهار مدى الانهيار الأخلاقى الآن قائلة: فى الخمسينات كان الشاب يدافع عن بنت منطقته، والحفاظ على البنات وغيرها من أعمال الشهامة والجدعنة، أما الآن فالجميع يسعى وراء المنفعة أو اللذة مما يشوه الإنسانية، ويساعد على انتشار ظواهر سلبية كالتحرش. وأوضحت أن وجود فئة نقية فى المجتمع غير كفيلة بحماية باقى المجتمع من الإسفاف، والحل هو دراسة الشخصية المصرية بالتفصيل والتعامل معها وفقًا للتطور المجتمعى. واتفق معها تامر عبد المنعم، مدير قصر ثقافة السينما، قائلا: إن الأفلام الهابطة ظهرت بسبب الحراك السياسى كالمظاهرات والاعتصامات وأحداث الشغب التي تسببت فى الانتقال من الركود إلى الحركة، بمعنى أن كل ما نراه سواء فى الشارع أو على شاشات التليفزيون كان موجودا من قبل، ولكنه ظهر بوضوح حاليا، كالتحرش والإسفاف. وأضاف عبد المنعم، أنه لا يجوز معالجة الفن قبل المجتمع، فالأفلام الجيدة موجودة ولها جمهورها ولكنها قليلة لا تكفى، وأن موت المسرح وركود الكتب فى المكتبات دون بيع أو حتى استعارة يدل على الانحدار الثقافى. وفى سياق متصل قال هانى سعيد، النااقد الأدبى، إن الإنتاج الحالي يعكس الثقافة الموجودة، وبذلك يضمن أعلى نسبة مشاهدة ومعها أعلى إيرادات لأفلامه المسفة، مناديًا بضرورة وجود أفلام منافسة للمثقفين، وعلى المثقفين إعطاء النصائح والإرشادات لمن حولهم بالبعد عن الإسفاف ومتابعة الفن الراقى، ولا أعفى الرقابة من المسؤولية، ولكن جميع المؤسسات الحكومية يسودها الفساد.